كتبت ساندي الحايك في صحيفة “السفير”:
تنعكس الأزمة السياسية الداخلية بشكل سلبي على المؤشرات الاقتصادية كافة. لا ينفي ذلك أن لبنان حظيّ بفرص «ذهبية» عدة، كان من شأن استغلالها أن يُحسن ظروفه الاقتصادية والمالية العامة، ومنها انخفاض أسعار النفط عالمياً.
لكن لبنان لم يستفد من ذلك الانخفاض السريع والمفاجئ لأسعار النفط، فبعيداً عن انخفاض سعر صفيحة البنزين والتراجع في ميزان المدفوعات الذي وصل إلى مستويات قياسية تقارب الـ3.2 مليارات دولار، وهو ما حصل بشكل تلقائي، لم يتغيّر شيء في البلاد. لم يُسجل انخفاض في تكاليف النقل أو فواتير مولدات الكهرباء الخاصة أو أسعار السلع المنتجة محلياً، خصوصا المواد الغذائية.
وبعد أن أدى انخفاض أسعار النفط إلى تراجع ملموس في خسائر القطاع الكهربائي، علمت «السفير» أن مؤسسة كهرباء لبنان وضعت دراسة لرفع التعرفة الكهربائية للعموم بنسبة 30 في المئة كحدٍ أدنى مقابل زيادة ساعات التغذية، على أن تكون التعرفة قابلة للتغيير وفق تقلبات أسعار النفط.
وعليه، رفع مجلس إدارة المؤسسة كتاباً إلى وزارة الطاقة والمياه بتاريخ 30-6-2016 يتضمن مشروع اعتماد منهجية تعديل التعرفة الكهربائية للعموم، بعد أن أجريت عليه تعديلات تراها المؤسسة ضرورية نتيجة وقائع جديدة منها تاريخ وضع معملي الذوق والجيّة المزوديّن بالمولدات العكسيّة بالخدمة واعتماد سعر 60 دولاراً أميركياً لبرميل النفط الخام بحيث يتوافق مع السعر المعتمد في مشروع موازنة مؤسسة كهرباء لبنان للعام 2017.
قبل انخفاض أسعار النفط كانت مؤسسة كهرباء لبنان تُسجل عجزاً بـ3 آلاف ومئتيّ مليار ليرة، إلا أنه مع انخفاض سعر البرميل تراجعت الخسائر إلى حدود ألفين ومئة مليار ليرة. ما يعني أن «كهرباء لبنان» سجلت وفراً قدره ألف ومئة مليار ليرة، يُمكن الاستفادة منه لا لسدّ العجز في المالية العامة للدولة بل لإصلاح قطاع الكهرباء عبر زيادة إنتاج الطاقة.
وبحسب الخبير الاقتصادي والمالي د. غازي وزني فإنه «نظراً لكون مؤسسة كهرباء لبنان تبيع إنتاجها بأقل بكثير من كلفته، تُعد عملية زيادة التعرفة خطوة من الخطوات الإصلاحية لاستنهاض قطاع الطاقة».
«السفير» تنشر دراسة مؤسسة الكهرباء
توضح مؤسسة كهرباء لبنان في دراسة أعدتها ووافق عليها مجلس الإدارة بالإجماع في جلسته بتاريخ 22-6-2016، وحصلت «السفير» على نسخة منها، أن زيادة التعرفة الكهربائية تأتي بشكل متوازٍ مع زيادة القدرات الإنتاجية في معامل الإنتاج المرتقب وضعها على الشبكة، والتي تؤدي إلى زيادة ساعات التغذية التي سيستفيد منها المواطنون. وتشمل تلك المجموعات:
ـ إمكانية التمديد لاستئجار البواخر الكهربائية لسنتين إضافيتين (من المُقرر تمديد العقد مع شركة Karpowership ابتداءً من 1-10-2016، القدرة: 270 ميغاوات)
ـ إمكانية زيادة الاستجرار من البواخر الكهربائية (تمديد العقد مع شركة Karpowership ابتداءً من 1-10-2016، القدرة: 100 ميغاوات). ما يعني عملياً مضاعفة إنتاج تلك البواخر ليصل إلى حدود الـ370 ميغاوات. علماً أن الدراسة لم توضح توضيحاً تفصيلياً الكلفة الإضافية التي ستترتب جراء ذلك.
إلا أن مصادر مؤسسة كهرباء لبنان كشفت لـ «السفير» أن «العقد الموقع مع الشركة ينص على العمل لمدة ثلاث سنوات مع إمكانية التمديد لسنتين إضافيتين، وقد جاء التمديد لمصلحتنا نتيجة تخفيض سعر الطاقة التي توفرها الباخرة للسنتين الإضافيتين مقارنة مع السنوات الثلاث الأولى»، علماً أن التمديد تمّ بموافقة وزارتي الطاقة والمال.
ـ وضع معمل الجيّة الجديد الذي يعمل على المحركات العكسيّة في الخدمة (القدرة: 77 ميغاوات)
ـ وضع معمل الذوق الجديد الذي يعمل على المحركات العكسيّة في الخدمة (القدرة: 193 ميغاوات).
وبرغم أن أعمال إنشاء وتجهيز هذين المعملَين انتهت، إلا أن المؤسسة لا تزال بانتظار إقرار الاستلام الموقت من قبل الاستشاري MVV Decon ووزارة الطاقة والمياه لوضعهما بعهدتها. وأشارت «كهرباء لبنان» في الدراسة إلى أن تشغيل هذين المعملين من قبلها مرتبط بموافقة وزارة المالية على تأمين الاعتمادات للتمكن من تنفيذ قرار مجلس الإدارة رقم 10-3 الصادر بتاريخ 21-1-2016 والمتعلق بتشغيل وصيانة المعملين. وقد نصّ القرار على الموافقة على عقد صفقة بالتراضي مع العارض تحالف شركات OEG/ARKAY Limited/Middle East Power لتشغيل وصيانة المحركات العكسية في الذوق والجيّة بمبلغ إجمالي قدره 107,917,279,00 يورو من دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة، وذلك لمدّة خمس سنوات لكل من المعملين.
وتشير «كهرباء لبنان» إلى أنه نتيجة لوضع القدرات الإنتاجية الأربع في الخدمة ووصلها على الشبكة سيزداد حُكماً استهلاك المحروقات لإنتاج الطاقة الإضافية الموضوعة في الخدمة، مما سيؤدي إلى زيادة ساعات التغذية (ما بين 4 أو 6 ساعات تغذية إضافية) وزيادة اعتماد المواطنين على مؤسسة كهرباء لبنان لاستمداد الطاقة، ما يعني عملياً انخفاض اعتمادهم على المولدات الموجودة في الأحياء.
وتُقدر الزيادة على التعرفة بحوالي 39,63 في المئة على الكيلووات ساعة الحالي، أي رفع معدل التعرفة من 134,5 ليرة إلى 188 ليرة لكل كيلووات ساعة، بما في ذلك رسوم الاشتراك ورسم التأهيل. مع العلم أن كل زيادة إنتاج قدرها 100 ميغاوات تتطلب زيادة التعرفة بـ6,25 في المئة أو 8 ليرة لكل كيلووات ساعة في حال كان سعر برميل النفط الخام 60 دولاراً.
وبحسب الدراسة، فإن كل زيادة على التعرفة بـ10 ل.ل./ك.و.س. يؤدي إلى تخفيض العجز بحوالي 100 مليار ل.ل. سنوياً.
انطلقت الدراسة من اعتبار أن كمية الطاقة المفوترة تُشكل 62,50 في المئة من إجمالي الطاقة المُنتجة، في حين أن الهدر من مجمل الطاقة يُقدر بنسبة 37,50 في المئة. علماً أن هذه النسبة تضاعفت في السنتين الأخيرتين، إذ كانت تتراوح بين 31,91 في المئة و34,77 في المئة بين عامي 2008 و2014، مع الأخذ بعين الاعتبار استهلاك النازحين السوريين المقمين في مخيمات والذين يستمدون الطاقة الكهربائية بطريقة عشوائية.
إلى ذلك، توضح مصادر من مؤسسة كهرباء لبنان لـ «السفير» أن «الهدف ليس رفع التعرفة بحدّ ذاته، إنما تحقيق توازن في مالية المؤسسة، فالتعرفة الحالية وضعت في العام 1994 عندما كان سعر برميل النفط لا يتجاوز الـ15 دولاراً وبقيت ثابتة، في حين أن أسعار النفط تغيّرت ووصلت إلى مستويات قياسية قاربت الـ150 دولاراً للبرميل في العام 2008 وأقل من 50 دولاراً حالياً».
وتشير المصادر إلى أن «معالجة الهدر الفني وغير الفني على الشبكة ليست كافية، لأنها بالرغم من أهميتها، تؤدي إلى خفض العجز بحدود الـ150 مليون دولار فقط. أما باقي العجز فلا سبيل لمعالجته سوى برفع التعرفة، حيث أن 90 في المئة من العجز يعود إلى التعرفة الثابتة، و10 في المئة فقط يعود إلى الهدر غير الفني (أي التعديات) على الشبكة».
لماذا يستمر عجز كهرباء لبنان؟
يرى الخبير غازي وزني في حديث مع «السفير» أن «الحلول لأزمة الكهرباء معروفة ويحفظها الجميع عن ظهر قلب، إلا أن المشكلة تكمن في غياب القرار السياسي لدعم قطاع الطاقة»، مشيراً إلى وجود اختلاف كبير في رؤية الأقطاب السياسيين بشأن مستقبل قطاع الطاقة في لبنان، «فمنهم من يؤمن بالخصخصة ومنهم من يسعى إلى الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومنهم من يسعى إلى «فدرلتها» أي أن يجعل لكل منطقة إنتاجاً مستقلاً من الكهرباء، فضلاً عن القوة والنفوذ اللتين بات يتمتع بهما أصحاب المولدات الخاصة، المُستفيدين الأوائل من انهيار مؤسسة كهرباء لبنان، وهذا ما يجعل من قرار مُعالجة أزمة الكهرباء مستعصياً».
بدوره، يؤكد الوزير السابق شربل نحاس أن «خسائر الكهرباء تُشكل 37 في المئة من العجز في الدين العام»، مشدداً على أن «ذلك نتيجة طبيعية لسياسات الدولة غير البناءة لا بل الهادفة إلى إغراق المؤسسة بالعجز تمهيداً لبيعها أو خصخصتها، فعندما تُقدم الحكومة على دعم المؤسسة بشكل يجعلها تحقق توازناً مالياً بين كلفة إنتاجها وسعر مبيعها سيُحلّ جزءٌ كبير من المشكلة».
شركات الامتياز.. و«تطنيش» الدولة
منذ مطلع التسعينيات حظيت بعض الشركات الخاصة بامتياز إنتاج وبيع الكهرباء للعموم، علماً أن العقد معها ينص على بيع الإنتاج بالتعرفة نفسها المُعتمدة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، على أن تنتقل تلك الشركات إلى كنف المؤسسة الرسمية بمجرد انتهاء مهلة الامتياز.
إلا أن ما يحدث على أرض الواقع مخالف لذلك، إذ تُقدم تلك الشركات على شراء الكهرباء من «كهرباء لبنان» بسعر زهيد ومن ثم تبيعها للعموم بأسعار مضاعفة.
هذا الواقع دفع مؤسسة كهرباء لبنان إلى رفع كُتب متكررة إلى وزارة الطاقة والمياه ومجلس الوزراء للمطالبة بـ:
1- تقيد شركات الامتياز التي تُنتج الطاقة الكهربائية حالياً أو التي تطلب إنتاج الطاقة بالتعرفة الرسمية المعتمدة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، والتي هي أقل بكثير من التعرفة المُعتمدة أو التي ستعتمد من قبل هذه الشركات. علماً أن الأخيرة تؤمّن الطاقة المُنتجة من قبلها أثناء فترات التقنين الكهربائي فقط وليس على مدى 24 ساعة يومياً كما يُشيع أصحابها، حيث تواصل استمداد الطاقة من مؤسسة كهرباء لبنان بسعر مدعوم محققةً أرباحاً كبيرةً.
2- اما السماح لمؤسسة كهرباء لبنان، أسوةً بشركات الامتياز، باعتماد تعرفة متحركة وفق القواعد الاقتصادية، بما يُتيح لها الانتقال من العجز إلى تحقيق توازن مالي، إضافة إلى فائض يُمكن أن يُساهم في تحقيق نقلة نوعية في قطاع الكهرباء في لبنان، سواء على صعيد تأمين خدمة كهربائية أفضل للمواطنين أو على مستوى تأمين التيار الكهربائي بشكل مستدام.
إلا أن جواب الوزارة على ما سبق، وفق المستندات التي حصلت عليها «السفير»، كان «التطنيش» عبر النص الآتي: «نظراً لأن المدير المختص لم يحضر لمناقشة موضوع تعديل التعرفة، اضطررنا إلى إعادة كامل الملف إلى مؤسستكم».