كتب غسان ريفي في صحيفة “السفير”:
حملت زيارة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الى طرابلس، وجولته الشعبية في التبانة ولقاؤه أهالي الموقوفين فيها، وتوقيعه مذكرة تفاهم مع نقابة المحامين، ولقاؤه قيادات وفاعليات المدينة في دارة الرئيس نجيب ميقاتي، أكثر من دلالة سياسية وأمنية، خصوصاً في ظل المعلومات التي توفرت أمس عن وجود ضوء أخضر للواء إبراهيم لإنجاز مصالحة تاريخية في طرابلس بين التبانة وجبل محسن الذي سيكون على جدول الزيارات التي يقوم بها إبراهيم لمختلف المناطق اللبنانية، وستكون محطته التالية في بلدة شبعا الأحد المقبل.
في السياسة، يمكن القول إن زيارة إبراهيم ساهمت في كسر الاصطفافات، وفي سحب البساط من تحت أقدام كل مَن يحرّض ويلعب على الوتر المذهبي السني ـ الشيعي، ويحاول النيل من جهاز الأمن العام اللبناني على خلفية بعض التوقيفات التي قام بها مؤخراً، لا سيما توقيف المفتي السابق الشيخ بسام الطراس ومن ثم الإفراج عنه.
وقد جاءت حفاوة الاستقبال الشعبي الحاشد لإبراهيم في التبانة ونحر جمل وعدد من الخراف تكريماً له، لتردّ على كل الأقاويل والادعاءات والاجتهادات في هذا الإطار، ولتؤكد في الوقت عينه، اشتياق طرابلس عموماً والتبانة خصوصاً للدولة ولكل مَن يمثلها، برغم عتب الناس عليها، من زاوية الحرمان المتمادي والمزمن.
كما جاء اللقاء في دارة ميقاتي بحضور أطياف المجتمع الطرابلسي، ليؤكد متانة العلاقة التي تربط طرابلس بالأمن العام وقياداته، وعلى أن الفيحاء كانت وستبقى الحاضنة الدائمة لكل اللبنانيين، وأنها مدينة التنوّع والانفتاح والداعمة لكل المؤسسات الشرعية.
أما في الأمن، فقد جاءت زيارة إبراهيم الى التبانة لتطمئن كل أبناء طرابلس ولبنان الى سلامة الوضع الأمني في ظل الشائعات التي تتحدث عن إمكانية عودة التوترات، وقد علمت “السفير” أن الزيارة المقبلة للواء إبراهيم ستكون الى جبل محسن، حيث سيلتقي رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي وفاعليات المنطقة، تمهيداً لإعداد مصالحة تاريخية حقيقية تطوي صفحة الماضي وتمحو صورة جولات العنف، وتؤسس لشراكة مجتمعية حقيقية بين أبناء المنطقتين.
كذلك فقد جاءت مشاركة عدد من قادة المحاور في التبانة ممن خرجوا مؤخراً من السجن في الاستقبال لتؤكد التزام هؤلاء، وتعاونهم الكامل مع الأجهزة الأمنية من أجل حماية منطقتهم، وتخليهم عن حمل السلاح في ظل وجود الدولة.
وقد لمس اللواء إبراهيم خلال جولته في التبانة ما تعانيه هذه المنطقة من حرمان وإهمال مزمنين، حيث استمع الى المشاكل التي يعاني أهلها، وتسلّم مذكرة مطالب من أهالي الموقوفين، ونوّه بطيبة أبناء التبانة ووطنيتهم، وعبر عن سعادته بلقائهم، شاكراً حفاوة الاستقبال التي فاقت توقعاته، مشدداً على ضرورة أن تلتفت الدولة بكل أجهزتها الى هذه المنطقة التي تحتاج أيضاً الى جهود كل قيادات طرابلس بدون استثناء، كما تحتاج مع كل طرابلس الى كثير من الفرح لتتجاوز من خلاله الصعوبات، معلناً أن الرئيس نجيب ميقاتي سيقيم أسبوع فرح كامل في طرابلس، سيتنقل يومياً من منطقة الى أخرى، تأكيداً على الاهتمام بهذه المدينة.
وكان اللواء إبراهيم يُحيط به ضباط الأمن العام في الشمال، استهلّ جولته الطرابلسية بزيارة نقابة المحامين حيث وقع مع النقيب فهد المقدم مذكرة تفاهم وتنسيق خلال احتفال حضرته شخصيات سياسية واجتماعية وقضائية وحقوقية.
وتوقف ابراهيم عند المكانة التي تحتلّها طرابلس في قلبه، “كرمز للانفتاح والعيش الواحد والثقافة المتنوّرة بمزيجها الوطني المتنوّع”، منوّهاً بنقابة المحامين الساطعة في دنيا القانون والتشريع، مؤكداً على ان «”العدل اساس الملك، وعلى ضرورة صون الدولة ومؤسساتها والحفاظ على الحريات العامة”، وقال إنه من دون قضاء عادل ومستقل، وأمن صلب وقوي، “يصبح المواطن مكشوفاً والدولة سائبة والوطن غابة يسودها الأشرس والأعنف”.
ثم انتقل إبراهيم إلى التبانة وكان محطته الأولى استقبال حاشد عند مستديرة أبو علي ثم انتقل مع جموع المواطنين الى ساحة الأسمر، حيث التقى أهالي الموقوفين الذين سلّموه مذكرة بمطالبهم، كما استمع الى شكاوى أبناء المنطقة، ثم جال في مختلف شوارع التبانة.
بعد ذلك انتقل إبراهيم الى دارة الرئيس ميقاتي في الميناء، حيث أقام له حفل غداء على شرفه ضمّ مختلف أطياف المجتمع الطرابلسي.
رحّب ميقاتي بإبراهيم الذي “عرفناه منذ زمن قمة في الوفاء والأخلاق والمناقبية والإخلاص والوطنية والشفافية. وما وجوده في طرابلس إلا دليل على حبّه ورعايته لكل المناطق اللبنانية دون تمييز”.
وردّ إبراهيم شاكراً، وقال إن الأهم من العدل هو الأمن، الذي لا يتحقق إلا بوجود الأمن الاجتماعي، ولذلك، أحبّ التواصل مع الناس والاطلاع على شؤونهم، والإمام علي يقول: “عجبتُ لمن لا يجد قوت عياله كيف لا يخرج شاهراً سيفه”.
مذكرة من أهالي الموقوفين
سلّم أهالي الموقوفين في التبانة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم مذكرة طالبوا فيها برفع الظلم عن المظلومين من السجناء والموقوفين وأهاليهم من الفقراء والمساكين، وناشدوه العمل على إغلاق ملف أحداث التبانة ـ جبل محسن، خصوصاً تصنيفات الإرهاب، ورفع الظلم الواقع على كثير من شباب طرابلس والتبانة في الاستنابات القضائية ووثائق الاتصال ووسائل الإخضاع والنشرات والسجل العدلي.
وطالب الأهالي بنقل المساجين في رومية الى سجون مناطقهم، وإغلاق سجن الريحانية، والنظر في أوضاع الموقوفين غير اللبنانيين، وتخفيض العقوبات لمن أمضى أكثر من نصف محكوميته، والنظر في الأحكام الجائرة وإعادة المحاكمات لبعض الشباب، والنظر في أوضاع فقراء أهالي السجناء، وتسريع المحاكمات وتقريب الجلسات وقبول فصل الملفات.
كما دعا الأهالي الى التأكد من مراعاة تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان داخل السجون، وتحديد حكم المؤبد بعدد من السنين، وجعل السنة السجنية ستة أشهر بدلاً من تسعة، وتأمين الاستشفاء والدواء مجاناً للسجناء، وإخلاء سبيل الموقوفين المرضى.