Site icon IMLebanon

انتخاب عون مسألة وقت

 

كتبت صحيفة “الأخبار”:

لم يأت الوزير وائل أبو فاعور بكلمة السر الرئاسية من المملكة العربية السعودية. ورغم ذلك، ما بات محسوماً حتى ليل أمس أن الرئيس سعد الحريري تخلى عن ترشيح النائب سليمان فرنجية، وأطلق مسار انتخاب الجنرال ميشال عون الذي بات وصوله إلى قصر بعبدا مسألة وقت لا أكثر

الأزمات التي تعصف بتيار المستقبل وبرئيسه النائب سعد الحريري كفيلةٌ بجعله أكثر الأطراف سوداوية وفقداناً للأمل من بين اللاعبين السياسيين. لكن، للمفارقة، بات وجود رئيس الحكومة الأسبق في لبنان مُرتبطاً بالتفاؤل بقرب انفراج أزمة رئاسة الجمهورية.

منذ أن عاد الحريري يوم السبت الماضي من سفره، تأمل التيار الوطني الحر خيراً في أن يكون ذلك دليلاً على استدارة في الموقف السعودي من ترشيح عون. المؤشرات التي يستند إليها المتفائلون هي أنّ الحريري كان قد قال إنه لن يعود إلى لبنان من دون حلّ للرئاسة. أما المؤشر الثاني فهو انعقاد اجتماع كتلة نواب تيار المستقبل أمس، وإصدارها بياناً من دون الإشارة إلى التمسك بترشيح النائب سليمان فرنجية، مكتفياً بالدعوة إلى المشاركة في جلسة مجلس النواب اليوم المخصصة لانتخاب رئيس (لن تنعقد) وإبقاء اجتماعات الكتلة مفتوحة لعرض التطورات. «فرمل» العونيون تحركاتهم في الشارع، ولو أنهم لم يتوقفوا عن الإعداد لها. لم ينتج ذلك من فراغ، فالحريري «المُرهق» من أزماته، بات مُتيقناً من أنّ ترشيح فرنجية إلى الرئاسة سقط، وهو يُحاول أن يجد الطريقة الأمثل للتراجع قليلاً إلى الخلف والعودة إلى السير بخيار عون، شرط تذليل 3 عقبات: كتلته النيابية، موقف الرئيس بري، وموقف فرنجية.

من الخطوات التي قام بها الحريري أن أبلغ كلّاً من بري وجنبلاط، عبر وسطاء، أنّ المملكة العربية السعودية لا تُمانع أن يأخذ حليفها القرار الذي يراه مناسباً في ما خصّ رئاسة الجمهورية. بري وجنبلاط أشد المعترضين على انتخاب عون، لديهما أسبابهما التي تتعلّق أولاً وأخيراً بتقاسم النفوذ في السلطة. اتفق هذا الثنائي، بعد اتصالات بينهما، على إيفاد وزير الصحة وائل أبو فاعور إلى السعودية لمحاولة فهم حقيقة الموقف قبل أي لقاء مع الحريري. عاد أبو فاعور أمس إلى بيروت، فتناقلت المصادر روايتين لنتيجة زيارته؛ الأولى تشير إلى أنّ الوزير الاشتراكي فهم من السعوديين أنهم «مش ماشيين بعون». أما الرواية الثانية فتفيد بأنّ أبو فاعور لم يسمع اعتراضاً على انتخاب عون رئيساً، ولكنه «استنتج» أنهم لا يوافقون على ذلك. الكلام الذي نقله زوار بري عن أن أبو فاعور «راح مختار ورجع محتار»، يحسم الجدل لمصلحة الرواية الثانية. على الأثر أجّل بري اجتماعه مع الحريري إلى حين انتهاء التشاور مع جنبلاط. وقد اتصل بري، كما نقل عنه زواره، بالحريري «وهنّأه بسلامة العودة واتفقا على تحديد موعد لاحق». وأبلغه أنه إذا أراد انتخاب عون فليقم بذلك ولكن شرط أن لا يُطالبه أحد في المستقبل بالقيام بمعركة ضد الرابية. أما جنبلاط، فقد نصح الحريري بعدم الإقدام على خطوات رئاسية تُعاكس الرأي السعودي.

الاتصالات السياسية بشأن الموضوع نفسه استُكملت أمس. زوار بري يؤكدون أنه «لا جديد ولا استحقاق خارج السلّة، إذا ما كان من اتصالات جدية فهي حول السلّة». وأضاف بري لزواره: «ليس لدي أي معطى جديد يجعلني أغيّر موقفي». في المقابل، تحدثت أوساط قريبة من بري عن تلويحه بمقاطعة جلسة انتخاب الرئيس، وشرحت الأمر على النحو الآتي: «يلتزم بري الدعوة الى الجلسة كرئيس للمجلس، لكن نواب حركة أمل يقاطعون، ويترك للنواب المسيحيين في الكتلة وكذلك لنائب البعث قاسم هاشم حرية القرار». موقف بري قابله حزب الله على وجه الخصوص برفض تام. قال حزب الله إنه لا يشارك في جلسة يقاطعها بري. لكن الحزب لم يقف عند هذا الموقف المبدئي، بل بحث مع بري أن قرار المقاطعة سلبي للغاية وسيترك آثاره السلبية على المرحلة المقبلة، خصوصاً أن جنبلاط ليس حاسماً في مجاراته رئيس المجلس في موقف كهذا. الوسطاء فهموا الأمر بأنه ضغط إضافي على عون لتقديم تنازلات تجاه بري. وهي تنازلات تتناول بالشكل موقف عون من شرعية المجلس النيابي، وفي المضمون آلية إدارة الدولة لاحقاً.

التواصل مع عون أفضى الى تفاهم مبدئي، يقول إنه مستعد للتوجه صوب عين التينة، ليس للوقوف على خاطر رئيس المجلس، بل للتفاهم معه على أمور كثيرة، لا سيما أن عون مؤمن بوجود قواسم مشتركة مع رئيس المجلس. عون لا يعارض مبدأ السلة، خصوصاً لجهة إقرار قانون انتخابي جديد، وهو يريد السير بالقانون النسبي.

لكن ما هو عالق، يتصل بالموقف من طريقة تشكيل الحكومة المقبلة وإدارتها. وعون طمأن من يهمه الامر إلى أنه في حال وصل الى بعبدا، فذلك بوصفه رئيساً لكتلة نيابية وتيار سياسي، وليس كجنرال، وأن التهويل بأنه سيقود البلاد كأنه مجلس عسكري ليس وارداً على الإطلاق.

بالنسبة إلى فرنجية، يبدو أنه يدرس إمكانية إصدار بيان عن تيار المردة يؤكد مضيّه بالترشح لرئاسة الجمهورية بمعزل عن أي نقاش آخر، وإن كان هو أقرّ بأن الجديد في كلام الحريري معه تمثل في الإشارة الأخيرة، أي إن انسداد الأفق يفرض «مناقشة خيارات أخرى». وهنا يشدد فرنجية على أن الحريري لم ينطق باسم عون. ويقول مطلعون إن فرنجية سوف يكون في هذه الحالة أقرب إلى تفاهم مع بري وجنبلاط على تسمية مرشح آخر غير عون.

خلال العشاء في بنشعي، كان الحريري صريحاً بالقول إن المبادرة التي «أطلقناها تواجه صعوبات كبيرة ويجب البحث عن مخرج. أنا هنا اليوم وغداً عند الآخرين للبحث في إيجاد مخرج لأن البلد لم يعد يحتمل، والأوضاع تسوء يوماً بعد يوم وهناك خطر على الوضع الاقتصادي»، من دون أن يتحدث عن خيارات أخرى، فقط التركيز على الحاجة إلى إيجاد مخرج.

سأل فرنجية إذا كان الحريري يريد الخروج من المبادرة، فردّ بأنّه «أريد الحل، ولا يمكن الاستمرار على ما نحن عليه». جواب فرنجية كان بتأكيد استمرار ترشحه، قاطعاً الطريق على الحريري عبر التوجه إلى مسؤولي المردة الذين شاركوا في اللقاء بالقول: «غداً تخرجون إلى الاعلام وتشددون على استمرار ترشيحي». فرنجية تجنّب سؤال الحريري عن موقف السعودية وموقف كتلة المستقبل، والحريري لم يشر اليهما.

في ما خص الحريري، يبدو أن المقربين منه لا يقدرون على شرح حقيقة ما وصله من السعودية، بين قائل بأن الرياض تركت له أمر الاختيار، بما يخضع لتوافق اللبنانيين، وبين من يقول إن السعودية تركت له إدارة الملف، وكأنها تضعه أمام اختبار، على ضوئه تتخذ الرياض موقفها النهائي منه كحليف رئيسي في لبنان. الاتصالات داخل كتلة المستقبل أفضت إلى أن النواب «المسيحيين» سيدعمون أي قرار يتخذه الحريري، وكان النائب نبيل دو فريج آخر المترددين، قبل أن يحسم خياره. أما في ما خصّ بقية النواب، فثلاثة منهم يعارضون بقوة ترشيح عون، هم الرئيس فؤاد السنيورة والنائبان أحمد فتفت ومعين المرعبي. ويسود اعتقاد بأن فتفت سيتراجع تحت ضغط الحريري، بينما يتجه السنيورة والمرعبي الى المقاطعة.

وفي هذا السياق، باشرت النائب بهية الحريري التحرك لدعم موقف ابن شقيقها. وقال أحد المعنيين إن نائبة صيدا تتولى شرح الموقف لقيادات عديدة في «المستقبل» حول ضرورة السير في التسوية. وقال المصدر نفسه «إن أم نادر تستطيع قول ما لا يمكن أن يقوله سعد لأنصاره حول وضعه وحاجته الى التسوية على أكثر من صعيد».