IMLebanon

شبكة طرابلس… والرابط بين “داعش” والمخدّرات

jihadists-isis

 

كتبت ربى منذر في صحيفة “الجمهورية”:

لم تعُد المخدّرات تشكّل بالنسبة إلى «داعش» وسيلةً لتحويل مجنّديه إلى انتحاريّين فحسب، بل باتت أداةً يستنزفها لإغراق نفسِه في الأموال من خلال ترويجها وبيعها، ففيما تتنوّع مصادر تمويله في الخارج، من الخطف وغسيل الأموال، وبيع النفط، مروراً بالسيطرة على المؤسسات الماليّة، وبيع الأطفال والنساء، وبيع الجثث والأعضاء البشرية، وصولاً إلى بيع الآثار، وإيرادات الجمارك، فهو يتّكل في لبنان على ترويج المخدّرات وبيعها، لتشكّل بالتالي أحدَ أهمّ مصادر تمويله.أجبَر ارتباط قضية المخدّرات بتمويل الإرهاب، الأجهزةَ الأمنية اللبنانية على التعاون لتفكيك هذه الشبكات، رغم أنّها في العادة تندرج ضمن اختصاص قوى الأمن الداخلي، إلّا أنّ الظروف الاستثنائية التي يمرّ فيها البلد جعلت الجيشَ يتدخّل ويبذل جهداً وتركيزاً أساسيين في هذا الاتّجاه، وإلى جانب ما يقوم به لحماية الحدود، باتت المؤسسة تؤدّي دوراً إضافياً في الداخل على صعيد حماية الأمن والاستقرار الاجتماعي من خلال مكافحة بعض الآفات التي تندرج بينها قضية المخدّرات والتي تُعتبَر الأخطر.

فالتحقيقات والوقائع كشفَت أنّ المنظّمات الإرهابية تَستعمل الأموال التي تَجنيها من تجارة الممنوعات والتجارة غير الشرعية، مِن حشيشة وكوكايين وكبتاغون لتمويل عملياتها الإرهابية، من هنا كان تفعيل دور مديرية المخابرات من خلال متابعة المجموعات المرتبطة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالمجموعات الإرهابية، خصوصاً بعدما تبيّن أنّ غالبية الذين يقاتلون في صفوفها أو ينفّذون عمليات انتحارية هم من الذين يَستخدمون حبوب الهلوَسة والمخدّرات، ويُجنّد هؤلاء بعد مدِّهم بالمخدّرات.

وتبيّن أنّ قسماً كبيراً من تجّار المخدّرات يأتي من الجامعات والقسم الأكبر من الأحياء الفقيرة، خصوصاً في منطقة طرابلس والشمال، وهو ما ظهرَ خلال تفكيك الشبكة الأخيرة التي تضمّ أكثر من 15 شخصاً بين لبنانيين وسوريين، حيث يتوزّع 8 منهم في طرابلس و7 بين الكورة والبترون، والبارز أنّها تضمّ بين أعضائها نجلَ الإرهابي أحمد ميقاتي الموقوف بتهمة التخطيط لإقامة إمارة إسلامية مبايعة لـ«داعش» في الشمال، كما كشفَت التحقيقات أنّ رئيس هذه العصابة مطلوب بأكثر من 200 مذكّرة توقيف، واللافت أنّ هذه الشبكة كانت تحضّر لعملية تصدير إلى الأردن.

وتقول المعلومات المتوافرة إنّ لبنان أصبح من البلدان الأساسية التي يتمّ من خلالها تصدير حبوب الكبتاغون إلى الخارج والتي تُصنّع بغالبيتها الكبيرة في جرود عرسال، وتحديداً في مراكز «داعش» الذي أصبح يملك معاملَ لإنتاج هذه الحبوب.

وهنا يُطرح أحد أهمّ الأسئلة: كيف يستطيعون تصنيعَ هذه المادة في الجرود، ومن أين يحصلون على المواد الأوّلية؟ وفي السياق تشير المعلومات إلى نوع من التعامل نتيجة تقاطعِ المصالح بين بعض العشائر المنتشرة في هذه المنطقة والتي تزرع أو تملك هذه المواد، حيث تُهرَّب إلى الجرود ومِن بعد تصنيعها في المعامل، يُعاد تهريب هذه المواد بالطريقة العكسية لهؤلاء الناس ويُقبَض ثمنُها في الجرود، وتعيد هذه الشبكات بيعَها إلى خارج البلاد أكثر من استهلاكها محلّياً، كون السوق اللبناني ضيّقة المجال ومضبوطة إلى حدٍّ ما، نتيجة الحملات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية.

وتكشف المعلومات أنّ أبو مالك التلي استطاع أخذ مبلغِ 23 مليون دولار تقريباً معه عندما غادرَ منطقة جرود عرسال في اتّجاه القلمون الغربي، والتي جنى معظمَها نتيجة بيع حبوب الكبتاغون إلى مجموعات لبنانية أعادت بيعَها للخارج.

في هذا الإطار، يؤكّد مصدر عسكري لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش لن يتهاون في هذا الموضوع، خصوصاً أنّه بات مرتبطاً إلى حدٍّ ما بموضوع الإرهاب، وبالتالي لا يمكن السماح له بالدخول إلى المجتمع اللبناني من هذا الباب، ومن هنا حملات مكافحة هذه الشبكات والعمل الدؤوب للإيقاع بها وتفكيكها، حفاظاً على الأمن الاجتماعي بقدر ما هو حفاظٌ على الأمن العام في البلد، وهو طريقة غير مباشرة لتجفيف منابع المال التي يستعملها الإرهابيون لتمويل عملياتهم، وهو ما يُضعف إمكاناتهم ويصعّب العملية اللوجستية لتأمين حاجاتهم ولوازمهم».

واللافت أنّ الحدود مضبوطة مع الخارج، حيث إنّ غالبية عمليات التصدير، ورغم الأساليب «الذكية» المعتمَدة، أكان بوضعِها في آلات صناعية أو في قطعِِ حديدية كبيرة لتصديرها إلى الخارج، تُكشَف نتيجة التقنيات الموجودة وشبكات المخبرين التي أصبحت تتعامل مع الأجهزة الأمنية، إضافةً إلى التعامل مع الدول الخارجية، وفي هذا الإطار اكتُشِفت شبكة كبيرة نتيجة تعاون الأجهزة الأمنية اللبنانية والسعودية، خصوصاً أنّ المملكة تشكّل البلد الأكثر محاولةً لتصدير هذه المواد إليه.

ويؤكّد المصدر «أنّه في أوقات كثيرة وفي مداهمات عدة لأماكن وجود إرهابيين، أو من خلال فحوص الدم التي تُجرى لهم بُعَيد القبض عليهم، يتبيّن أنّ غالبيتهم يستخدمون هذه المواد، كما تجدها الأجهزة في الأوكار التي يختبئون فيها، حيث اكتشفت مثلاً خلال إحدى المداهمات في الضنّية كمّيات من المخدّرات وحبوب الهلوَسة في أماكن كانت تُستخدم لإعداد متفجّرات وأحزمة ناسفة، استَخدمتها مجموعات إرهابية، بينها مجموعة الميقاتي الذي أوقِف ابنُه أخيراً في طرابلس ضمن شبكة توزّع وتبيع هذه الممنوعات، والتي تملك شبكة موزّعين داخل المدينة تستهدف من خلالها المجتمعَ الطرابلسي مستفيدةً من حال الفقر في بعض شوارعه، ومن الحالة الميسورة لبعض التلامذة في جامعات عريقة في المدينة».