كتب رولان خاطر
يشتد الضغط والتجاذب السياسي على الأفرقاء نتيجة الشغور في رئاسة الجمهورية، حيث بات كلُّ فريق داخلي بـ”حيرةٍ” من أمره أمام التحولات التي تطرأ على هذا الملف، في ظلّ جمود سياسي على مستوى العواصم الإقليمية والدولية المؤثرة في المسار اللبناني الداخلي.
أتنجح هذه الخطوات بإحداث خرق في جدار الرئاسة؟ وهل فعلاً باتت الكلمة الفصل للإرادة الداخلية بين اللبنانيين؟
التطورات في موقف “بيت الوسط” رئاسياً، والتي رفعت منسوب “النشوة” الرئاسية لدى الرابية، يضاف إليها مباركة “معراب” لوصول الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا، لم تزل العقبات من امام الرئاسة ولم تعبّد الطريق أمام عون، إذ يبدو أن الأمور ذاهبة إلى مزيد من شدّ الحبال، وتسجيل النقاط بين هذا الفريق أو ذاك، وعلى هذا الفريق أو ذاك، خصوصاً بعد التأجيل “المقصود” للرئيس نبيه بري لجلسة الانتخاب إلى نحو شهر، والذي يطرح تساؤلات بشأن ما يربو إليه رئيس المجلس، والذي يطرح فرضيات عدة:
هل مدة التأجيل هي تأكيد من رئيس المجلس ان لا اتفاقات في الرئاسة بمعزل عنه، واستطراداً بمعزل عن “حزب الله؟
هل التأجيل هو لوضع الشروط والحصول على مكاسب “شيعية” إضافية في تركيبة “النظام” ووضع الأطر لصورة لبنان المستقبل عبر سلّة متكاملة تبدأ بوضع حجر الأساس للمثالثة؟
هل خطوة برّي هي للجم الاندفاعة العونية، ومن ورائها القواتية، اتجاه “حزب الله”، واتجاه حل رئاسي لم يُطبخ في دوائر الضاحية وعين التينة وصولا إلى طهران؟
وهل خطوة برّي هي كلّ ذلك، لتخفيف الحصار عنه وعن “حزب الله” نتيجة عدم التزام الأول بالاجماع المسيحي كما وعد دائما، والثاني التزامه بالعماد عون؟
ليس من عاقل يقبل أن يفهم أن خطوة رئيس المجلس كان يمكن ان تكون لو لم تُنسّق مسبقاً مع “حزب الله”. وليس من عاقل لم يعد متأكداً أن قرار الرئاسة هو بيد “حزب الله”، لا في معراب، ولا في الرابية، ولا في بكركي، وبالتالي، قناعة واضحة أنّ الانتخابات الرئاسية في لبنان لا تزال في السجن الإيراني، ولم يأت وقت حريتها بعد، في ظل استمرار النزاع الاقليمي مع السعودية، بشأن ملفات عدة، تبدأ من اليمن، وسوريا، وصولا إلى البرنامج النووي الايراني ودور ايران في المنطقة.
وانطلاقاً من هنا، يمكن مقاربة الملف الرئاسي بمعادلة بسيطة، أنه في ظل الصراع المستمر بين طهران والرياض، ألا يشكل مجيء عون إلى قصر بعبدا انتصارا للمحور الإيراني ولمخطط إيران في لبنان والمنطقة؟ علماً أن الرئاسة باتت ظاهرياً محصورة بمرشحين من 8 آذار، ميشال عون وسليمان فرنجية، فـ”هذا عين، وهذا عين”، والكلام لسيّدهم أمين عام “حزب الله”، الذي يقول: “هناك فرصة بوجود مرشحَين للرئاسة من 8 آذار، ولا يجب أن نفوّت هذه الفرصة بسحب ترشيح الوزير سليمان فرنجية”. (الأخبار 27 أيلول 2016)
هذا الكلام العلني في تصريح نصرالله أنه لن يسحب ترشيح فرنجية، أيضاً يلقي بعلامات استفهام حول موقف الحزب الحقيقي من ترشيح عون. ما يقودنا إلى منطق، أنه طالما يعلن الحزب تمسكه بعون، يضاف إليه موقف “تيار المستقبل” المستشف من بيانها الذي تضمن تنصلاً واضحا من سليمان فرنجية، فلماذا يمتنع الحزب عن ايصال عون طالما أنه يؤمّن له ضماناته في النظام، ويحوّل بيروت رسمياً إلى احد بيادق “الحرس الثوري” في معركة المواجهة؟
من الواضح أنّ من يقرأ في كتاب “حزب الله”، وفي كلام نصرالله الأخير، يدرك أمرين:
إمّا أنّ هناك مناورة وإصراراً من الحزب لترتيب البيت اللبناني وفق مقتضيات الرؤى الايرانية.
وإمّا أن الثقة مفقودة تجاه سيّد الرابية لأسباب قد تكون في ماضي الرجل، وبالتالي، إنّ فرنجية هو “العين” الحقيقية للحزب، وقد يكون “جنرال” آخر في العين الأخرى.
من هنا، يمكن الولوج إلى حركة الرئيس سعد الحريري على انها تحريك للمياه الراكدة ليس أكثر، على الرغم من خطورتها وانعكاسها السلبي على بيئته والرأي العام السيادي الذي لم يعد يتحمّل فكرة المزيد من الاستسلام والرضوخ لشروط أصحاب القمصان السود، وعلى الرغم من الخلاف الذي بدأ يظهر للعلن بينه ورئيس “المردة”.
فتغريدة “البيك” بالأمس: “إذا اتفق سعد الحريري مع عون وسمّاه لرئاسة الجمهورية سيحصد نفس النتيجة حينما سمّى الرئيس أمين الجميل عون رئيساً للحكومة سنة ١٩٨٨”، لا تخلو من معلومات قد تكون لدى الرجل ان عون بعد تحقيق حلمه، لن يتوانى عن شنّ حرب إلغاء سياسية ضد الحريري، تخرجه من السلطة والقرار، خصوصاً أنّ عوامل تبدُّل تظهر لدى الرأي العام السُنّي تضع شرعية تمثيل “تيار المستقبل” للطائفة السُنيّة في دائرة الخطر.
في المقابل، سؤال يُطرح، ألا يمكن أن ينسحب تحذير فرنجية للحريري على “القوات” أيضاً، ولو لم يقلها فرنجية صراحة.
فـ”القوات” التي يعود لها كلّ الفضل في ما وصلت إليه أسهم عون الرئاسية، تجربتها التاريخية مع “الجنرال” لم تكن مشجعة يوماً، فسمير جعجع هو من أعلن في الـ1988 حكومة عون “حكومة استقلال”، وهو الذي تعرّض لمحاولة اغتيال على طريق القصر الجمهوري أثناء توجهه للقاء العماد عون وقتل فيها مرافقه الشخصي، وقال “بيمون الجنرال”، وبالتالي، ما الضمانات ألا يعيد عون اليوم تجربة الـ88 وينقلب على كل تفاهماته مع “القوات اللبنانية”؟
من يقرأ في أداء 14 آذار، يرى، أنّ هذه القوى، وعن غير قصد، تقول لمرشد الجمهورية اللبنانية: “لتكن مشيئتك… في الرئاسة، واستطراداً، مبروك لإيران الجمهورية اللبنانية”.
تكرس “حزب الله” وصيّاً على الجمهورية كاملة، بعد تحوّله وليّاً على الأمن والإدارة والديبلوماسية والقرار، وقريباً على الهوية والكيان.
تزيد من الاستسلام والخضوع لشروط “حزب الله”. تبرّر انتخاب مرشحين اثنين، كل منهما، “قتل جيشه كي يحيا الملك”. فتاريخ الرجلين مليء بالخيانات والمساومات وبيع الوطن تحت عناوين المصلحة الوطنية، والشرف والأخلاق.
من هنا، فإنّ الخوف من وصول الجنرال عون للرئاسة، وكل “جنرال” يدور في فلك “حزب الله”، ليس أن “يندم جعجع” فقط، كما يردّد النائب احمد فتفت، بل أن يندم كل لبنان، لأنّ الظلم سيكون على الرعية سواسية وليس على فئة دون اخرى.