كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
لم يعد الخوض في التعيينات العسكرية ذا اهمية مع تسارع تطورات الاستحقاق الرئاسي واستدارة الرئيس سعد الحريري نحو الرئيس ميشال عون. تبعاً لذلك يمر ما تبقى منها، في قيادة الجيش ورئاسة الاركان، بلا ضجيج واحتجاج. لكن بكمّ وافر من الشوائب
يوقّع وزير الدفاع سمير مقبل اليوم قرار تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي سنة جديدة تنتهي في 30 ايلول 2017 للمرة الثالثة، ويوقّع غداً الجمعة قراراً يدعو بموجبه رئيس الاركان اللواء وليد سلمان الذي يحال على التقاعد منتصف ليل 30 ايلول من الاحتياط كي يعيّنه مسيّراً لرئاسة الاركان مدة ستة اشهر، الى حين تعيين رئيس جديد.
بذلك يتدرج سلمان في المنصب من رئيس للاركان الى مسيّر لرئيس الاركان.
لا يسع وزير الدفاع ابقاء سلمان في المنصب الجديد سوى ستة اشهر تبدأ من الأول من تشرين الأول، على ان في الامكان بعد انقضاء المدة تجديدها بمدة مماثلة لستة اشهر اخرى، وربما مرة تلو مرة، من غير ان يتخطى كل منها فترة ستة اشهر. اذ ذاك تحتاج الى مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء عملاً بما نص عليه مرسوم تنظيم دعوة الاحتياطيين الى الخدمة في الجيش رقم 3354 الصادر في 10 نيسان 1992.
على نحو كهذا، استدعي المدير السابق للمخابرات العميد ادمون فاضل من الاحتياط في 15 ايلول 2015، وأعيد تعيينه في منصبه ستة اشهر لمرة واحدة، بعدما كان أتم 42 سنة من الخدمة في الجيش. سرعان ما خلفه على اثر انقضائها العميد الركن كميل ضاهر مديراً للمخابرات في 2 آذار المنصرم.
بدوره سلمان يتم في 30 ايلول 43 سنة في الخدمة وهو السقف الذي يسمح به قانون الدفاع، الا ان المانع الذي تلحظه المادة 21 فيه، هي عدم جواز استدعاء ضابط كبير من الاحتياط لتعيينه قائداً للجيش كما رئيساً للاركان، حتمت على وزير الدفاع هذه ابتكار حلّ “رفّع” بموجبه سلمان بحيث يخلف نفسه من رئيس اصيل للاركان الى مسيّر موقت لرئاسة الاركان الى حين تعيين رئيس اصيل آخر عندما يتمكن مجلس الوزراء من الانعقاد.
قبل الوصول الى هذا المخرج، طُرح بادىء بدء احلال المرشح لرئاسة الاركان الذي اقترحه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في وقت سابق العميد حاتم ملاك ــــ وهو اقدم الضباط الدروز رتبة في الجيش ــــ في منصب مسيّر رئيس الاركان، بغية ابقاء المنصب في الطائفة الدرزية.
سرعان ما تبين انه دون نواب رئيس الاركان الاربعة رتبة، ناهيك انه بهذا التعيين يتجاوز اربعة اعضاء في المجلس العسكري هم برتبة لواء، في حين يُعد منصبه الجديد أشبه برئيس للاركان بالوكالة، اضف ان رئيس الاركان هو نائب رئيس المجلس العسكري. اخفقت المحاولة، ولم يُعثر على مخرج سوى في الابقاء على سلمان مع استدعائه من الاحتياط، رغم ان القانون يمنع استمراره في الجيش بانقضاء 43 سنة. إذ ذاك اخترع وزير الدفاع ــــ والاصح إختُرع له ــــ من ضمن القانون اجتهاد يستجيب حاجة وشرطاً:
ــــ حاجة المؤسسة العسكرية الى تجنيب رئاسة الاركان فراغاً، يترك تأثيره على من يتقدمه رتبة ومنصباً وهو قائد الجيش، كون رئيس الاركان يحل محل القائد عند تغيّبه لاي سبب كان، في حين لا يحل احد محل رئيس الاركان ما ان يشغر منصبه. في هذا السياق يستشهد المدافعون عن هذا الاجراء بمادتين وردتا في قانون الدفاع:
اولاهما، هي المادة 29 التي تجعل المستدعين من الاحتياط في منزلة العاملين في الخدمة الفعلية بصفتهم متطوعين، بما في ذلك انتقال صلاحيات الوظائف اليهم. كي يقال عندئذ ان مسيّر رئاسة الاركان يمارس صلاحيات رئيس الاركان كاملة.
مغزى فلسفة هذا الاجراء ان القانون الذي اخرج سلمان من باب رئاسة الاركان والخدمة في الجيش تالياً، جاء ثمة مَن يعيده اليهما من الشباك.
ثانيتهما، المادة 39 القائلة بحق الإمرة لمَن هو ارفع رتبة على مَن هو ادنى. ولأنه اللواء الاقدم رتبة في الجيش، بات يملك حق الإمرة عليه في غياب قائده. مع ان القانون لا يحدد صراحة المرجعية التي تأتمر الجيش عندما يخلو منصب قائده ورئيس الاركان حينما يحل مكان القائد.
على نحو ما تورده المادة 39 يُنظر اليها على انها قياس يصلح تطبيقه، بما يجعل مسيّر رئيس الاركان الذي يحل محل رئيس الاركان آمر الجيش في غياب القائد.
ــــ وشرط جنبلاط عدم الموافقة على احلال اي ضابط غير درزي في منصب رئيس الاركان، المخصص للطائفة، وإن في مرحلة انتقالية موقتة الى حين تعيين رئيس اصيل للاركان. في ظل تعذر التئام مجلس الوزراء وتوافر غالبية ثلثين تتيح تعيين مرشح جنبلاط، وهو العميد حاتم ملاك، في منصب الطائفة هذا، وفي ظل رفض الزعيم الدرزي التسليم بشغوره، لم يعدم وزير الدفاع الذريعة التي ترضيه.
ومع ان تعيين مسيّر اعمال ليس مستجداً في الجيش، واتخذ قائده مراراً هذا الاجراء، كان آخره تعيين اقدم عميدين شيعيين على التوالي هما حسن عبدالله ومحسن فنيش مسيّرين للمديرية العامة للادارة ــــ وهو منصب شيعي ــــ بعد شغورها، قبل ان يصير في مجلس الوزراء الى تعيين الثاني مديراً اصيلاً في 28 كانون الثاني الفائت، الا انها المرة الاولى يبصر الجيش “ظاهرة” لم يتصورها يوماً. بيد انها قد تمسي في ذاتها سابقة تنسحب على مناصب اخرى. بل من غير المستبعد ان يؤتى بها يوماً ما الى قيادة الجيش بالذات، فإذا قائده يتحول الى مسيّر للقيادة.