كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:
لو كان شهر أكتوبر ٣٢ يوما لكان الرئيس نبيه بري حدد ٣٢ منه موعدا جديدا لجلسة انتخاب الرئيس التي تحمل الرقم ٤٦، لقد اختار بري آخر يوم من الشهر وعمل على تأخير موعد الجلسة أقصى ما يمكن لتكون المسافة الزمنية الفاصلة بين جلستين هي الأكبر منذ الشغور الرئاسي، وليوجه رسالة سياسية واضحة:
٭ تعكس من جهة امتعاضه وحذره من الحركة السياسية الرئاسية «المشبوهة» التي يقوم بها الرئيس سعد الحريري، مع أنها لا ترقى حتى الآن الى مستوى المبادرة مادام لم يتخذ الحريري قراره النهائي الرسمي ولم يعلنه.
٭ تعلن من جهة ثانية عدم موافقته على هذا التوجه وأن يصبح عون رئيسا للجمهورية، فهناك خيارات أخرى أفضل وأنسب منها والانتقال الى خيار الرئيس التوافقي.
٭ توجه من جهة ثالثة الى كل من يهمه ويعنيه الأمر علما وخبرا بأن «صفقة» رئاسية من دون بري غير ممكنة، وأن «طبخة رئاسية» لا يشارك فيها وهو الطباخ الماهر الأكثر خبرة وتمرسا، لن توضع على المائدة ولن يأكل منها أحد، فإذا كانت الرابية ممر إلزامي الى قصر بعبدا، وإذا كان «قفل» القصر في يد حزب الله والمفتاح في يد الحريري، فإن الرئيس بري لاعب أساسي لا يمكن تجاوزه ليس فقط بحكم موقعه كرئيس للمجلس وتحكمه في إدارة اللعبة البرلمانية والرئاسية، وإنما أيضا بفعل قوته السياسية «المعطلة» وحيث انه يرعى تحالفا ومحورا سياسيا نيابيا يحسب له حساب ويتيح له اللجوء الى سلاح تعطيل نصاب جلسة الانتخاب، السلاح الذي استخدمه حزب الله وعون ويمكن أن يستخدمه بري إذا اضطر الى ذلك، نجح الرئيس بري في لفت الأنظار والتذكير بموقعه ودوره ومصالحه، ولكن ثمة سؤالين يطرحان بإلحاح:
الأول: ماذا يريد بري تحديدا: هل يريد إفشال صفقة عون ـ الحريري ومعها معادلة عون (رئيسا للجمهورية)، الحريري (رئيسا للحكومة) التي ستحكم البلاد لست سنوات مقبلة، وبالتالي إسقاط مشروع انتخاب عون والفرصة الأكثر جدية والأخيرة؟! أم أن بري لديه هواجسه وشروطه ويريد ضمانات مسبقة تحميه في ظل توازن جديد في الحكم يعلن الانتقال من ثلاثية «بري ـ الحريري ـ جنبلاط» الى ثلاثية «حزب الله ـ عون ـ الحريري»؟!
الثاني: هل بمقدور بري أن ينفذ حركته الاعتراضية من دون حزب الله وبمعزل عنه وعن موقفه الملتزم بتأييد عون؟! وأين الحزب من حركة بري وكيف يتعاطى معها وكيف سيوفق بين حليفيه بري وعون، وكيف سيقنع كثيرين بأن ما يجري ليس توزيع أدوار بين الحزب وبري وأن الحزب ليس راغبا في الضغط على بري أو ليس قادرا؟! مصادر سياسية واسعة الاطلاع تجيب عن هذه التساؤلات وتلخص المشهد الرئاسي على الشكل التالي: ١-الرئيس سعد الحريري أخذ قراره بتأييد عون، ولكنه يجد صعوبة في تسويقه لدى حلفائه، وبالتالي فإنه لن يعلن قراره ليصبح رسميا ونهائيا إلا متى ضمن ظروف تنفيذه ونجاحه.
٢-حزب الله لن يتحرك في اتجاه حلفائه (بري وفرنجية) لإقناعهم أو لممارسة تأثيره و«مونته» عليهم إلا متى صار استعداد الحريري موقفا رسميا ومعلنا، فإذا تبنى الحريري ترشيح عون رسميا فإن انتخابه سيكون في اليوم التالي.
٣-بري يلتزم في النهاية قرار حزب الله ولا يخطئ معه في المحطات والقرارات المفصلية، وحزب الله يراعي مطالب ومصالح بري انطلاقا من حرصه على دوره في حفظ الاستقرار داخل الطائفة الشيعية والتوازن داخل الحكم، أما مطالب بري فأبرزها: الاستمرار في رئاسته للمجلس النيابي لولاية كاملة ـ الحصول على وزارتي المال والنفط في كل حكومات العهد الجديد ـ أخذ مصلحته الانتخابية في أي قانون جديد للانتخابات وتقسيم للدوائر، هذه المطالب التي يغلفها بري بـ «السلة» الكاملة والتفاهمات التي تسبق انتخاب الرئيس تستدعي تفاوضا ثلاثي الأبعاد بينه وكل من الحريري وعون وحزب الله.