كابوس اللبنانيين المتمثل بزحمة السير الخانقة على أوتوستراد جونية قد ينتهي في غضون 5 أعوام في حال لم تطرأ أي عقبات على الملف. هذا في المفترض المثالي! إلا أنّ القرار الذي اتّخذته الحكومة عبر توكيل مجلس الإنماء والإعمار بوضع خطة العمل لم يعجب الكثيرين ومنهم عدد من المختصين والأخطر أنّ التحذيرات تندلع من أن يتحول الى كارثة تحلّ على رؤوس الجميع!
قصة “المشروع الحلم”
في المبدأ، فإنّ خطّة مجلس الانماء والاعمار المكلف من الحكومة تقضي بتوسيع أوتوستراد نهر الكلب ـ جونية – طبرجا من خلال إقامة 3 مسارب رئيسية مع طرقات علوية وخلق محوّل عند منطقة الكسليك، إضافة الى 3 مسارب جانبية بين حارة صخر وساحل علما وحارة صخر وغزير وأدما، فيما كلفة الاستملاكات ستصل الى نحو 35 مليون دولار.
هذا المشروع الحلم عمره أكثر من 10 سنوات اذ كان قد طرح في العام 2006، وخلال تلك الأعوام تحوّلت حياة السائق الى جحيم جراء المعاناة التي يتكبدها يوميًا من أجل التنقل من الكازينو وصولا الى نهر الكلب.
أُعيد احياء المشروع مع إحالة وزير المال علي حسن خليل، مشروع مرسوم الى مجلس الوزراء لتحويل اعتمادات بقيمة 35 مليون دولار الى مجلس الانماء والاعمار، من أجل إتمام الاستملاكات الصادرة بموجب مرسوم منذ عام ونصف العام والتي سيتم بموجبها شراء العقارات الموجودة في مكان التوسيع.
ولكن هل هذه الخطة منطقية ومسؤولة؟ وهل ستحلّ أزمة السير فعليًا؟ أما ستدخلنا في أزمة أخرى مع مرور 3 أعوام كحد أقصى خصوصًا ان عدد السيارات الى ازدياد؟ وكيف سيتمّ تحويل السير خلال الأعمال التي ستستغرق 5 أعوام؟
بلدية جونية: المشروع سيشكل ازمة لا مثيل لها؟!
نائب رئيس بلدية جونيه روجيه عضيمي يؤكّد في حديث لـIMLebanon أنّ “مشروع توسيع الأوتوستراد طُرح منذ نحو 13 عامًا وبوقتها كانت كمية السيارات أقلّ بكثير ممّا هو عليه اليوم، بحيث كان يمرّ 30 ألف سيارة بوقتها، أمّا اليوم فيمرّ 300 ألف سيارة في اليوم الواحد، موضحًا أن “تنفيذ الأوتوستراد في حال تمّ يعني أنّ كلّ ضغط السير سيمرّ داخل جونيه خلال الأعمال لكي يخف الضغط عن الأوتوستراد، فسيمرّ السائق من داخل جونيه ومن الطريق البحرية ليتجنب الأوتوستراد أو لأنّ الأوتوستراد سيكون مقفلا ممّا سيشكل أزمة سير لا مثيل لها”.
ويشير الى أنّه “سيتمّ تطيير كلّ المؤسّسات التجارية الموجودة على الأوتوستراد من أفران ومؤسسات وغيرها، وحتى الأبنية، فهذا الأمر سيسبّب خرابًا شاملا، فيما جزء من هذا الحل يقتضي بشراء مواقف الأبنية، ولكن إذا تمّ شراء المواقف، فأين سيركن المواطن سيارته”؟
ويتابع عضيمي: “من سيئات هذا المشروع أنّه بعد خمس سنوات أعداد السيارات ستزداد ولن تبقى 300 ألف فقط، ما يعني أنّه سيتمّ توسيع الأوتوستراد وتقفل المؤسّسات فيما الوضع سيبقى كما هو عليه اليوم، وسيبقى كلّ الضغط في داخل المدينة وسنصل الى كارثة”.
مشروع الـSuperposer
ويكشف عن أنّه “تمّ طرح مشروع آخر ويتمّ البحث فيه، وهو مشروع الـSuperposer أي إنشاء خطَّين للذهاب وخطَّين للإياب فوق الأوتوستراد، ما يعني بناء 4 خطوط إثنين باتجاه الشمال وآخرين بإتجاه بيروت من دون مفارق أو تشعبات، فالسائق الذي لا يريد المرور داخل كسروان، بإمكانه أن يسلك الخط العلوي الذي يوصله مباشرة الى ما بعد زحمة السير، فهذا الأوتوستراد هو فقط للتوجه نحو الشمال او نحو بيروت ممّا يؤدّي الى تخفيض ضغط السير الى النصف، فيما الشاحنات ستبقى تسلك الطريق السفلي فقط ولن تسير على الطريق العليا”.
وعمّا إذا كانت البلدية ستوافق على مشروع مجلس الانماء والاعمار الذي يعتبر مشروعا كارثيًا، قال عضيمي: “سيتمّ طرح المشروع في المجلس البلدي لاتّخاذ القرار المناسب، وسنصل الى اتّفاق منطقي من أجل الحلول، وهناك مشروع آخر يتمّ درسه وهو الـA2 ولكن كلفته مرتفعة جدًا، ومشروع مجلس الانماء والاعمار قد يكلّف نحو 120 مليون دولار بينما بناء طريق فوق الأوتوستراد قد يكلّف 150 مليون دولار، ولكن في الوقت نفسه لن نقوم بتطيير الاستملاكات والمؤسسات والمحال التجارية وحسب الدراسات سيأخذ فقط سنة واحدة من الاعمال ومسافته ليست طويلة جدا بل فقط 12 كيلومترا”.
ويختم عضيمي: “نفضل أن يكون هناك مشروعا بديلا عن توسيع الاوتوستراد الذي سيسبب زحمة سير ستعود وتتكرّر مجددًا مع مرور الزمن، وسيتمّ تطيير المؤسسات بأكملها وتحويل السير الى داخل المدينة أثناء العمل، والمعنيون يقولون إنّ المشروع سيتطلب 4 سنوات عمل وانما قد يتطلب وقتا اكثر وبالنهاية ستعود الأزمة”.
عجاقة: حذار الكارثة
من وجهة نظر البروفيسور جاسم عجاقة صاحب فكرة مشروع الجسر البحري، فإنّ مشروع الحكومة يحمل سيئات خطرة. يقول لـIMLebanon أنه “وفق تقديرات مجلس الإنماء والإعمار، يدخل الى بيروت كل يوم نحو 500 ألف سيارة، منها 294 ألفاً من مدخلها الشمالي أي أكثر من نصف العدد، ما يعني أنّ المشروع الذي سيتمّ العمل فيه سيزيد قدرة إستيعاب أوتوستراد جونية بنسبة 33%، ممّا يُخفف من الزحمة الخانقة التي يعيشها السائق لكي يتوجّه الى بيروت، لكن غاب عن بال المعنيين أنّ هذ المشروع وضع في العام 2006 ولم يأخذ بعين الإعتبار الزيادة في عدد السيارات والتي تُقدّر بـ50 ألف سيارة سنوياً، من دون إحتساب سيارات النازحين السوريين والسيارات غير المُسجّلة التي لا يمكن عدّها ضمن الاحصاءات، لذلك فإنّ هذا المشروع الذي سيتمّ بدء العمل فيه في حزيران 2017 سيستغرق بناؤه 4 أعوام أو أكثر، وبالتالي عند الإنتهاء منه سيكون الوضع أسوأ ممّا هو عليه لأنّ عدد السيارات سيكون قد إزداد”.
ويشدد عجاقة على أن “المشروع الذي يتم طرحه سيء جدا من نواح عدّة، فهو غير قادر على إستيعاب عدد السيارات عند الإنتهاء منه، بالإضافة الى زحمة السير التي سيسبّبها خلال العمل فيه لأنّه سيتمّ تحويل السير الى الطرقات الداخلية”، ويسأل عجاقة: “كيف يمكن تحويل هذا الكمّ الهائل من السيارات الى الطرقات الداخلية؟ وكيف يمكن للشاحنات سلوك هذا الطريق؟ خصوصًا أنّ المشروع يتطلب كحدّ أدنى 4 سنوات عمل! فهل يجوز طرح هكذا حلول غير مسؤولة وغير عملية؟ وفي هذه الحالة ستكون زحمة السير أضعافا مضاعفة ممّا ستؤدي الى كارثة بكل ما للكلمة من معنى، كما أن المشروع المطروح سيسبب ضررًا هائلا للتجار”.
فكرة جديدة: الجسر البحري
وللبحث عن حلول منطقية، يطرح عجاقة فكرة إنشاء جسر بحري يربط طبرجا ببيروت عند الكرنتينا يبلغ طوله 15.74 كلم وعرضه 30 متراً وعلوه عن سطح البحر 10 أمتار لكي تمرّ البواخر الكبيرة من تحته، خصوصًا وأن أطول باخرة تصل الى 8 أمتار، ويوضح أنّه “يمكن بناء الجسر على ارتفاع 15 مترا إلا أنّه من أجل تخفيض التكاليف نفضّل اعتماد الـ10 أمتار”.
ويضيف عجاقة أنّ “الجسر يتألف من خطين (ذهاباً وإياباً) مع 4 ممرات في كل اتجاه، حيث أنّ ثلاثة ممرات تكون للسيارات والرابع للتراموي، فيما سيتم وضع لوحات كبيرة للطاقة الشمسية لكي يتمتع الجسر بإكتفاء كهربائي ذاتي لإنارته ولتشغيل التراموي”.
750 مليون دولار… وخسارة ملياري دولار
ويكشف عن أنّ “الجسر يسمح بعبور 30 ألف سيارة كل ساعة، أي أنّ 5 ساعات كافية لتمرير نصف عدد السيارات التي تدخل بيروت من المدخل الشمالي، فيما أنّ كلفته لا تتعدّى 750 مليون دولار مع كامل تجهيزاته من إنارة وتراموي وغيرها من الأمور، والمشروع حسب تقديراتي الأولوية قد يكلف 450 مليون دولار ولكن كاقصى حد قد يصل الى 750 مليون دولار”، ويشير الى أنّه “في حال ازدادت زحمة السير على الجسر يمكن إضافة خط من كلّ جهة وهكذا تُحل المشكلة ويتمّ توسيعه بطريقة سهلة وسريعة”.
ويشدّد على أنّ “الإستمرار في مشروع توسيع أوتوستراد جونية هو هدر للمال لأنّه حلّ موقت، فيما أنّ بناء الجسر البحري هو حلّ جذري وسيتطلّب عامين كحد أقصى، فيما مشروع توسيع الطريق سيتطلب 4 أعوام وأكثر”.
ويتابع عجاقة: “الخسارة السنوية للإقتصاد اللبناني بسبب زحمة السير تفوق الملياري دولار أميركي، فهذه الخسارة يُمكن إلغاؤها بواسطة مشروع الجسر البحري، ما يعني أنّنا قادرون خلال عامين على إسترداد كلفة الجسر”.
دولار واحد للصيانة
ويطرح عجاقة فكرة إضافية من أجل صيانة الجسر والاهتمام به خصوصا أنّ الجسر سيتم بناءه في البحر، ويقول: “يُمكننا وضع تعرفة دولار واحد لكل سيّارة تعبر الجسر، وبإعتبار أنّ هناك 100 ألف سيارة تعبر في اليوم الواحد فإنّ مدخول الجسر سيكون 37 مليون دولار سنوياً ستسمح بتمويل أعمال الصيانة، خصوصا وان تلك التعرفة ليست بباهظة إذا كنا سنحتسب الأموال التي سيوفرها المواطن من أجل تفادي زحمة السير التي كان يعاني منها يوميا ما ينتج عنها استهلاكا كبيرا للوقود”.
يبدو أنّ دوامة أوتوستراد جونية أو كابوس اللبنانيين ستطول ولن تعرف طريق الحل قريبًا!