IMLebanon

العونيون: فرنجية ينبش القبور

sleiman-frangiehh

كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:

الرواية العونية للعلاقة بين المردة والتيار تبدأ من عام 2005، خلال المرحلة التي أعقبت اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. يومها كان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية محاصراً سياسياً وشعبيا. يحمّله خصومه شخصيا مسؤولية الاغتيال والعبث بمسرح الجريمة. كل الظروف كانت ضده: سوريا خارج لبنان وهو حليفها الأقرب. سريعا، احتضنه النائب ميشال عون، وحمى ظهره مسيحيا عقب النقمة الشعبية الكبيرة عليه، وآثر حجز مكان له حكوميا في ثلاث وزارات. وكان عون قد عارض دخول أول حكومة ما بعد الـ2005 من دون حلفائه وضمنهم فرنجية. وفعليا، مجرد انضمام نواب المردة الى تكتل التغيير والإصلاح دليل حسي على الثقة العمياء التي أولاها عون لمن اعتبره أحد أبنائه.

منذ الانتخابات النيابية عام 2009، بدأت العلاقة بين التيار الوطني الحر وبنشعي تتصدع بفعل غياب الكيمياء بين الوزير جبران باسيل وفرنجية. الا أن عون كان يحرص دائما على لململة الخلاف واعادة ترتيب بيت التكتل الداخلي بما يناسب الطرفين. وهكذا، ظلت العلاقة أكثر من جيدة برغم حساسية باسيل وفرنجية.

الصورة الوردية الافتراضية، دائما بحسب الرواية العونية، اتضحت خلال الجلسة الاولى لانتخاب رئيس الجمهورية غداة ترشح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، اذ بلغ تعاطف العونيين مع المردة حدّ وضع نواب من التيار اسم فيرا وطوني فرنجية في صندوق الانتخابات الرئاسية، كرسالة مودة واحترام لفرنجية ضد المرشح الرئاسي المتهم بقتلهم. كل ذلك لم يقرّش مرديا بل ضاعف الكلام المسيء سرا وعلنا تجاه الرابية وهو ما أكد أن بنشعي لا تكنّ المودة للتيار بل تعمل وفق مصلحتها الخاصة. ومصلحتها اليوم أن تحالف التيار كي تضمن الأوكسيجين الشعبي والحكومي. لذلك عند أول استحقاق جدي للعونيين باتجاه ترسيخ وصول ميشال عون الى بعبدا بعيد صياغة ورقة اعلان النيات مع القوات اللبنانية، وجد المردة حجة للانقضاض على عون وما يمثله تارة تحت عنوان “عدم اطلاع فرنجية على الحلف المستجد”، وطورا تحت عنوان “مصادقة العدو”. علما أن فرنجية كان قد سبق التيار الى المحادثات الرئاسية مع جعجع بستة أشهر ووصلا الى مراحل متقدمة سياسيا. فهل تحالف المردة ــ جعجع حلال، وتحالفنا نحن معه حرام؟ ولأن البيك كان ينتظر “حجة من غيمة”، انبرى الى تسويق حلف التيار-القوات على أنه رد فعل على ترشيح رئيس الحكومة السابق رئيس الحريري له. في حين أن الوقائع التاريخية تثبت أن ترشيح الحريري له كان رد الفعل على الحلف المسيحي لا العكس. اذ يومها اعتبر الحريري والسنيورة وبري وجنبلاط أن تبني جعجع لترشيح عون ضربة للنظام القائم، فكان فرنجية الشماعة ضد عون التي سوق لها سعوديا. سريعا، سافر البيك الى فرنسا ليبتلع “طُعم” الحريري، من دون اعلام عون، رغم كونه كان هو شخصيا يملأ التلفزيونات ووسائل الاعلام بتصريحات تؤكد تشبثه بعون كمرشح أوحد الى الجمهورية.

لم يكترث البيك لمحاولة الحريريين الواضحة دق اسفين الخلاف بينه وبين عون عبر اللعب على وتر الرئاسة لاضعاف الوجود المسيحي وابقاء الكرسي الرئاسي من دون صلاحيات تذكر. تلت ذلك مقابلة تلفزيونية لفرنجية يتهجم فيها على الرابية من منطلق أن الجنرال يحمل شعار “أنا أو لا أحد” برغم انعدام فرصه الرئاسية. غضت الرابية الطرف عما سبق وحافظت على علاقة ايجابية ببنشعي بالحد الأدنى. ولكن اكرام فرنجية انقلب تمردا، وبات ينتهز كل فرصة للمبالغة في الاساءة للتيار الوطني الحر آخرها جلسة الحوار التي ناقشت الميثاقية، وتخللها هجوم غير مبرر من رئيس تيار المردة على جبران باسيل. أما الطامة الكبرى، فجاءت منذ أيام عبر تغريدة لفرنجية حول مساوئ وصول عون الى الرئاسة.

إن عُرف التيار بشيء، فبوفائه لحلفائه أكان حكوميا أو نيابيا أو في المواقف الداعمة لهم والتي دفع ثمنها اقليميا ودوليا؛ عون لا يخون حلفاءه وأبرز مثال على ذلك تموز 2006 وما تلاه. أما تمنّع فرنجية عن حضور الجلسات الحكومية وجلسات انتخاب الرئيس، فلم يكن إلا استجابة لطلب من حزب الله لا حباً بميشال عون ولا تعاضداً معه. اما فرنجية، فسار بعكس عون في غالبية المحطات السياسية الرئيسية وغدر به: منحه عون وزارة سيادية هي وزارة الدفاع التي تسلمها فايز غصن، والتي لم يكن يحلم بها نسبة إلى حجمه النيابي المحصور بزغرتا. واذا به يوقّع أول تمديد لقائد الجيش بعكس ارادة التيار. في ما خص التمديد للمجلس النيابي، لم يوفر تمديدا الا كان يوقعه بابتسامة عريضة، الأمر ذاته بالنسبة للتمديد لقائد الجيش. عندما تبنى التيار الوطني الحر قانون الانتخاب الأرثوذكسي، كان المردة أول المعارضين. وفي كل المحطات السياسية والأساسية التي كان يخوض فيها التيار حربا، رفع المردة أول المتاريس… ثم يتكلمون عن الوفاء ويعيّرون عون بحقبة الـ 1988. وعن ذلك تذكير للمردة إذا قصرت ذاكرتهم: العماد خاض يومها حربا ضد الجيش السوري، ولم يكن قادرا على وضع الجيش اللبناني في وجه القوات والتمهيد لمجزرة. لذلك أمّن الحماية لأمين الجميل وطوق منزله بالدبابات لضمان أمنه. ماذا كان المطلوب من عون؟ السير وراء فرنجية بتسليم البلد الى غازي كنعان وعبد الحليم خدام؟ حتى الرئيس السوري بشار الأسد صارح عون خلال الزيارة الأولى له بالقول: “قاتلتنا بشراسة لكن بشرف… وتصادقنا بشرف”، معترفا بالأخطاء التي ارتكبتها سوريا في لبنان. ولكن يبدو أن شعور البيك بالخسارة بلغ حدّ افتتاح مرحلة جديدة في تاريخه السياسي: نبش القبور وتزوير التاريخ.