كتب خالد موسى في صحيفة “المستقبل”:
فعلت جولة المشاورات التي قام بها الرئيس سعد الحريري مؤخراً من أجل إنهاء الشغور الرئاسي المستفحل منذ أكثر من سنتين فعلها وأسقطت “ورقة التوت” عن “حزب الله” وحلفائه بعدما كانوا يرمون التهم جزافاً على الرئيس الحريري وتياره بحجة أنهم يعطلون انتخاب رئيس الجمهورية، فإذ بهذه اللعبة تنقلب على ساحرها الذي سقط في “الحفرة” التي كان يحفرها لشريكه في الوطن وبان للقاصي والداني بأنه “لا يريد رئيساً ولا يريد حتى مرشحه النائب ميشال عون رئيساً”، على حد وصف رئيس حزب “القوات” سمير جعجع بعد لقائه الرئيس الحريري أمس الأول في معراب.
كلام جعجع ومعه لسان حال تيار “المستقبل” وحزبي “الكتائب” و”الوطنيين الأحرار” والمستقلين أيضاً الذين أحرجوا الحزب ولم “يخرجوه” من الزاوية التي حشر بها نفسه بنفسه وكشفوا حقيقته التعطيلية، وتعاطيه مع الملف الرئاسي بشهر سيف “التعطيل” منذ أكثر من سنتين وحتى اليوم. فلو أن الحزب يريد إيصال مرشحه منذ البداية لما كان انتظر “القوات” لكي تدعمه وكان نزل منذ البداية وأمن له نصاب الانتخاب من حلفائه المقاطعين، ولو أنه يريد فعلاً انتخابه لكان نزل الى المجلس فور ترشيحه ودعمه من قبل جعجع وعمل على انتخابه بدلاً من تعطيل خمس وأربعين جلسة حتى اليوم.
فالحزب الصامت حتى اليوم عما يجري داخلياً على صعيد الحراك الرئاسي، يبدو أنه أصبح في موقع لا يُحسد عليه، وهو يصر على هذا السكوت لئلا يفتضح أمره أكثر، وكي لا يبان بجانب حلفائه على أنه “ناكث للوعود والعهود”. فلو أنه فعلاً صادق مع حلفائه بوعوده، لكان نفذ وعوده ونزل سريعاً الى المجلس ومارس الحق الانتخابي بدلاً من تعطيل الجلسات، والهروب الى الأمام بالدعوة الى الحوار ولغة التفاهم تارة والتي كان قد سبق له وأن رفضها، ملوحاً بسيف الشارع ومهدداً بسراياه “الفتنوية”، وتارة أخرى بوضع الشروط والعراقيل أمام المسهلين وعلى رأسهم الرئيس الحريري وبترك الأمور عالقة ضمن فريقه من دون التوسط لحلها.
سياسة الهروب الى الأمام، أعلن عنها صراحة نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم قبل أيام خلال رعايته احتفالاً تربوياً عن أن “الحزب يؤيد الحوار طريقاً للمعالجة، لأن العالم مشغول عنا، وإن لم نبادر فلن تحصل الحلول”، فأين كان الحزب عندما كان الجميع على طاولة الحوار ولماذا فجّر هذه الطاولة عبر حلفائه لتسهيل الوصول الى المؤتمر التأسيسي الذي يسعى اليه من أجل تغيير التركيبة السياسية والدستورية في البلد. فالحزب الذي بات محرجاً أمام حلفائه قبل خصومه، لا يريد لهذا البلد الاستمرار ولا يريد للحياة الدستورية أن تسير في مؤسساته، تنفيذاً للأجندة الإيرانية في المنطقة التي تعتمد على سياسة التعطيل والخراب أينما حلت كما في سوريا والعراق واليمن واليوم لبنان.
وعلى هذا الأساس، يبدو أن الحزب لم يشبع بعد من المناورة بحلفائه، ومن بيعهم كلام المنابر المجرد من أي فعل، لزوم إبقاء الرئاسة في دوامة سجنه الإيراني، من أجل استخدام هذه الورقة “الذهبية” بالنسبة إليها على طاولة مقامرتها بشعوب المنطقة بدءاً من اليمن مروراً بالعراق وسوريا وصولاً الى لبنان. ويبدو أن الحزب المحرج اليوم أمام خصومه، لن يتخلى عن عناده التعطيلي والتدميري للبنان، وضرب دستوره وإغراق أهله بأزمات وويلات لا تنتهي، في وقت يصر البعض وعلى رأسهم الرئيس سعد الحريري على عنادهم لإنهاء الشغور الرئاسي في البلد وتقديم المبادرة تلو الأخرى بهدف إنقاذ البلد تحت سقف القانون والدستور وإعادة الحياة على الصعد كافة إليه بعدما كان فقدها منذ أكثر من سنتين نتيجة سياسة “التعطيل” التي ينتهجها الحزب وحلفاؤه.