كتب طوني أبي نجم
هذه المقالة ليست مخصصة لمناقشة أحقية العماد ميشال عون بالوصول إلى قصر بعبدا، لا لناحية شعبيته وحيثيته المسيحية، ولا لناحية مؤهلاته وخبرته، ولا طبعاً لناحية التطوّر النوعي لترشيحه بعد تبنيه من “القوات اللبنانية” إثر اتفاق معراب في 18 كانون الثاني 2016.
المشكلة التي يحاول البعض تجنّبها أو توريتها في ترشيح عون أنه أتى من “حزب الله” بمثابة فرض أمر واقع تحت عنوان: “إما ميشال عون رئيساً وإما لا انتخابات رئاسية ولا رئاسة جمهورية”!
منذ ما يقارب الـ29 شهراً و”حزب الله” يستمرّ في تعطيل الانتخابات الرئاسية والمؤسسات الدستورية تحت هذا الشعار، ويعاونه في ذلك كل أطراف 8 آذار مباشرة أو مواربة، ومن ضمنهم كتلة “التغيير والإصلاح” العونية وحتى الرئيس نبيه بري الذي تشارك كتلته نظرياً في تأمين النصاب.
وما حصل من تطوّر في الملف الانتخابي كان “رضوخ” الأطراف السياسية لإملاءات “حزب الله”، بدءًا عبر تبني “القوات” لترشيح عون، ولو تحت شعار فضح نوايا الحزب الذي لا يريد رئاسة ولا عون رئيساً، ومن ثم عبر استدارة الرئيس سعد الحريري من ترشيح فرنجية الى ترشيح عون تحت شعار “إنقاذ البلد والمؤسسات”.
وفي رضوخ ركني 14 آذار الأساسيين لمرشح “حزب الله” المعلن سقوط كامل ومدوي للنظام البرلماني الديمقراطي ولمنطق المؤسسات ولآخر معاقل “الطائف”. والسؤال البسيط والطبيعي بعد الرضوخ لمطلب حزب إيران في لبنان على المستوى الرئاسي، ما الذي يمكن أن يجعل هذا الحزب يتراجع عن أي مطلب يريده أو يهدد بتعطيل البلد؟ ألن يتكرر الأمر في حال انتخاب “الجنرال” بحيث يعطّل “حزب الله” تشكيل أي حكومة جديدة لا تكون كما يريدها بالكامل لناحية توزيع الحقائب والحصص، ولناحية فرض الفيتوات على تسلّم أي طرف أي حقيبة لا يريدها الحزب؟ وها قد بدأت الفيتوات العلنية على تسلّم “القوات اللبنانية” حقيبتي الدفاع والداخلية…
ألن يتكرّر الأمر مع قانون الانتخابات النيابية الجديد تحت شعار: إما القانون الذي يريده “حزب الله” وإما لا قانون جديداً ولا انتخابات نيابية من أساسها؟
وماذا عن رئاسة الجمهورية بعد عون في حال وصل أو حتى لم يصل ولكن تمّ تبنّيه تماشياً مع إرادة “حزب الله”؟ أي ضمانة لكي لا يتكرّر الفراغ تحت شعار “إما سليمان فرنجية رئيساً وإما لا انتخابات رئاسية”؟ وماذا إذا قرّر الحزب وضع يده أيضاً على رئاسة مجلس الوزراء وأعلن: “إما فلان رئيساً للحكومة وإما لن تحصل استشارات نيابية ملزمة؟
وماذا عن كل التعيينات العسكرية والأمنية والدبلوماسية والإدارية… ألا يصبح الحزب قادراً على فرض التعطيل الشامل حتى ينال ما يريد؟ حتى على القطاع المصرفي فرض الحزب ما يريده ولو تطلّب الأمر عبوة ذات ليلة أمام بنك لبنان والمهجر. ومن قال إن الحزب لا يمكنه أن يعطّل البلد سنين طويلة ولو انهار البلد والمؤسسات والاقتصاد، طالما أن دويلة الحزب قائمة بشكل مستقل ولا تتأثر بما يصيب اللبنانيين؟!
إن مبدأ الرضوخ لمطلب “حزب الله” بالقبول بانتخاب عون، ولو تحت شعار أن الحزب يناور ولا يريد عون رئيساً، إنما يؤدي حكماً إلى انهيار كامل وشامل للنظام البرلماني الديمقراطي، بحيث أن كتلة نواب “حزب الله” المؤلفة من 13 نائباً تتحكم بمجلس نواب مؤلف من 128 نائباً، وما على الـ115 نائباً الآخرين سوى الانصياع!
ومن يرضخ لمطلب “حزب الله” بانتخاب عون، وعلى عكس كل المبادئ السياسية بسبب تموضع عون الواضح إلى جانب السلاح غير الشرعي وإلى جانب النظام السوري، لن يستطيع أن يواجه كل طلبات الحزب، وخصوصاً أن الحزب سيكون أضاف الى “رصيده” رئيساً في قصر بعبدا يدين له بالولاء الكامل.
الخلاصة، وبكل بساطة، من يريد أن يواجه “حزب الله” ومشروعه لا يمكن أن يسلّمه الموقع الدستوري الأول على طريق دفن “الطائف” وتسليم المؤسسات إلى مشيئة الولي الفقيه. فمع “حزب الله” إما مقاومة سياسية شاملة لمشروعه وإما الرضوخ لمشيئته تحت شعارات واهية… ومن قال إننا ننقذ البلد والمؤسسات إذا سلّمناها لـ”حزب الله”؟!