IMLebanon

“حصيلة ونتائج” مشاورات الحريري الداخلية

 

saad-al-hariri-and-michel-aoun-in-rabieh

 

 

كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:

بدأ الرئيس سعد الحريري جولة مشاورات خارجية تقوده الى روسيا وفرنسا والسعودية بعدما كان أنهى جولة أولى من مشاورات داخلية في شأن الملف الرئاسي شملت (حسب الترتيب الزمني) كلا من فرنجية وجنبلاط وبري وجعجع وعون.

وجاءت حصيلتها ونتائجها على الشكل التالي:

1- نجح الحريري، وبمعزل عن موقفه النهائي وما ستؤول إليه مبادرته ومدى قدرته في تحقيق اختراق في جدار الأزمة والفراغ، وفي تحقيق أمرين حتى الآن: الأول تحريك الملف الرئاسي والعودة من هذا الباب الى صلب الحياة السياسية ليكون محورا رئيسيا فيها، والظهور بمظهر القادر على اتخاذ مبادرات «شجاعة» وقرارات صعبة في وقت يقف الآخرون متسمرين في أماكنهم، متمترسين خلف مواقفهم.

أما الأمر الثاني، فهو أن الحريري نجح ولو جزئيا حتى الآن في إخراج الكرة الرئاسية من ملعبه وفي رد التهمة التي لاحقته بأنه المتسبب في إطالة أمد الفراغ الرئاسي والمسؤول عن عدم انتخاب رئيس الجمهورية بسبب تمسكه بترشيح فرنجية الذي استنفد فرصته، وبسبب رفضه لانتخاب العماد عون الذي يتمسك به حزب الله ولكنه لا يصل الى قصر بعبدا إلا بالصوت السني.

كرة الرئاسة تحولت في اتجاه آخر، وخصوصا في اتجاه الرئيس نبيه بري الذي بات يحمل مسؤولية عرقلة وتأخير عملية انتخاب عون من خلال طرحه الداعي الى تفاهمات حول سلة متكاملة تسبق انتخاب رئيس الجمهورية وتكون شرطا لهذا الانتخاب الذي تبدأ منه التسوية السياسية.

وأما مسؤولية حزب الله، فإنها تتركز حاليا في عدم التدخل لدى الرئيس بري وعدم ممارسة ضغوط عليه لتسهيل معادلة عون الحريري، لا بل يبدو حزب الله مؤيدا لمبدأ «السلة والتفاهمات المسبقة» بعدما كان أوحى في السابق بأمرين: الأول أن انتخاب عون يتوقف على تأييد الحريري له، والثاني أن الحزب موافق على عودة الحريري الى رئاسة الحكومة في حال تأييده لانتخاب عون.

2- المشاورات التي أجراها الحريري لم تساعده في حسم قراره ولم تسهل مهمته بقدر ما زادتها تعقيدا وصعوبة وزادت موقفه غموضا وإبهاما، وكشفت حجم المعوقات التي تواجهه فيما لو قرر تأييد انتخاب عون رئيسا للجمهورية.

في داخل كتلة المستقبل أولا اختصر موقف الرئيس فؤاد السنيورة وجود مناخ عام لم يهضم هذا التوجه حتى الآن.

واجتماع الحريري مع السنيورة الذي دام ثلاث ساعات انتهى الى تباين في الرأي والى قرار أبلغه السنيورة بأنه لن يحضر جلسة انتخاب عون في حال انعقادها.

ما يقلق الحريري ويحسب له حسابا موقف حليفيه بري وجنبلاط، فالأول رافض بقوة لوصول عون الى قصر بعبدا، والثاني رافض بسلاسة ونعومة لهذا الوصول.

والاثنان يهولان على الحريري ويحذرانه من عواقب ما ينتظره والثمن الذي سيدفعه في حال أقدم على هذه «المغامرة».

وكانت النتيجة أن الحريري بات متهيبا أكثر للموقف بعدما وضع في صورة أنه إذا كان سيربح رئاسة الحكومة مقابل انتخاب عون رئيسا للجمهورية فإنه سيصل الى رئاسة الحكومة «معرى سياسيا» وسيخسر حلفاءه (بري وجنبلاط ومسيحيي 14 آذار) وفي الشارع السني.

3- أظهرت لقاءات الحريري أنه اتخذ وبشكل نهائي قرار الخروج من خيار ترشيح فرنجية وبات مقتنعا بأنه لا يمكن الاستمرار في هذا الترشيح الذي لم يعد يعول عليه لكسر المأزق الرئاسي، وأنه لا يمكن الاستمرار في هذا الوضع حيث الفراغ يأكل البلد، وحيث «المستقبل» يواجه حالة نزف على كل المستويات الشعبية والسياسية والمالية.

ولكن هذه اللقاءات أظهرت أن الحريري لم يتخذ بعد وبشكل نهائي قرار تأييد عون رئيسا، وهو حرص على توضيح أن هذا الخيار هو واحد من الخيارات التي يفكر فيها وبصورة جدية لأنه الخيار الأكثر واقعية، ولكنه ليس الخيار الوحيد وليس القرار النهائي، فهناك أيضا خيار التحول في اتجاه الرئيس التوافقي الذي ستفصل على قياسه تسوية سياسية متكاملة كالتي يطرحها الرئيس بري.

وهناك أيضا خيار «نفض اليد» إذا اصطدم بشروط لا يمكن تحملها، والإعلان أنه في حل من مسؤوليته بعدما فعل كل ما عليه وكل ما في وسعه و«اللهم أشهد أنني بلغت».

4- الحريري لن يبادر الى أي خطوة رسمية عملية ولن يقدم على تبني ترشيح عون إلا بعد استكمال لقاءاته واستنفاد مشاوراته في الداخل والخارج والتأكد من أن هذا الخيار الرئاسي الجديد تتوافر له ظروف النجاح.

فقد تعلم الحريري من تجربة فرنجية ولا يريد أن يصطدم بالحائط مرة ثانية وأن يدفع مجددا ثمنا فعليا لخيار رئاسي لم يصبح واقعا ولم يشق طريقه الى التنفيذ.

وهنا تكمن ثغرة في خطة الحريري وتحركه، إذ إن الضغوط من الآن فصاعدا ستتركز عليه من زاوية مطالبته بإعلان موقفه رسميا كي يبنى على الشيء مقتضاه، وبالتالي فإن حزب الله ومادام لم يعلن الحريري موقفه بصورة علنية ورسمية، بمقدوره أن يستنكف عن ممارسة أي ضغط على حلفائه لمصلحة عون، وأن يبرر استنكافه بعدم نهائية موقف الحريري الذي مازال تراجعه أمرا ممكنا ومحتملا.

الانطباع العام السائد حاليا في ضوء حركة الحريري التي حركت المياه الرئاسية الراكدة من دون أن تخلط الأوراق، أن شهر اكتوبر هو شهر مفصلي في الملف الرئاسي ونقطة تحول في مسار الأزمة.

فإذا لم يصبح عون رئيسا في 31 منه أو قبل هذا التاريخ يكون قد خسر فرصته الأخيرة وتكون آخر محاولات «لبننة الحل» قد فشلت ويدخل لبنان في وضع جديد ويصبح تحت تأثير المرحلة الجديدة في سورية والمنطقة إذا تأكد سقوط الاتفاق الروسي ـ الأميركي وبعد التغيير الرئاسي في الولايات المتحدة.

والمؤشرات حتى الآن تفيد بأن الأزمة لا تحل بقرار من الحريري حتى لو قرر الانتقال من فرنجية الى عون، وأن «السلة» التي يطرحها الرئيس بري مدخلا وشرطا للتسوية والانتخاب الرئاسي وجرى رفضها على نطاق واسع مسيحيا وسنيا تحولت الى لغم في طريق الرئاسة وأصبحت «سلة مفخخة».