Site icon IMLebanon

معركة بري والراعي: “اشتباك المصادفة” و”السبب الخفي”

 

 

 

كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية:

لم يزر الرئيس نبيه بري بكركي منذ اعتلاء البطريرك بشارة الراعي سدة البطريركية.. العلاقة بين بري والراعي ليست متوترة ولكنها عادية، وبالطبع لا ترقى الى مستوى علاقة بين زعيم شيعي وبطريرك ماروني. فالرئيس بري لا يضع بكركي في حساباته ولا يرى لها وزنا وتأثيرا في المعادلة السياسية، خصوصا بعدما فرط عقد «الأقطاب الأربعة» ومعه مشروع الراعي لتوحيد الصف المسيحي تحت رايته. والبطريرك الراعي يأخذ على بري إهماله لموقع البطريرك ودوره وتجاهل طلباته وشكواه في أكثر من مجال، خصوصا في المجالات التي للرئيس بري تأثير فيها (أملاك البطريركية في لاسا ـ مشاعات العاقورة..).

عندما أطلق الرئيس سعد الحريري مبادرته الجديدة وباشر حركة مشاورات داخلية تحت عنوان الانفتاح على خيارات بديلة عن فرنجية بينها انتخاب عون، حظيت حركته بتأييد الراعي الذي رأى فيها فرصة جدية لانتخاب رئيس للجمهورية بعدما كان وصل الى درجة اليأس وانخفض سقف طموحه في موضوع الرئاسة الى حد انتخاب أي رئيس، المهم إنهاء الفراغ والشغور في مركز رئاسة الجمهورية، وعندما بادر الرئيس نبيه بري الى التصدي لحركة الحريري باتجاه عون وقاد عملية الاعتراض من خلال ربطه انتخاب عون باتفاق سياسي على السلة المتكاملة (التي تشمل رئيس الجمهورية والحكومة، رئيسا وتركيبة وحصصا وبيانا وزاريا، وقانون الانتخابات، إضافة الى المراكز الأساسية في الدولة مثل قائد الجيش، حاكم مصرف لبنان، ورؤساء المجالس والصناديق)، كانت المفاجأة أن الرد جاء من بكركي وبصيغة حادة أحرجت بري وأخرجته عن طوره ليدخل في سجال لا يريده ولا يراه مناسبا في توقيته وعنوانه.

قال البطريرك الراعي في عظة الأحد: «يتكلمون عن سلة تفاهم كشرط وممر لانتخاب رئيس الجمهورية».

وسأل: «هل هذه السلة تحل محل الدستور والميثاق الوطني؟ ثم كيف يقبل أي مرشح للرئاسة الأولى، ذي كرامة وإدراك لمسؤولياته، أن يعرى من مسؤولياته الدستورية، بفرض سلة شروط عليه غير دستورية؟… الرئيس بري رد على الراعي باقتضاب قائلا: «بين سلة للأشخاص التي اقترحتم وسلة الأفكار التي قدمتها في الحوار، أترك للتاريخ أن يحكم أيهما الدستوري وأيهما الأجدى من دون الحاجة إلى المس بالكرامات، وكرامتنا جميعا من الله».

البطريرك الراعي أخذ هذا الموقف لأنه يتخوف من إلغاء ما تبقى من صلاحيات رئيس الجمهورية وأهمها وآخرها ما يتعلق بالحكومة وتوقيع مرسوم التشكيل، ويتخوف من تكريس عرف يطرح كل مرة عندما يحين موعد انتخاب رئيس الجمهورية، بأن يجري تطويقه وتقييده بـ«سلة شروط»، وهذا ما لا ينطبق على رئيسي المجلس والحكومة.. ولكن السبب الحقيقي والمباشر الذي دفع الراعي الى هذا الموقف هو شعوره وخشيته من أن يكون طرح السلة في هذا التوقيت يراد منه تعطيل انتخاب الرئيس أكثر منه الوصول الى تسوية تسهل انتخابه.

الرئيس بري استغرب هذا الاستنفار من جانب بكركي وهذا الهجوم على السلة التي أراد منها تسهيل مهمة وحكم الرئيس المقبل حتى لا يسقط منذ وصوله الى قصر بعبدا في أزمات متلاحقة تبدأ بأزمة تشكيل الحكومة الجديدة التي استمرت سابقا لأشهر عدة، وصولا الى انتخابات يراد لها أن تجري على أساس قانون جديد غير موجود. ما يستغربه بري أن ما يجري بين عون والحريري من تفاهمات مسبقة على الحكومة وغيرها لا ينطبق عليه ولا يعتبر مخالفا للدستور، وما يصر عليه هو أن يكون له دور أساس في وضع ترتيبات المرحلة المقبلة وإدارة الحكم.. فالرئيس بري المتوجس من معادلة ثلاثية جديدة (عون ـ الحريري ـ حزب الله) على حساب المعادلة القائمة منذ عشرين عاما في السلطة (بري ـ الحريري ـ جنبلاط) متوجس أيضا من أن تكون معادلة عون ـ الحريري سبيلا الى إحياء الثنائية المسيحية ـ السنية في الحكم في زمن الصعود الشيعي.

ما هو متوقع الآن أن تتم تهدئة الأمور بين بكركي وعين التينة وأن تكون الرابية معنية بهذه التهدئة لأن لها مصلحة في ذلك. وهذا ما يفسر الكلام الاستيعابي الذي صدر عن الوزير الياس بو صعب (في احتفال في بيصور) متمايزا عن الراعي ومدافعا عن بري، وجاء فيه: «البعض لم يعجبه مصطلح السلة، لكن نحن محكومون بالتفاهم، قد تسمى سلة أو تفاهمات، لكن لا مخرج في لبنان إلا بالتفاهم بين الفرقاء. البعض فسر هذه الكلمة أنها محاولة لفرض شروط على الرئيس المقبل، لكن لم نسمع مرة من الرئيس نبيه بري أنه يضع شروطا على الرئيس المقبل ولا من أي قطب على طاولة الحوار. لم نسمع من أحد شروطا ولا الجنرال عون يقبل بشروط مسبقة».. المعلومات تفيد بأن خطوط الاتصالات بين عين التينة والرابية مفتوحة وستكون قريبا زيارة للوزير جبران باسيل يليها في حال تم الاتفاق على التفاهمات المسبقة لقاء بين عون وبري.