كتب بسّام أبو زيد:
يوم سلّم الرئيس أمين الجميل مقاليد الحكم في العام 1988 للعماد ميشال عون كرئيس لحكومة عسكرية انتقالية، ومنذ اللحظة التي وصفها فيها الدكتور سمير جعجع بأنها حكومة استقلال، بدأ العماد عون باقتياد المسيحيين وراءه إلى حيث يشاء. فمن ركب الموجة معه عن اقتناع وصفه بالوطني والمسيحي الصحيح، ومن سار مرغما سكت عنه إلى حين ومن عارضه وصفه بشتى أنواع الخيانة والإجرام والفوضى وشن الحروب عليه.
تلك كانت حال المسيحيين مع العماد عون في حرب التحرير ضد الجيش السوري، يومها لم يكن من مسيحي يتجرأ على معارضته فعنوان هذه الحرب كان في صلب الطروحات المسيحية، ولكنها أتت بالتأكيد في التوقيت الخاطئ ومن دون أي تخطيط أو تغطية إقليمية ودولية، ولم تستطع القوات اللبنانية يومها إلا الانخراط فيها مرغمة رغم معارضتها لأن أي معارضة في ذاك الوقت كانت ستشعل المنطقة الشرقية.
اقتاد العماد عون المسيحيين خلفه في حرب الإلغاء وعنوانها كان أيضا بالنسبة للغالبية منهم عنوانا جذابا: التخلص من المليشيات وممارساتها وتوحيد البندقية وقيام الدولة. ودخلت القوات وقتها تلك الحرب مرغمة للدفاع عن نفسها وعن وجودها وظلت تجر معها اتهامات العماد عون بالممارسات الشاذة والقتل والتعدي على الجيش حتى لحظة توقيع ورقة النوايا وتبني ترشيحه، إلا أن هذه الاتهامات ونبش القبور تبقى سيفا مسلطا فوق رقبة القوات يستطيع العماد عون إشهاره في اي لحظة يستشعر فيها أن القوات ستتخلى عنه. فشعار “أوعى خيك” ليس أفضل من تفاهمات وتعهدات كثيرة قطعها العماد عون ثم تراجع عنها.
اقتاد العماد عون المسيحيين وراءه في معارضة اتفاق الطائف وظل متمسكا برفض هذا الاتفاق ومفاعيله ومصرا على قتال إفرازاته وملتزميه إلى أن دفع هو والجيش اللبناني والمناطق الشرقية الحرة الثمن فاحتل جيش النظام السوري رمز السيادة اللبنانية القصر الجمهوري في بعبدا، وكان هذا الاحتلال مناسبة ليزيد الجنرال من منسوب اتهاماته للطرف المسيحي الآخر اي القوات اللبنانية بالتواطؤ مع النظام السوري ضد رمز السيادة والاستقلال.
بعد النفي والعودة، استأنف العماد عون اقتياد المسيحيين إلى حيث يشاء. فتحت عنوان كبير وهو رفض سلاح حزب الله واتهام المسيحيين الآخرين ومن ضمنهم القوات اللبنانية بالانخراط في الحلف الرباعي مع بعض حلفاء سوريا، رفع العماد عون سقف المخاطر المحيطة بالوجود المسيحي ما جعل ما يصل إلى نحو 70 في المئة من المسيحيين يتكتلون حوله فشكل بالفعل التسونامي الذي تفوق انتخابيا على أخصامه المسيحيين حيث كانت المواجهة مباشرة معهم.
وبسعر ساحر استطاع العماد عون نقل شعبيته هذه نحو الضفة الأخرى، فأصبح معها حليفا لخصوم الأمس وفي مقدمهم حزب الله وأصبحت ورقة تفاهم مار مخايل خارطة طريق لهذا الجمهور المسيحي الذي وصل به الأمر إلى رفع أعلام حزب الله وصور السيد حسن نصرالله وحتى تبني خطاب ولغة هذا الحزب مستكملا انقلابا على على كل مفاهيمه وقناعاته السابقة لدرجة انه لم يعترض على أحداث 7 أيار 2008.
واستمر العماد عون في اقتياد المسيحيين أو الجزء الأكبر منهم إلى حيث يشاء، وكان كلما فقد من شعبيته عاد إلى خطاب الحقوق المسيحية وتذكيرهم بشتى الاتهامات والممارسات بحق القوات اللبنانية، ولم يتردد في الكثير من الأحيان باتهام الطائفة السنية كلها بالتطرف والدعوشة. وفي هذا الإطار دفعت القوات اللبنانية ثمن معارضتها لمشروع اللقاء الأرثوذكسي الانتخابي، وصورها العونيون بأبشع أنواع صور التفريط بالحقوق المسيحية. وبالفعل وجدت القوات اللبنانية نفسها في خانة الاتهام وتخبطت في الدفاع عن نفسها رغم أنها كانت أول من تبنى هذا المشروع عندما كان العماد عون يعارضه.
إنها بعض محطات اقتياد العماد عون للمسيحيين إلى حيث يشاء وإلى حيث كانوا يدفعون الثمن مرة تلو الأخرى. وآخر فصول هذا الاقتياد يجري حاليا ومجددا تحت عنوان الميثاقية والحقوق المسيحية ولا بأس بسلة أو بشروط أو بتفاهمات مع الشيعة والسنة والدروز، خطوات مسموح فقط للعماد عون أن يقوم بها وعلى الفرقاء الآخرين على الساحة المسيحية أن يمارسوا دور المتلقي فقط. فهل يستطيع هؤلاء وفي مقدمهم القوات اللبنانية أن يعترضوا على أي تفاهم ينجزه العماد عون مع الطوائف الأخرى وحتى ولو كان على حساب المسيحيين؟
هذه المرة للرئاسة إذا تولاها العماد ثمن قبل الوصول إلى بعبدا، وأثمان أثناء المكوث في بعبدا وممارسة السلطة ونرجو ألا تكون الأثمان هذه المرة أيضا على حساب ما تبقى من لحم المسيحيين الحي، لأن من هم في المواجهة ليسوا لقمة سائغة يمضغها رئيس ويرميها ساعة يشاء.