كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: هل سقطت “سلّة الشروط” التي وضعها رئيس البرلمان نبيه بري كممرّ إلزامي لانتخاب رئيس الجمهورية في لبنان؟ وهل يمكن فتح أبواب القصر الشاغر منذ ايار 2014 من دون سلّة التفاهمات التي يُراد منها ان تشكّل ضوابط لإدارة السلطة في العهد الجديد وما يشبه “ترسيم النفوذ” المسبق بين القوى الداخلية؟ وتالياً هل اقتربتْ فرصة زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون من بلوغ سدة الرئاسة أم… ابتعدتْ؟
هذان السؤالان طُرحا في بيروت التي بدت أمس مشدودة الى الصرح البطريركي في بكركي ومقرّ رئيس البرلمان في عين التينة، وسط تولي مجلس المطارنة الموارنة في اجتماعه الشهري يوم امس رفْع الاعتراض الذي كان وجّهه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي على “سلّة بري” الى مستوى “النداء” الذي أطلقه ليحاكي شكلاً الطابع الاستثنائي الذي تعلّقه الكنيسة على هذه “المعركة” ويكرّس في المضمون “الخط الأحمر” امام اي تقييد للرئيس الماروني بشروط مسبقة. اما الرئيس بري، فبدا وكأنه استشعر مخاطر ظهوره وحيداً في مواجهة بكركي التي كان تولى الردّ عليها في شكل غير مألوف والتي اصطفّت خلفها القوى المسيحية الاساسية كـ “التيار الحر” و”القوات اللبنانية”، وهو ما يفسّر ملامح “الفرْملة” في اندفاعته الكبيرة تحت عنوان السلّة والتي ظهر ان لها هدفان: الاول قطع الطريق على وصول عون الى الرئاسة في ضوء فتح الرئيس سعد الحريري باب الخيارات الرئاسية ليشمل زعيم “التيار الحر”، والثاني تحصيل ضمانات ذات أبعاد استراتيجية لمحور “8 آذار” وأخرى لها علاقة بالتوازنات في السلطة والإدارات.
ولم تخيّب بكركي التوقعات، اذ اختارتْ ان تُصدر امس نداءً يستلهم ما كانت درجت عليه في محطات مفصلية لبنانياً، وشكّل رداً ضمنياً على بري اذ اكد فيه المطارنة الموارنة “على كلّ ما أعرب عنه غبطة البطريرك في عظة الأحد بشأن التقيّد بالدستور الذي تُصاغ حول مبادئه جميع التفاهمات الرامية الى الالتزام بهذه المبادئ الدستورية في انتخاب رئيس للجمهورية، من دون أن توضع عليه أيّ شروط مسبقة (…) وكي يقوم بمهمّته الوطنيّة العليا، ينبغي أن يكون حرًاً من كلّ قيد، وعندئذ يكون”الرئيس الحَكَم”، لا”الرئيس الطرف”، ولا”الرئيس الصوري”.
وربط النداء التقيّد بالدستور بـ”التقيّد بالميثاق الوطني الذي هو (…) شريعة اللبنانيّين السياسيّة، باعتباره خلاصة تاريخ مشترك من تجربة التعايش المسيحي – الإسلامي، وتكريساً لثوابته الثلاث: الحرية، والمساواة في المشاركة، وحفظ التعدّدية. لذلك لم يكن الميثاق يوماً مجرّد تسويات أو تفاهمات عابرة، يُقبل بها اليوم ويُراجع في شأنها غدًا، أو يتمّ التراجع عنها في أوقات تضارب المصالح والخيارات”.
وفي إشارة اعتُبرت برسم الحِراك الجديد الذي أطلقه الرئيس الحريري، رحّب المطارنة”بالجهود والمشاورات المتعلّقة بانتخاب رئيس للجمهورية”، مثمّنين”النيات الحسنة التي تعمل جاهدة للخروج بالبلاد من حال الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى منذ سنتَين وخمسة أشهر”.
واذ دعا”النداء”الى قانون انتخاب جديد”يطلق مساراً لتمثيل حقيقي مشبع من الميثاق والدستور، ويفسح في المجال لقوى جديدة وروح جديدة تصل إلى المجلس النيابي”، أكد انه”لا بدَّ أن يلتزم الجميع بمصالحة وطنيّة شاملة تطوي صفحة الماضي وتعيد الاعتبار إلى التسوية التاريخية التي جسّدها اتّفاق الطائف، والتي تقيم عيشنا المشترك على شروط الدولة الجامعة وليس على شروط فئة من اللبنانيّين، ومصالحة تعيد الاعتبار إلى النموذج اللبناني في العيش معاً، بعيداً عن سياسة هذه المحاور (…)”.
ولم يكن جفّ حبر نداء المطارنة الموارنة حتى كان الرئيس بري يتلقّفه خلال لقاء الاربعاء النيابي بـ”إيجابية وارتياح”معلنا تأييد البيان بكل مندرجاته، معتبراً انه لا يتعارض مع بنود الحوار وما سمي السلّة. واحتفاءً وزّع رئيس البرلمان على النواب سلة من”كعك العباس”(يوزع لمناسبة ذكرى عاشوراء).
وفيما ردّت بكركي على بري معتبرة عبر مصادرها انه”ما دام رئيس البرلمان متفق معنا فهذا يعني انه لا يضع شروطاً على الرئاسة والرئيس وان مفهوم سلة الشروط سقط، وان شاء الله منوزّع كعك ومعمول عند انتخاب الرئيس”، أوحت مقاربة بري لنداء المطارنة بأنها عكست توجهاً لخفض منسوب التوتر مع الكنيسة مع ما يعنيه من نقْل للأزمة اللبنانية الى مستوى انقسامي أكثر خطورة. حتى ان النائب غازي العريضي (من كتلة النائب وليد جنبلاط) تولى في أعقاب لقائه رئيس مجلس النواب نقل موقف بأن الأخير”يحترم بكركي، وما قيل على لسان الرئيس بري ينطلق من موقعه أنه أبرز الحريصين على الصروح الروحية والسياسية انطلاقاً من حرصه على الصرح الدستوري في لبنان الممثل بكل المؤسسات الدستورية”.
ومع إطفاء بري محركات السجال مع الكنيسة، تتجه الانظار الى الجولة الجديدة من مشاورات الرئيس الحريري التي يفترض ان تشمل القادة الروحيين، وذلك غداة عودته من زيارةٍ لموسكو التقى خلالها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ولم تبرز معطيات الى أنها حملت إشارات الى إمكان ان تضطلع روسيا بدورٍ لدى ايران لتسهيل عزْل رئاسية لبنان عن الاشتباك المتفجّر في المنطقة وخصوصاً في سورية، وسط توقُّف دوائر سياسية باهتمام عند ربْط لافروف الوضع اللبناني بالسوري من خلال تشديده على”مواصلة التنسيق مع الجميع وخصوصاً مع أصدقائنا في لبنان، لوضع حل للأزمة في سورية يصبّ في صالح الاستقرار في لبنان”.
ورغم الأفق الخارجي الذي لا يشي بأن لبنان اولوية لدى المجتمع الدولي، فإن المحاولات الداخلية تستمرّ لكسْر المأزق، وسط انطباعٍ بأن حظوظ إحداث خرق على قاعدة امكان السير بالعماد عون، مرشح”حزب الله”وايران، تتساوى مع حظوظ سقوط هذه المحاولة ربطاً بالاعتبارات الاقليمية من جهة وبعدم نضوج شروط التسوية الداخلية من جهة أخرى.
وكان لافتاً ان العماد عون أطلّ ليل الثلاثاء مكرّساً للمرة الاولى علناً رفضه مبدأ السلة”اذ لا يجوز ان تفرض شروط مسبقة على الرئيس”، منوّهاً بالإيجابية التي طغت على محادثاته مع الرئيس الحريري، ومعلناً التزامه بتنفيذ اتفاق الطائف، رافضاً أي”تضليل إعلامي”حول علاقته مع الطائفة السنية وجازماً بأنّ التفاهم مع”حزب الله”ليس موجهاً ضد السنّة.
وشدد على أن من الطبيعي أن يحصل تفاهم بينه وبين الحريري بوصْفه”زعيم الأكثرية السنية ولا بد من الاتفاق معه”لا سيما وانه عبّر عن تأييده تبوؤ الحريري سدة رئاسة الحكومة، مضيفاً:”تفاهمنا مع الرئيس الحريري على كل المواضيع وتفهمنا هواجس تيار المستقبل”.
وفي اشارة الى بري عكست تهديداً بامكان عدم انتخابه رئيساً للبرلمان بحال رفض السير بزعيم”التيار الحر”رئيساً للجمهورية، استشهد عون بالمثل القائل:”كما تراني يا جميل اراك”، مشيراً في سياق آخر الى”ان “حزب الله” كرّر مراراً تأييد ترشيحي للرئاسة وأنا أثق من موقفه”، كما أبدى ثقته بتأييد رئيس حزب”القوات اللبنانية” سمير جعجع له.