كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تعايش “جنباً الى جنب” في فضاء الاستحقاق الرئاسي في لبنان علاماتُ استفهامٍ جوهريّة ووقائع سياسية لا لبْس فيها تعكس ترنُّح الأزمة السياسية – الدستورية المتمادية منذ بدء الشغور الرئاسي في مايو 2014 بين “هبّةٍ باردة” و”هبةٍ ساخنة” على وقع المحاولات الداخلية، وتحديداً من زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري لاجتراح حلٍّ على قاعدة إمكان السير بزعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون رئيساً، وهو المسار الذي يواجه معاندةً محلية يتصدّرها رئيس البرلمان نبيه بري، وأفقاً خارجياً لا يبدو مساعِداً على تحقيق انفراجاتٍ في الواقع اللبناني المتشابك كـ “خيوط العنكبوت” مع الاشتباك الكبير في المنطقة.
ومن أبرز علامات الاستفهام التي تشغل لبنان ولا مَن يستطيع أن يقدّم إجابات حاسمة حولها:
- هل “حزب الله” يريد فعلاً وصول مرشحّه المعلن العماد عون الى الرئاسة، ام انه لا يثق به بعد ان يدخل الى قصر بعبدا؟
- هل “حزب الله” يرغب بإجراء الانتخابات الرئاسية في هذا التوقيت وبما يعزل الواقع السياسي اللبناني عن مرحلة المقايضات التي ستدخلها المنطقة حين تتكشف موازين الربح والخسارة في الساحات الملتهبة لا سيما في سورية واليمن، والتي ستسمح في ضوئها بترسيم نفوذٍ بين القوى الاقليمية، خصوصاً ايران والسعودية؟
- هل يفضّل “حزب الله” التقاط فرصة حصْر المعركة الرئاسية بين مرشحيْن من 8 آذار هما عون والنائب سليمان فرنجية (لم يتخلّ الحريري بعد رسمياً عن دعمه) لتحقيق مكسب في الرئاسة الاولى هو نتيجة حتمية لاختلال الموازين حالياً في المنطقة لا سيما في ضوء الدلالات البالغة الأهمية لقانون “جاستا” الاميركي على صعيد إظهار السعودية كلاعبٍ اقليمي صار امتداده الدولي مهدَّداً؟ وتالياً هل يقتنص هذه الفرصة قبل حدوث اي تطور يعدّل الموازين خصوصاً في ظلّ الاحتدام في العلاقة الاميركية – الروسية على مشارف انتخابات الرئاسة في “بلاد العم سام”؟
- هل يرفض بري، شريك “حزب الله” في الثنائية الشيعية، وصول زعيم “التيار الحر” الى الرئاسة الاولى بالمطلق ام ان موقفه الاعتراضي هذا مربوط بمدى استعداد عون للسير بالسلّة التي وضعها رئيس البرلمان كممرّ إلزامي لأي مرشّح لدخول قصر بعبدا؟ وهل “حزب الله” يمكن ان يفرج عن رئاسية لبنان بمعزل عن هذه السلّة التي كان بلغ العام 2008 حدّ استخدام ذراعه العسكرية للحصول عليها وتحديداً لجهة ضماناتٍ تتصل بالتوازنات في الحكومة ورئيسها والبيان الوزاري وقانون الانتخاب وتعيينات حساسة؟
وفي الوقائع السياسية شبه المحسومة، يمكن التوقف عند الآتي:
- ان الرئيس الحريري جدّي في المسار الجديد الذي أطلقه على قاعدة استكشاف إمكان تبني العماد عون للرئاسة، وانه ذهب الى هذا المسار على قاعدة قناعته بأن الفراغ قاتِل وان المرحلة الراهنة في ضوء التطورات في المحيط تقتضي الحدّ من الأضرار والصمود في وجه التحولات، وهو ما جعله يردّ على منطق “حزب الله” الذي قام على شعار “عون او الفراغ” بمنطق “عون ولا الفراغ”.
- ان الحريري ليس في وارد الاستعجال وحرق المراحل او “الاوراق” ولا ملاقاة مطلب “8 آذار” بالإعلان الآن عن تبني ترشيح زعيم “التيار الحر”، قبل ان تكون “الطبخة نضجت” وضمَن عون حصول تأييد حلفائه،لا سيما “حزب الله” الذي يرفع معادلة “مع عون ولا يمكن ان أقفز فوق الرئيس بري”.
وبهذا المعنى فإن الحريري يحسب خطواته ويحاول تحصين اي تبنٍ لترشيح عون بضمانات اولاً مع عون نفسه حول الخطوط العريضة للعهد الجديد وثانياً مع حلفاء الأخير كي لا تتكرّر تجربة ترشيح فرنجية قبل نحو 11 شهراً والتي أجهضها حلفاؤه في “8 آذار”.
ومن هنا، فإن زعيم “المستقبل” سيستكمل جولته الخارجية التي بدأها من موسكو ليكمل الصورة الاقليمية والدولية ذات الصلة بآفاق الأزمة اللبنانية، وهو يستعدّ لزيارات يفترض ان تشمل فرنسا والمملكة العربية السعودية وربما تركيا ومصر، بعدما كان أبلغ الى أعضاء كتلته البرلمانية خلال اجتماعها اول من امس ان الأمور المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي لم تبلغ بعد مرحلة حسم الخيارات، وإن كان أفصح انه يطرح خيار عون من ضمن الخيارات المفتوحة التي يشملها تحركه، وسط معلومات عن انه كشف امام كتلته ان جولته الداخلية الأسبوع الماضي أظهرت وجود معارضة لخيار زعيم “التيار الحر” لدى فرنجية وحزب الكتائب في موازاة تمسك الرئيس بري بخيار السلة وحذَر لدى النائب وليد جنبلاط، وحماسة من رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع.
وتشي محاذرة زعيم “المستقبل” القيام بـ “خطوات ناقصة” وحاجته الى مزيد من الاتصالات بأن الموعد الذي حدّده عون لتحرك شعبي في ذكرى إطاحته عسكرياً من قصر بعبدا في 13 تشرين الاول 1990 والتي يرجح ان يحييها في 16 الجاري ستحلّ من دون ان يكون أمر ترشيحه من الحريري قد بُتّ ولا تأمّنت كل ظروف عودته الى القصر الذي كان دخله العام 1988 كرئيس حكومة عسكرية انتقالية.
واذا كان المناخ الرئاسي الذي يعتبره عون مشجعاً لجهة جعله أقرب ما يكون الى بلوغ سدة الرئاسة أفضى اول من امس الى عودته عن قرار مقاطعة جلسات الحكومة، فإن أوساطاً سياسية تتوقع ان يكمل زعيم “التيار الحر” مسار رسائل حسن النية من خلال جعل التحرك في ذكرى 13 اكتوبر منبراً لتعزيز محاولات “الوصل” مع الآخرين من خلال “خطاب رئيسٍ” على مشارف أبواب القصر حيث يتوقع ان يحتشد عشرات الآلاف في عرض عضلات شعبي يرفد “الجنرال” بأوراق القوة الضرورية في الأمتار الأخيرة من السباق الرئاسي.
وفي غمرة هذا المناخ، كان بارزاً اول دخول علني لـ “حزب الله” على خط الأزمة بين بري وعون من خلال كلام للنائب نواف الموسوي حمل إشارات الى تمسُّك الحزب بعدم القفز فوق رئيس البرلمان في الملف الرئاسي، كما عكس عدم ارتياحٍ الى ما يُحكى عن تفاهم رئاسي تم التوصل اليه بين عون والحريري وذلك من خلال المطالبة بـ “تظهير التفاهمات التي قيل إنها قد أبرمت”.
فقد دعا الموسوي “حليفينا العزيزين الكريمين، أي إخواننا في التيار الحر وحركة أمل (يتزعّمها بري)، إلى الشروع في حوار مباشر وجدي من شأنه أن ينتج تفاهما (…) كما نشجع على تظهير التفاهمات التي قيل إنها قد أبرمت، فنحن نصدق حين يقال إن هناك تفاهمات أبرمت، ولكن حتى نبي الله هو قال (أرني كيف تحيي الموتى، قال أولم تؤمن، قال ليطمئن قلبي)، ولذا نأمل أن يتم أيضا في أقرب وقت ممكن تظهير التفاهمات، لأن من شأن ذلك أن يسرع الخطى إلى تكريس التفاهمات اللازمة للخروج من هذه الأزمة”.