Site icon IMLebanon

“حزب الله” في سوريا.. “المكتسبات” قبل التسويات

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

يقوم “حزب الله” خلال المرحلة الآنية، بخطوات استباقية يسعى من خلالها إلى “شرعنة” وجوده في سوريا تحسبّاً لأي تسوية دولية يُمكن أن تُستدرك بعد تفاقم الأوضاع هناك على خلفية التوتر الأميركي ـــــــ الروسي. وقد بدأ الحزب يستطلع أجواء ومواقف الدول المعنية بشكل مباشر بالحرب السوريّة ومستقبلها، وطرح أفكار وحلول تتعلّق بالأزمة، علّها تُبقيه على تماس مباشر مع أي صفقة تتعلّق باقتسام “قالب” الجبن أو أقلّه الحفاظ على “المكتسبات” التي حصل عليها منذ دخوله في هذه الحرب.

خطاب “حزب الله” بات مُحدداً في ما يتعلق بالأزمة السورية، كما هو الحال بالنسبة إلى نظرته الحالية ومواقفه المُتصلة بالوضع الداخلي المأزوم نتيجة الفراغ الرئاسي الحاصل. شعور الحزب بالنسبة إلى استحالة انتهاء الازمة السورية عن طريق الحل العسكري، يصل إلى حد التأكيد وربما الجزم، خصوصا بعدما عجزت كل الجهات المُتصارعة عن حسم معركة “حلب” او أي من المدن الرئيسيّة لصالحها، فها هي “القنيطرة” و”دمشق” و”إدلب” و”حماة” وغيرها الكثير من البلدات السورية ما زالت عاصية على الإخضاع لأي جهة كانت وتحديداً النظام السوري وحلفاءه من “حزب الله” و”الحرس الثوري الإيراني” والميليشيات العراقية والأفغانية، حيث فاقت خسائرهم البشرية، كل التوقعات والاستنتاجات وبالتالي أصبح فرز المناطق المُسيطر عليها بالتوزيع الذي هو حاصل اليوم، أقصى أحلام الطرفين من نظام ومعارضة، حتّى إنه كان تردّد عن الأوّل مراراً، نيّته بالإكتفاء بـ”سوريا المُفيدة”.

يحاول “حزب الله” ربط الأزمة السورية بالأزمات الحاصلة في المنطقة وفرض نفسه كجزء أساسي من الحل، وإلّا فالمنطقة برُمّتها ذاهبة إلى خراب بدأ منذ الآن برفع مسؤوليته عنه أو بالأحرى مسؤولية “الممانعة” وبالتالي تحميل تبعاته إلى عدة دول ليست إيران ولا نظام بشّار الأسد، من بينها. من بين اللغة السائدة في أوساط الحزب، يُشير الشيخ نعيم قاسم إلى أن “الأزمة السورية ليست مختصة بسوريا وإنما هي مدخل لإيجاد أزمات في كل المنطقة من أجل تغيير الأنظمة والتوجهات، لتكون المنطقة بأسرها وكل بلدانها وشعوبها في خدمة أميركا وإسرائيل”. لكن قاسم لم يأتِ على ذكر استدراج حزبه للشباب الشيعي إلى الموت بالتدرّج، تحت حجج متعددة، قبل أن يكشف مخططاً توسعياً “ديموغرافياً”، ظهرت حقيقته في “القصير” و”الزبداني” و”مضايا” و”داريا”.

يظهر جليّاً أن دخول “حزب الله” على خط الأزمة السوريّة، لم يكن هدفه حماية بشّار الأسد ونظامه فقط، بل تعدّاه ليصل الى حد اقتطاع قرى وبلدات سوريّة بحالها تقع بمحاذاة سلسلة جبال لبنان الشرقية المعروفة بجبال “القلمون” المُمتدة من السهل المحيط بمدينة حمص السورية شمالاً حتى جبل الشيخ في مرتفعات الجولان السورية جنوباً. والاطماع هذه لم تعد مُجرّد حلم بالنسبة إلى الحزب ولا حبرا على ورق، بل أصبحت ناجزة منذ أن تنازل له الأسد الإبن عنها يوم قال “سوريا لمن يُدافع عنها، وليس لمن يحمل جنسيتها”. والكلام هذا، كان دمغه الحزب بتوقيعه يوم منع جزءاً كبيراً من النازحين السوريين من العودة إلى منازلهم قبل فترة وجيزة من “الإنتخابات” الرئاسية “الفلكلورية” على الرغم من سماح الأسد لهم بذلك بهدف كسب شرعية لإنتخاباته تلك.

يُسهّل النظام السوري مُخطّط “حزب الله” الهادف إلى بسط سيطرته على كل تلك المساحات الحدودية بحجّة حماية خاصرته في العاصمة “دمشق”، وهو ما يُعد تفويضاً ليتصرف الحزب على هواه داخل هذه المناطق وبالتالي إخضاعها لنفوذه وجعلها مستقراً لعناصره ونقاط تجمع متقدمة لهم، على غرار منطقة السيدة “زينب” في دمشق التي تحوّلت أيضاً الى نقطة تجارية هامة للإستثمار العقاري والسياحي. وبعد هذا يعود قاسم للدخول مُجدّداً من باب التسويات فيقول “دخلوا إلى سوريا ليخربوها ويدمروها من أجل أن يغيروا النظام فيها، كي يسقطوا من كان يعمل إلى جانب المقاومة. سنستمر، وسندفع تضحيات كبيرة، وعلى عظمتها وأهميتها هي أقل بكثير مما كان يمكن أن ندفعه لو بقي التكفيريون منتشرين في القلمون والقصير وتسللوا منها إلى منطقة البقاع وأقاموا إمارات في لبنان ووصلت سياراتهم المفخخة إلى كل منطقة في لبنان من دون استثناء”.

من المؤكد ان سوريا وما يجري فيها، تُشكّل عقدة كبيرة بالنسبة إلى “حزب الله” على كافة الصعد. من بين هذه العقد، التمايز في المواقف وتحديداً بين ما يُعرف بالصف القيادي الأوّل. الاسبوع المنصرم أعلن السيد حسن نصرالله أن لا آفاق للحلول السياسية في سوريا وأن الفصل يعود للميدان، ونقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية الموالية لنظام الأسد عن حسن نصر الله قوله إن “الوضع يزداد تعقيدا في سوريا خصوصا بعد التوتر الأميركي الروسي”. هذا الكلام عاد ونسفه قاسم أمس بكلام قال فيه ان “الحل في سوريا سياسي، لأنه عسكريا لا يمكن لأحد أن يغير المعادلة بشكل كامل، ويمكن أن يتفوق فريق على فريق ولكن لا بدَّ من حل سياسي”. هذا الكلام أو هذه الإستراتيجية التي يسير وفقها “حزب الله”، تركت نفوراً وسط بيئته وراحت تتساءل: ماذا حل بوعود “الإنتصارات”؟.