Site icon IMLebanon

تفاهم الحريري – عون لا يلزم الثنائي الشيعي

كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:

يتكشف المزيد من المعطيات حول مرحلة التشاور والحركة السياسية الداخلية في لبنان من أجل تسريع إنهاء الشغور الرئاسي، ويظهر أن ما يعوق النهاية السعيدة التي تفاءل بعض الأوساط بأن تقود إلى توافق على انتخاب زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون، هو مرحلة ما بعد الرئاسة، أكثر مما يتعلق بإنجاز التوافق حول شخص الجنرال، كما تقول أوساط سياسية منخرطة في اتصالات الأسابيع الماضية.

ومع أن بعض هذه الأوساط ما زال على قناعته بأن إنهاء الشغور الرئاسي ورقة بيد إيران تقرر الإفراج عنها في الإطار الإقليمي والدولي، وفي التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية الذي لم يحن وقته في انتظار الإدارة الجديدة في واشنطن، فإن الأوساط نفسها تعتبر أن المعوقات الداخلية التي برزت وبررت تمهل زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري في إعلان دعمه المفترض لخيار عون، لا تقل أهمية عن العامل الإقليمي والإيراني في تأخير الاستحقاق. بل هي قد تكون مرتبطة بهذا العامل نظراً إلى علاقة تركيب السلطة في لبنان ودورها المستقبلي، بما يدور على المسرح الإقليمي من تطورات دراماتيكية.

وتستدل هذه الأوساط من بعض وقائع الأسابيع الماضية، على مدى الربط بين تركيب السلطة بعد انتخاب الرئيس، حتى لو كان عون، وبين الحسابات الخارجية للطرف الأقوى المنخرط كلياً في المسرح الإقليمي، والذي يمسك بورقة الرئاسة اللبنانية، أي “حزب الله” بالآتي:

– واكب تقدم الاتصالات بين فريقي العماد عون والحريري خلال الأسابيع الماضية استحقاق انتهاء مدة خدمة قائد الجيش العماد جان قهوجي وما دار حوله من مواقف. عمل بعض المراجع على التفكير بقائد جديد للجيش لتجنب عودة الخلاف مع عون على التمديد مجدداً لقهوجي، وطرحت أسماء تناهى إلى الحزب إمكان تعيين واحد منها، لكن الحزب بدا متوجساً من ذلك وأصرّ على الاتفاق على اسم القائد الجديد المحتمل معه، نظراً إلى إيلائه الأهمية القصوى لتنسيق المرجعية العسكرية الأولى في البلد معه، في ظل حركته العسكرية من وإلى سورية في الحرب المتصاعدة التي يخوضها هناك، وإلا التمديد لقهوجي نظراً إلى التجربة المطمئنة في العلاقة معه، خلال السنوات الماضية. فالحزب لا يريد المغامرة حيال قيام مرجعية تنسق مع غيره من الدول على حسابه، فيما قهوجي استطاع أن يقيم توازناً ما على هذا الصعيد. وهو الأمر الذي دفع “التيار الوطني الحر” إلى تفهم رغبة الحزب عبر ما تسرّب عن أن عون قد يغض الطرف عن التمديد لقهوجي، لكنه لم يسعه إلا الاعتراض على مبدأ التمديد للأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير، التزاماً بمبدأ التعيين. فالتيار الحر تجنب الدخول في مواجهة مع الحزب في موقفه.

لكن الأمر بدا أكثر دقة حين تسربت أنباء عن أن التفاهمات بين عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، تناولت بين ما تناولته، مبدأ التوافق بينهما على قائد الجيش في العهد المقبل، وأن دور “القوات” في ذلك قد ينسحب على التفاهمات بين عون والحريري أيضاً. وهو ما توجس منه الحزب، على رغم نفي نواب “المستقبل” حصول ذلك. فالحزب لا ينوي المخاطرة في شأن هوية القائد وعلاقاته وأهوائه.

حصة جعجع والثلث المعطل

– إن التسريبات (التي تعرضت للنفي أيضاً) عن توافق عون وجعجع على إيكال واحدة من الحقائب السيادية وتحديداً الداخلية أو الدفاع، إلى “القوات”، أثارت حفيظة الحزب ورئيس البرلمان نبيه بري أيضاً إلى حد الرفض الكامل للفكرة، نظراً إلى حساسية الحقيبتين. وهذا التوجس نقل الخشية من قبلهما إلى مستوى آخر هو الذي يفسر تمسك بري بالبند المتعلق بـ “تشكّل الحكومة” (يؤثر استخدام هذا التعبير في استعمال تعبير تشكيل الحكومة) من بنود الحوار الوطني التي تتألف منها السلة التي طرحها تحت مسمى “التفاهمات”، على عناوين يحتاجها تسهيل عمل العهد الجديد. فالاتفاق على حقائب رئيسة قد يكون حصل مع الحريري أيضاً ويدفع إلى التدقيق بالحصص. ومع أن غير مرجعية سياسية، وخصوصاً بري، اعتبرت أن الفرز الذي أحدثه ترشيح الحريري لرمزين من 8 آذار كرس انتهاء الاصطفاف بين 8 و14 آذار، فإن الأوساط السياسية المتابعة لوقائع الأسابيع الماضية تقول إن التدقيق في توزيع الحقائب الوزارية دفع إلى طرح الأسئلة عن كيفية هذا التوزيع بين المعسكرين، كما حصل في اتفاق الدوحة. وهو ما دفع عضو كتلة بري النائب ياسين جابر إلى القول الأربعاء الماضي وهو خارج من اللقاء النيابي مع رئيس المجلس، إن المقصود في التفاهمات التي تواكب انتخاب الرئيس البيان الوزاري و”الثلث الضامن” في الحكومة. وهو كلام مر من دون تعليق عليه من القوى الأخرى، مع أن استحضاره يعاكس المعطيات بأن الثلث المعطل لم يعد شرطاً منذ رشح الحريري رئيس تيار” المردة” النائب سليمان فرنجية باعتبار أن الرئاسة حين تصبح في عهدة أحد أقطاب 8 آذار تشكل بحد ذاتها ضمانة. لكن العودة إلى الثلث المعطل الذي نشأ في الدوحة وأدى إلى إقالة حكومة الحريري عام 2010، تعكس حرصاً من الثنائي الشيعي على تقاسم مشروط للسلطة، يبقي مصير الحكومة في يده مع حلفائه، على رغم أن الرئاسة ستكون افتراضاً للحليف. كما أن إثارة التوزيع الوزاري بين المعسكرين مرده إلى تأثير الترجمة المفترضة للعلاقة المستجدة بين “القوات” وعون على الأحجام الوزارية وتحديداً لبري وحلفائه.

رئاسة الحكومة وتشكيلها

– إن الارتياب عند الثنائي الشيعي أخذ يزداد حين نقل “حزب الله” قبل زهاء شهر، إلى بري معطيات استقاها من عون بأن الاتصالات بينه وبين الحريري تقدمت وتناولت موضوع الحكومة. وفيما كان القصد تشجيعه على تغيير تحفظاته عن عون، فضل بري التأكد من الحريري عند عودته، وتعمق مع حليفه “حزب الله” في درس الاحتمالات وكيفية التعاطي معها، ما أنتج تفاهماً كاملاً بينهما حول معظمها. ومع شح المعطيات عما دار بين بري والحريري حين زاره الأخير، فإن الأوساط المطلعة على بعض الوقائع، تفيد بأن زعيم “المستقبل” كان شديد الحرص على العلاقة الإيجابية مع بري عندما أطلعه على دافعه من وراء توسيعه خياراته الرئاسية بعد أن أخذ الشغور الرئاسي يزيد من تآكل المؤسسات والاقتصاد، على رغم المبادرات التي أطلقها على مدى السنتين الماضيتين… ويشير بعض الأوساط إلى أن بري عرض للحريري تحفظاته عن إمكان اندفاعه بخيار عون. وتبلغ الحريري كما نقلت هذه الأوساط عن مقربين من رئيس المجلس أنه إذا كان التفاهم مع عون يشمل الحكومة ورئاستها فإن “حزب الله”، على رغم إعلان أمينه العام السيد حسن نصر الله قبل شهرين، أنه منفتح على توليه رئاسة الحكومة، فإن الحزب لن يصوت له في الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية لتسمية الرئيس المكلف، وأن الحزب لن يكون متساهلاً في عملية تشكيل الحكومة.

وترى الأوساط المتابعة نفسها أن هذه الوقائع (وهي أمثلة)، وغيرها تدل إلى أن المحاولة الجديدة التي يبذلها الحريري لا تجعل مهمته سهلة على أهميتها في تحريك الركود في ملف الرئاسة بمبادرة منه مرة جديدة، وأن التفاؤل الذي ظهر في الأوساط العونية اتكل على “حزب الله” من دون الأخذ في الاعتبار مبدأين مهمين: أولهما أن تحالف بري والحزب متين إلى أقصى الحدود ويتقدم بأهميته على تحالف عون مع الحزب، بحيث لا يقتصر على امتناع الحزب عن الضغط على بري بل يتعداه إلى اتفاقهما على التفاصيل. وثانيهما أن اتفاق عون والحريري لا يعني بالضرورة أن هذا التحالف سينسجم مع مضامينه، ويكفي لإنهاء الشغور، من دون أخذ حسابات الحزب في شأن انعكاسات التوازنات داخل السلطة المقبلة على دوره الإقليمي المتواصل.