كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: رغم الضجيج الهائل لـ “ميني” الحرب العالمية الدائرة في سورية وتَردُّد صداها بقوّة في المنطقة بأسرها، فإن بيروت مشغولة بسؤالٍ واحد يطغى على كل شيء وأي شيء: هل يُنتخب زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية؟
سيُنتخب، لن يُنتخب، ربما يُنتخب وربما لا… هكذا هي حال طوفانٍ من القراءات في “الكفّ الرئاسي”، مع العدّ التنازلي للموعد الافتراضي لانتخاب الرئيس في 31 الشهر الجاري، وبعد نحو أسبوعين من تحريك زعيم “المستقبل” الرئيس سعد الحريري المياه السياسية الراكدة عبر وضْعه لاحتمال تبني ترشيح عون على الطاولة.
تَمهُّلٌ، تأنٍ، شحُّ كلامٍ، وكثرة حركة في “بيت الوسط”، اي دارة الحريري، الذي من المتوقع ان يدير محركاته من جديد في اتجاه الرياض وباريس وأنقرة وربما القاهرة لاستكشاف إمكان تشكيل حاضنة إقليمية – دولية لكسر المأزق السياسي- الدستوري في لبنان بانتخاب العماد عون رئيساً، وبتفاهُم يعيد الحريري الى السلطة.
أسارير عريضة تارةً ووجومٌ تارةً أخرى، تفاؤلٌ ثم تشاؤمٌ، فتشاؤلٌ في الرابية، دارة العماد عون، الذي يشعر بأنه صار قاب قوسين من الرئاسة ويخشى في الوقت عيْنه من مراوحةٍ مردّها لـ “لعم” من حلفائه، وهو الذي يدرك ان مرور المزيد من الوقت من شأنه استيلاد تعقيدات، من الداخل والخارج، قد تؤدي الى إحباط عملية وصوله الى الحلم الذي لم يغادره منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي بالوصول الى الرئاسة.
خرائط طرقٍ، سلال حوارٍ وكعكٍ، كلامٌ بـ “مكبرات الصوت” وتلويح بالصمت في “عين التينة”، مقر رئيس البرلمان نبيه بري، الذي تُراوِح التأويلات لموقفه بين الرفض الحاسم لمجيء عون رئيساً وبين “دفتر شروط” يضمن إعادة توزيع “كعكة السلطة” على النحو الذي يعزز مكانة “الشيعية السياسية” في إدارة الحكم، إن في السلطة الاجرائية او في الإمرة الاستراتيجية، وإلا فلا رئاسة حتى إشعار آخر.
طواحين هواء، صيد رؤساء وسمك، سيمبوزيوم ونفايات وأسفار… هكذا “تغرّد” دارة المختارة، معقل زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، الأكثر استشرافاً من بين السياسيين اللبنانيين لأسرار “اللعبة” وهو الذي يرى انه لا بد من “تسوية شاملة”، اسمها الحرَكي بالنسبة الى الرئيس بري “السلّة المتكاملة”، ولا بد ايضاً من مراعاته لـ “الحساسية المسيحية” في الجبل في ضوء التفاهم المستجدّ بين عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع.
ارتياحٌ مشوب بالحذر، تطويعٌ للعبة التكتيك والاستراتيجيا، إمساكٌ بالحليف الجديد (عون) بيدٍ وإطلاق النار السياسية على حليف الحليف (حزب الله) باليد الأخرى، هو الحال في معراب، مقرّ جعجع، الذي يعود له “الفضل” في منْح ترشّح عون “شرعية مسيحية” لا يمكن تَجاوُزها بسهولة، وفي خوض معركة جعْله أمراً واقعاً لا مناص منه قبل ان يقرّر الحريري (حليف جعجع) سبر أغوار تبني خيار عون الذي لطالما كان يعتبره “المستقبل” مجازفة غير محسوبة.
صمتٌ وصمتٌ وصمتٌ ولا شيء الا الصمت في حارة حريك، معقل “حزب الله” الذي يقارب “التفاصيل اللبنانية” بعينٍ إقليمية يمتدّ مداها بعيداً من سورية والعراق فاليمن، الى الرياض وواشنطن وسواهما، وبعينٍ أخرى تتصل بمعاودة رسم التوازنات داخل السلطة في لبنان على وقع الترسيم الجديد للأحجام والأدوار والوظائف للجماعات اللبنانية وللبنان برمّته.
خلف الستائر المقفلة في هذه المقرات السياسية وعلى الخطوط المتقاطعة فيما بينها “كرٌّ وفرٌّ” سياسي يومي وسط اتجاهٍ لـ “حبس أنفاس” على مدى الأسابيع الثلاثة المقبلة الفاصلة عن موعد الجلسة الـ 46 لانتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، وهي الجلسة التي ستشكل اختباراً للنيات والتفاهمات في شأن إمكان فتح الطريق أمام عون للوصول الى القصر الرئاسي.
وثمة مَن يعتقد في بيروت ان المدة الفاصلة عن جلسة 31 الشهر الجاري، لن تكون كافية لإظهار الخيط الابيض من الأسود بالنسبة لانتخاب عون، وخصوصاً في ظل تمهل الحريري بالإعلان الرسمي عن حسم خياره الرئاسي لمصلحة زعيم “التيار الوطني الحر” وتَمسُّك الرئيس بري بـ “سلة الحوار” واكتفاء “حزب الله” بنصح حليفيْه عون وبري بالتفاهم حيال المرحلة المقبلة ومقتضياتها.
واللافت في هذا السياق، ان الاعلام القريب من “8 آذار”، الذي يُكثِر من التساؤلات حول الموقف الحقيقي للمملكة العربية السعودية من إمكان سير الحريري بخيار العماد عون، أَظهر ما يشبه “النقزة” من الإتيان بزعيم “التيار الحر” في إطار تَفاهُمٍ بين عون والحريري وجعجع، في حين بدا عون وكأنه يدير الظهر لسلّة الرئيس بري التي يريدها “حزب الله”، وهو الأمر الذي تُرجم بما كتبتْه إحدى الصحف المسحوبة على 8 آذار “ما هكذا تورد الابل يا جنرال”.
واذ نفت مصادر “تيار المستقبل” ما يُروّج عن اتفاق تحت الطاولة جرى بين الحريري وعون تضمّن تعهدات وحصصاً وما شابه، فان زعيم “المستقبل” الذي يستكمل مشاوراته في الداخل ومع عواصم ذات صلة بالوضع في لبنان لن يحرق المراحل على الارجح، رغم الضغوط السياسية والاعلامية من خصومه لدفعه الى الاعلان الرسمي عن تبني ترشيح عون قبل ان تتضح فرص وصوله الى الرئاسة عبر حصول زعيم “التيار الوطني الحر” على نعم حاسمة من حلفائه.