كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:
لا يجد سفير دولة اوروبية كبرى سوى طرح السؤال الآتي، بعدما اكتشف ان العقارب عادت بالجميع الى الساعة الصفر: هل لا يزال ممكناً توقع انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية الشهر الجاري؟
لا يأتي الاستنتاج بالسهولة التي يتوخاها السفير، اذ يعبّر عن تجربة معرفته بالزعماء والافرقاء اللبنانيين الذين اجتمع بهم ــــ في مطلع وصوله الى بيروت لاشهر قليلة خلت ــــ فيلمس تناقضاً مريعاً. يفصح عن هذا الاستنتاج كالآتي: ما يتحدث عنه كل منهم ويورد وجهة نظره في مجمل الوضع اللبناني وأزماته، وفي الانتخابات الرئاسية، يوحي للسامع بأن الحجة قوية الى درجة عالية من الاقتناع بها، سرعان ما تمسي اللوحة متناقضة عندما تتجمع عندي كل المعطيات التي يرويها اولئك. يصعب عندئذ التوصل الى اقتناع واحد، والى قاسم مشترك حتى.
يسأل سفير الدولة الاوروبية الكبرى عندما يُقصّ عليه انه ليس الاستحقاق الرئاسي الاول الذي تجبهه العراقيل، وليس الشغور الاول للمنصب، بالقول: هل كانت المشكلات والصعوبات نفسها على الدوام منذ ما قبل الحرب؟ لا يلبث ان يجيب: بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخصوصاً بعد اتفاق الدوحة، تبدو المشكلة في النظام الذي لم تعد مؤسساته ينتظم عملها.
تستوقفه بضع ملاحظات:
1 ــــ امتلاك كل من الطوائف الرئيسية الثلاث فيتو يمكّنها من تجميد المؤسسات الدستورية على نحو ما بدا له قائماً الآن.
2 ــــ رغم القول الشائع بتراجع الدور المسيحي عما كان عليه قبلاً، الا انه يسأل: هل الفيتو المسيحي الحالي الذي يلعب دوراً مهماً في جزء اساسي من تعطيل المؤسسات الدستورية، يُعزى الى الفريق المسيحي على غرار الفيتو الشيعي والفيتو السنّي أم الى الرئيس ميشال عون بالذات بصفته المرشح الرئيسي والاقوى، وبسبب تحالفه المعلن مع حزب الله؟
3 ــــ هل ان لبنان على مقربة من انتخاب رئيسه في ضوء المشاورات التي اجراها الرئيس سعد الحريري في الآونة الاخيرة؟ يلاحظ ان الايحاءات التي ارسلها الحريري عبر مشاوراته باحتمال ترشيح عون للرئاسة ضرورية للوصول الى انتخاب الرئيس، بيد انها غير كافية. في المقابل، أرسل عون اشارات ايجابية الى الطائفة السنّية لتطمينها ضرورية بدورها، الا انها ــــ على ما يبدو في اقتناع السفير ــــ ليست كافية تماماً كي تجعله رئيساً.
4 ــــ رغم انتباهه الى ما يسمعه من السياسيين الذين يجتمع بهم، وكذلك المواقف المعلنة، حيال تمسّك حزب الله بترشيح عون وحده للرئاسة، يلفته الموقف المتباين لرئيس البرلمان نبيه بري، المختلف في الظاهر عن موقف حليفه الرئيسي حزب الله، والمناوىء لانتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح. بحسب ما لمسه السفير فإن موقف الفريق الشيعي متماسك وصارم، الا ان الاختلاف بين الحليفين الشيعيين من عون يثير اكثر من علامة استفهام. يسأل: ايهما قبل الآخر ينتظر اشارة التحرّك، حزب الله من الحريري باعلان تأييده ترشيح عون، ام الحريري من بري وحزب الله للذهاب الى انتخاب عون؟
5 ــــ يتساءل ايضاً في ضوء ما سمعه في بضع مقابلات اجراها بسياسيين: هل يؤدي اخفاق الحريري في مشاوراته الى تجاوز ترشيح عون كي يقول في نهاية المطاف انه اخفق في تسويق مرشحي قوى 8 آذار، عون والنائب سليمان فرنجيه، ويدعو من ثمّ الى الاتفاق على مرشح ثالث؟ يضيف: في كل تحركه لم يربطه الحريري بوصوله هو الى رئاسة الحكومة، وتصرّف على الدوام على انه يسعى الى ملء الشغور الرئاسي. الا ان فشله في انجاح انتخاب عون، بعد فشله في انجاح انتخاب فرنجيه، هل يبقيه هو الآخر مرشحاً لرئاسة حكومة العهد الجديد
مع مرشح ثالث؟ يسأل كذلك: هل يصح القول ان في امكان الحريري ان يكون رئيساً للحكومة مع اي رئيس آخر سواهما، او مع رئيس لا ينتمي الى قوى 8 آذار؟
في ضوء ما يسمعه، فإن المعادلات المطلوبة لاجراء الاستحقاق الرئاسي معقدة وشائكة، ويصعب احياناً تفسيرها وتبريرها: من دون عون رئيساً لا وصول للحريري الى السرايا. كي يصل اليها الحريري، عليه اجتياز الخطوة الرئيسية الاولى وهي تسهيل انتخاب عون. يسهل اختياره رئيساً للحكومة اذا تمكّن من امرار أي من عون وفرنجيه. اما اذا كان المطلوب ان لا يصل الحريري الى السرايا، وثمة مَن يعترض عليه، فذلك يعني ان اياً من عون وفرنجيه لن يصل الى قصر بعبدا. سرعان ما يؤيد السفير وجهة النظر القائلة: اي فائدة يجنيها الحريري من تسويق مرشح ثالث لا يصل معه الى رئاسة الحكومة، اذ صحّ انه هدفه المضمر من المشاورات الاخيرة.
من مجموع تساؤلاته هذه، يستلخص سفير العاصمة الاوروبية الكبرى بضعة انطباعات:
اولها، مراقبته الدينامية المتسارعة للمشاورات التي اجراها الحريري ما اتاح ــــ خلافاً لتلك التي رافقت ترشيحه فرنجيه قبل سنة ـــــ توقع انتخاب عون الذي راح ترشيحه يقفز بقوة محطة بعد اخرى، سواء في لقاءات الحريري مع حلفائه او في مواقف عون حينما خاطب الطائفة السنّية. في الايام القليلة الاخيرة تباطأت هذه الدينامية، وأوحت بأن الانتخاب ليس وشيكاً بالقدر المتوقع. وقد لا يكون قريباً حتى.
ثانيها، ان انتخاب عون لا يقتصر على دعم حزب الله له، ولا يكتفي بتأييد الحريري لانتخابه، بل ثمّة افرقاء آخرون مؤثرون في الداخل والخارج. بذلك لم يعد الاستحقاق يتوقف على وجود مرشح قوي، ولا على وجود مؤيد قوي له. يقول ايضاً: عندما يحظى مرشح بتأييد زعيمي السنّة والشيعة وبدعم مسيحي، لا سبب يبرّر عدم انتخابه ما لم يكن ثمة اطراف آخرون اقوى من هؤلاء.
ثالثها، لا تفسير بعد لعدم اعلان الحريري ترشيحه عون، رغم الكلام الرائج عن ان مشاوراته ترمي الى الوصول الى هذا الهدف. يسأل السفير: عندما يتردد الحريري في قول كلمته في عز اندفاع مشاوراته واتصالاته، هل يملك ان يقولها لاحقاً؟ قبل سنة أيّد انتخاب فرنجيه ثم اجرى المشاورات، الآن عَكَسَ المعادلة باجراءات مشاورات لم تقترن حتى اللحظة، منذ عودته الى بيروت اواخر الشهر الماضي، بقوله الكلمة المفتاح.