كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:
منذ أن عاد الرئيس سعد الحريري إلى بيروت، يتمّ تصويره وكأنّه صاحب الكلمة الفصل في الملف الرئاسي، أي أنه «السوبرمان» الذي إذا أعلن دعم ترشيح العماد ميشال عون فسيتكفّل بإيصاله إلى بعبدا. فهل صحيح أنّ الرجل «سوبرمان» رئاسي أم إنّ هناك مَن له مصلحة في هذا الدور الحريري وفي تصوير قوة هذا الرجل مضخّمة لغاية معيّنة؟يحتار القريبون من الحريري بماذا يجيبون عندما يسألهم البعض: متى سيعلن تبنّيه ترشيح عون. ويفضّلون طرح السؤال بصيغة أخرى: متى سيبلور الحريري موقفه في الملف الرئاسي؟
بالنسبة إلى هؤلاء، لم يتخذ الحريري حتى اليوم قراراً مؤكداً بدعم ترشيح عون، وعلى الأرجح هو لن يفعل ذلك في المسافة الفاصلة عن موعد 31 تشرين الأول.
وعندما يُطرَح السؤال على هؤلاء: أليس الأفضل استعجال الأمور وإنهاء الفراغ الرئاسي بتسمية عون؟ يجيبون: المسألة ليست بهذه البساطة. هل تعتقدون أنّ تسميتنا لعون ستتكفّل بإيصاله إلى بعبدا؟ لسنا نحن وحدنا الذين نقرّر في الملف الرئاسي.
ماذا عن الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط والكتائب، بل ماذا عن موقف «حزب الله» الصامت تماماً وكأنه غير معنيّ بالاستحقاق الرئاسي؟ هل هو فعلاً يدعم عون؟
هذا الكلام الصادر عن أركان تيار «المستقبل» له مغزاه. ففي «بيت الوسط» شعور بأنّ الرهان المعقود على كلمة يقولها الحريري في الملف الرئاسي، تأتي بعون إلى موقع الرئاسة، مضخّم فعلاً.
يخشى بعض المراقبين أن يكون السيناريو هو الآتي: الحريري محرَج أمام جماهيره وكتلته وبعض حلفائه في إعلان دعمه لعون. كما أنّ حساباته مع بري وجنبلاط لا تلتقي مع هذا الدعم.
فإذا كان بري يقول إنه لن ينتخب عون ولو صوّت كلّ أعضاء كتلته إلى جانبه، فهذا يعني أنّ الحريري لن يتحدّى بري بتسمية عون لأنّ هناك توازنات سنّية- شيعية داخلية، وتفاهمات بالحدّ الأدنى بين المحورَين الإقليميَين المتصارعَين تمنع أن يذهب السنّي إلى حدّ استفزاز الشيعي في لبنان، أو العكس.
لذلك، قد يتريّث الحريري كثيراً ولا يعلن دعمه لعون. وعندئذٍ، يتمّ تحميله كلّ المسؤولية عن استمرار الفراغ الرئاسي وردّات الفعل الغاضبة التي ستصدر عن عون، بدل أن يتحمّلها آخرون، ولو أنّ دور الحريري في هذا الملف يبقى أصغر من أدوار الآخرين، ولاسيما «حزب الله» الذي يُمسك بمعظم الأوراق وهو قادر على تأمين انتخاب عون عندما يقرّر ذلك.
يقول المتابعون: لا يجوز إنكار أنّ الحريري يتمتع بنقاط قوة تساعده على أن يكون له رأي في الملف الرئاسي، ولكنه، في المقابل، يعاني نقاط ضعف عديدة.
من نقاط قوة الحريري أنّ خصومه السياسيين اكتشفوا أنّ إنهاء الحريرية السياسية وشرذمة قواعدها السنّية لم تحقّق لهم المكاسب، لأنّ البدائل من الحريرية متطرّفون إجمالاً. ولذلك، يريد هؤلاء أن يعود الحريري إلى موقعه السياسي، ولكن تحت السقف الذي يريدونه.
ومن نقاط القوة أنّ الحريري ما زال يصلح لأن يكون غطاءً عربياً ودولياً لدولة يديرها «حزب الله»، وأنّ الحريري ليس يتيماً إقليمياً، على رغم كلّ ما يُقال عن المصاعب التي يعانيها لدى حلفائه.
لكنّ هذه النقاط لا تمنح الحريري قدرة على أن تكون له الكلمة الحسم في الملف الرئاسي. فلبنان، بكلّ مؤسساته، واقع تحت النفوذ الإيراني فيما تراجعت مساهمة المملكة العربية السعودية في المعادلة اللبنانية.
ويبدو فريق «14 آذار» مشرذَماً وموزَّعاً بين مرشحَين للرئاسة ينتميان إلى «8 آذار». ويعتقد البعض أنّ هناك مَن يتفرج هادئاً على فشل الحراك الذي يقوم به الحريري، الراغب في الإفادة من رصيد معيَّن ينجزه في الملف الرئاسي ويجيِّره للعودة إلى الواجهة السياسية.
ويبدو واضحاً أنّ هناك مَن يرغب في تغطيس الحريري في معمعة الترشيحات الرئاسية والأسماء، بحيث يتحمّل المسؤولية عن الفشل المنتظر. والواضح أنّ «حزب الله» يبحث عن «جسم لبّيس» لهذه الغاية، ولا بأس بالحريري.
ولكن، ألا يدرك الحريري سلبيات هذا الدور، ومخاطر سقوطه في الفخّ المنصوب؟
الأرجح أنه يدرك ذلك، وهو يحاذر الوقوع في الفخ. لكنّ الإيجابيات التي يجنيها من خلال هذا الدور تفوق السلبيات. فهو من خلاله عاد إلى بيروت على حصان أبيض، جاعلاً من نفسه محورَ الحركة السياسية. فالحياة السياسية كانت خامدة قبل عودة الحريري. وبعودته تبيّن أنه ما زال الأقرب إلى السراي، وأنه يفوق بقوته كلّ منافسيه والمرشحين المحتمَلين لرئاسة الحكومة.
كما استطاع الحريري بهذه العودة أن يرسم لنفسه دائرة تحرّك في الأطر العربية والإقليمية والدولية، بهدف تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية. وهذا ما يمنحه رصيداً في المحافل الدولية، ولاسيما في أوروبا والفاتيكان. وفوق ذلك، سيتمكن الحريري بعودته وديناميّته الداخلية أن يلمّ شمل الأنصار والقواعد السنّية حوله.
وفي صريح العبارة، إنّ الحريري يدرك أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور، وهو يتقاطع مع الأقطاب الرافضين تبنّي عون في موقفهم. ويكفيه أن يقطف الثمارَ السياسية من حراكه الجاري حالياً، وبعد ذلك سيكون ثانوياً أن تتمّ الانتخابات الرئاسية وينتصر عون أو يبقى الملف غارقاً في المراوحة.
ولذلك، اعتقد كثيرون أنّ الحريري لم يأتِ اساساً إلى بيروت بهدف تأمين انتخاب رئيس للجمهورية. فالقرار في هذا الشأن ليس في يده وأيدي حلفائه في «14 آذار» بل في أيدٍ أخرى. وكلّ ما أراد الحريري أن يفعله هو أن يقوم بعملية تهدئة للعماد عون في شهر التصعيد الذي اختاره، لمصلحة الحلف الرباعي، وقد نفّذها بنجاح.
ولكن، عندما سيكتشف عون أنه انتظر الحريري مرة جديدة ليقول نعم، ولكن عبثاً، سيحوّل غضبه المكبوت في اتجاهه وليس في اتجاه الأقوياء من حلفائه الذين سيرتاحون مرة أخرى من الإحراج.
فهل لهذه الأسباب يصمت هؤلاء الحلفاء ويرتاحون إلى مهمة الحريري وخواتيمها المنتظرة؟