كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: كرّستْ إطلالتا الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله وضْع “القفل والمفتاح” في ملف الانتخابات الرئاسية في يد شريكه في الثنائية الشيعية رئيس البرلمان نبيه بري، مع رمي “الكرة”، التي كانت انتقلت إليهما منذ ان أطلق الرئيس سعد الحريري تحركه على قاعدة إمكان السير بالعماد ميشال عون رئيساً، في ملعب الأخير (عون) الذي بات يتعيّن عليه لتسجيل “الهدف الذهبي” المتمثل في دخوله قصر بعبدا، ان يطلق مساراً يتيح له كسْب التأييد “المشروط” من بري، وفي الوقت نفسه عدم التسبب بخسارة دعم الحريري الذي ما زال “بالأحرف الأولى”.
وبدت الأزمة الرئاسية اللبنانية أمام مرحلة جديدة بعد الخطابيْن اللذين ألقاهما نصر الله في ختام مسيرة العاشر من محرم امس وقبلها ليل اول من امس واللذين أطلّ فيهما مباشرة على جمهوره في الضاحية الجنوبية لبيروت، لاسيما وان الأمين العام لـ “حزب الله” رسم للمرة الأولى منذ بدء الحريري استكشاف المسار الجديد رئاسياً على قاعدة إمكان السير بمرشح الحزب العماد عون رئيساً، خريطة الطريق الداخلية التي يراها مدخلاً لقفل الملف الرئاسي، وذلك في موازاة رفْعه سقف الحملة على المملكة العربية السعودية الى حدود غير مسبوقة على وقع الهتافات المعادية لها من مؤيّديه.
واذا كان الهجوم الصاعق على السعودية، والذي ردّ عليه زعيم تيار “المستقبل” الحريري قبيل توجّهه الى الرياض (ليل اول من امس)، عكس في بُعده الخارجي حجم “الألغام” التي يسير فيها الملف الرئاسي في غمرة اشتداد الاشتباك الاقليمي في المنطقة ولاسيما حول سورية واليمن، فإن الجانب الداخلي من كلام نصر الله لم يؤشّر الى مسارٍ خالٍ من “الأفخاخ” في الطريق الى قصر بعبدا، وهي الأفخاخ التي بدت أكثر برسم زعيم “التيار الوطني الحر” (عون) رغم إشاعة قريبين منه مناخ ارتياح الى كلام نصرالله انطلاقاً من حسْمه دعم “الجنرال” رئاسياً.
ذلك ان نصر الله وضع حسب دوائر مطلعة في بيروت أمام عون مجموعة من العقبات لتفكيكها، بدت على طريقة “الماتريوشكا” الروسية، بحيث ان كل واحدة منها قد تستولد أخرى. فإلى جانب دعوته الى إنهاء مقاطعة الفريق العوني للحكومة وتفعيل عملها ووجوب المشاركة في جلسات التشريع للبرلمان بمعزل عن منطق إدراج قانون الانتخاب او عدمه على جدول الاعمال، فإن نصرالله كرّس ان الممر الإلزامي في الملف الرئاسي يبقى إنجاز تفاهُم مع بري على غرار ما قال انه حصل بين عون والحريري، مع إضافة ان التفاهم يجب ان يشمل زعيم “المردة” النائب سليمان فرنجية (المتمسك بترشحه للرئاسة حتى النهاية) و”بقية الحلفاء”.
ورغم تعاطي نصر الله مع حركة الحريري على انها في سياق “مسارٍ سياسي ايجابي في البلد”، فإن الدوائر المطلعة ترى ان تمسُّكه بمنطق “السلّة” التي ينادي بها بري باعتبار انها “مرشّحه الاساسي” للرئاسة والتي رسمت الكنيسة المارونية “خط اعتراض” بالصوت العالي عليها، يجعل الأمتار الأخيرة من السباق الذي يخوضه عون الى “القصر” مليئة بالحواجز، لاسيما وان بنود التفاهم الذي يدعو اليه رئس البرلمان يشمل الرئاسة الاولى والحكومة الجديدة رئيساً وتوازنات وبياناً وزارياً وتعيينات في مراكز حساسة وضوابط لإدارة السلطة وعناوين أخرى.
وفيما لفتت هذه الدوائر دعوة نصر الله للحريري الى إعلان تبني ترشيح عون ثم اعتباره ان هذا الاعلان “لن يقدّم او يؤخّر” بمعزل عن التفاهمات المطلوبة، فإنها أشارت الى أن أيّ انفتاح لزعيم “التيار الحر” على تفاهمات مع بري محفوفٌ بمخاوف من ان تؤدي اي تنازلات في هذا السياق، والتي لن تكون إلا في الإطار الاستراتيجي الذي يخدم محور “8 آذار”، الى ابتعاد الحريري عن السير بخيار عون. حتى ان الدوائر نفسها تتساءل اذا كان كلام نصر الله سيساعد زعيم “المستقبل” على التعجيل في حسم إمكان دعم ترشيح عون او على العكس يعزّز رأي الداعين الى مزيد من التريث، علماً ان معلومات تشير الى ان “الجنرال” ينتظر لبدء المحادثات الجدية مع رئيس البرلمان، الذي يتصدّر حتى الساعة جبهة الممانعة لوصوله الى الرئاسة، ان يخرج الحريري بموقف علني بتأييده.
وفي أيّ حال، ترى الدوائر نفسها ان الزيارة التي بدأها الحريري للسعودية وربما تعقبها محطة في باريس، ستكون محورية في استكمال الصورة التي بدأ بتكوينها من موسكو عن آفاق المسار الجديد الذي أطلقه، وسط انطباعٍ بأن عون بات أمام مرحلة صعبة في ظلّ تطويقه بسلّة شروط من “8 آذار” وصولاً الى تبرير نصر الله ملابسات عدم ضغط “حزب الله” على فرنجية للانسحاب.
ولاحظت هذ الدوائر ان بري في “ثنائيته الرئاسية” مع فرنجية يرفع منسوب الضغط على عون الى الحدود القصوى، وهو ما تبلور بوضوحٍ اول من امس، خلال استقباله زعيم “المردة” الذي اعلن انه “باقٍ وبريّ معاً في السراء والضراء” مؤكداً انه مستمر بترشحه للرئاسة الأولى “ولو بقي نائب واحد معي”، داعياً عون الى صيغة انتخابات بمرشحيْن اي “النزول الى مجلس النواب في جلسة 31 الجاري، وليكن تصويتا وليربح مَن يربح”، وذلك في ملاقاةٍ لهمْسٍ من رئيس البرلمان بأنّ اي رئيس خارج السلّة يستدعي انتخابات حسب الدستور “وليتوجّه الجميع الى البرلمان”.
وفيما يستعدّ بري للسفر الاسبوع المقبل الى جنيف للمشاركة في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي وهو ما اعتُبر مؤشراً الى صعوبة إنجاز تفاهمات كافية لانتخاب رئيسٍ في جلسة 31 الجاري، ترى الدوائر المطلعة ان “التيار الحر” الذي يستعدّ لـ “تمرين في الشارع” الاحد المقبل على طريق القصر الجمهوري، يقف بين مطرقة عدم القدرة على “حرق المراكب” مع اي طرف ولاسيما بري بعدما اعتبره “حزب الله” ممراً إجبارياً للرئاسة، وسندان عدم امكان المجازفة باندفاعة غير محسوبة لقلب الطاولة في الشارع فيما لم يتم نعي حظوظه، وسط اقتناع أوساط سياسية بأن أوان الافراج عن رئاسية لبنان لم يحن بعد ولن تدقّ ساعته أقلّه قبل انكشاف هوية الرئيس الأميركي المقبل وسياساته الجديدة حيال المنطقة مستشهدة بـ “زلة لسان” نصر الله في خطابه اول من امس وإشارته الى “الانتخابات الأميركية” بدل اللبنانية.