كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: كأنها “حربٌ نفسية” انطلقتْ في بيروت قبل نحو أسبوعيْن من موعد الجلسة 46 لانتخاب رئيسٍ للجمهورية في 31 الجاري والتي تشي تطورات الساعات الأخيرة بأنها ستزخر بشتى أنواع المناورات و”الأفخاخ” و”القنابل الدخانية” الرامية إما إلى الإمعان في استرهان الاستحقاق الرئاسي لمقتضيات التعقيدات الهائلة المسجدة على “خريطة النار” في المنطقة، وإما عدم الإفراج عنه إلا وفق “دفتر الشروط” الذي يضمن لفريق 8 آذار الذي يشكل “حزب الله” رافعته الأساسية جعْل “رئاسية لبنان” مدخلاً لتكريس “الإمرة الاستراتيجية” في يده وضبْط اللعبة السياسية وفق قواعد تثبّت كل المكتسبات التي راكَمها منذ العام 2005 خصوصاً على صعدي كسْر التوازنات الداخلية بما هي انعكاس لموازين القوى الخارجية.
وفي “جرْدة” على “البازل الرئاسي” في الساعات الماضية يمكن استخلاص الآتي:
* فريق زعيم “التيار الوطني الحرّ” العماد ميشال عون يضخّ مناخاً عن ان محطة 31 الجاري “مشبّعة” بالمعطيات الكفيلة بأن تجعلها الأخيرة لـ “قطار الشغور” الذي كان انطلق في 25 ايار 2014، مستكملاً توجيه الرسائل الايجابية لتيار “المستقبل” ورئيسه سعد الحريري، وجازماً بأن الأخير حسم خيار دعم عون للرئاسة ولكنه لم يحسم بعد توقيت إعلان ذلك بانتظار إنضاج الأمر داخل تياره واستكمال مشاوراته الاقليمية والدولية.
* “الممانعون” لوصول عون الى الرئاسة منقسمين بين “متأكدين” من ان جلسة 31 الجاري لن تكون “آخر العنقود” لأن “سلّة الشروط” ما زالت “تكمن” عند مفترق القصر كـ “ممرٍّ إلزامي” رسمه الرئيس نبيه بري بالخطّ العريض وكرّسه الامين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله “خطاً أحمر” من خلال دعوة عون الى وجوب التفاهم مع بري و”بقية الحلفاء”، وبين مَن يمارسون “لعبة الأعصاب” مع زعيم “التيار الحر” سواء من خلال طرْح معادلة “جلسة رئاسية مفتوحة” أي بمرشحيْن، عون والنائب سليمان فرنجية وفق ما لمح الأخير بعد زيارته “رفيق السراء والضراء” بري قبل ايام وتثبيته استمرار ترشيحه “ولو بقيتُ لوحدي”، او عبر الرسالة “المشفّرة” التي وجّهها فرنجية فجر امس عبر صفحته على “تويتر” اذ نشر فيديو لسيارة برتقالية يتم التحكم بها بـ “الريموت كونترول” وتَظهر “تتخبط” من جدار الى آخر.
وفُسر الفيديو على انه ينطوي على إشارات رئاسية برسم “التيار الحر” (شعاره باللون البرتقالي) بعد ساعات قليلة من إطلالة تلفزيونية لرئيس التيار الوزير جبران باسيل، مؤكداً أنّ لبنان “لا يركب” من دون التفاهم مع “تيار المستقبل” من منطلق كونه “الممثل الأكبر والأقوى للطائفة السنية في البلد”، مشدداً في هذا السياق على أنّ “لبنان لا يعيش بلا الطائفة السنية” التي أكد أنها “وجه الاعتدال في كل العالم وأحلى صورة للإسلام في العالم”، ومعلناً رداً على سؤال عن موقف “التيار” من “حزب الله” بحال شروعه بتعطيل انتخاب عون رئيساً “عندها يكون الحزب قد خرج من التفاهم معنا.. وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان”، ومعتبراً ان منطق “الثلث المعطّل” في الحكومة لم يعد قائماً في ظل تبدل التحالفات، ومكرراً الاستعداد للقيام بتفاهمات داخلية على أن “لا تكون السلة شرطاً لانتخاب الرئيس”. ويُذكر ان باسيل “غرّد” امس في ما بدا رداَ ضمنياً على فرنجية: “اللهم اني متابع، اللهم اني مثابر، (…) وسأستمر انا وشعبي وقضيتي…وسنصل.”
* دخول نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان على خط الدفاع عن السلّة التي يتمسك بها بري والتي كانت الكنيسة المارونية رفعت الصوت بوجهها باعتبار انها تقيّد الرئيس بشروط، من خلال اعلانه في خطبة الجمعة ان “اللبنانيين مطالَبون بأن يعمّقوا تشاورهم لانجاز الاستحقاق الرئاسي واقرار قانون انتخابات يقوم على النسبية وعليهم ان يتفقوا على عناوين المرحلة المقبلة بما يجنبنا أزمات جديدة نحن بغنى عنها”.
* إطلاق النائب وليد جنبلاط الذي تردّد انه بات يميل الى السير بعون بحال دعمه الحريري، مواقف بارزة عبر “تويتر” تعاطى معها “التيار الحر” على انها تعكس استشعاره بأن وصول “الجنرال” الى قصر بعبدا نضج وانه يريد تسهيل إنجاز الاستحقاق، وذلك بعيد تقارير في صحيفة قريبة من “حزب الله” أشارت الى ان جنبلاط يتولى “التخريب” على خيار عون لدى المملكة العربية السعودية وانه “وجد آذاناً صاغية”.
* استكمال الرئيس سعد الحريري جولته الخارجية الهادفة الى استكشاف الآفاق الاقليمية والدولية لإمكان فك ارتباط الأزمة اللبنانية عن الملفات المشتعلة في المنطقة ولسيره المحتمل بالعماد عون، من خلال الزيارة التي قام بها لباريس بعد الرياض، حيث اجتمع بوزير الخارجية الفرنسي جان – مارك ايرولت وجرى عرض “مخاطر استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية والجهود التي يبذلها لوضع حد له، كما طلب تحركاً فرنسياً عاجلاً لدى الدول الصديقة للبنان لمساعدته على مواجهة أعباء النزوح السوري (…)”.
وترافقت الزيارة لباريس مع مناخٍ أشاعه “التيار الحر” عن ان الحريري عاد من زيارته للرياض ولقائه مسؤولين كبار فيها بأجواء إيجابية في ما خص خيار عون، وهو ما تقاطَع مع كلام نُقل عن الحريري قوله أمام ايرولت من انه يحاول تحريك كل ما في وسعه لفك التعطيل ولكنه لم يتّخذ قراراً بعد، وان المملكة العربية السعودية ستدعمه في الموقف الذي يتخذه.
ومعلوم ان عون ينتظر إعلان الحريري دعمه ليباشر شخصياً تحركاتٍ باتجاه بري خصوصاً في محاولة للوصول الى تفاهم معه، وسط توقعات تسود “التيار الحر” بأن هذا الإعلان لن يتأخر كثيراً، وهو ما يفسّر الهدوء الذي سيطبع كلمة “الجنرال” في الاعتصام الذي ينفذه أنصاره على طريق قصر بعبدا غداً في ذكرى عملية 13 تشرين الاول 1990 حيث “ستكون الكلمة أقرب ما يكون الى مشروع عهد” كما اعلنت قناة “او تي في”. ورغم ترقُّب الخطوة التالية للحريري، فإن اللافت كان الردّ العنيف من كتلته البرلمانية على الحملة الشعواء التي شنّها نصر الله على السعودية في ذكرى عاشوراء واصفةً اياها بـ “الهجوم الجائر والفاجر على المملكة العربية السعودية والمسؤولين فيها”، معتبراً ان هذا “يقدم مثالاً صارخاً جديداً على ولاء حزب الله لايران ومصالحها ودليلاً دامغاً على التخريب المتعمد الذي يقوم به الامين العام للحزب ضد مصلحة لبنان”.