كتبت سكارليت حداد في صحيفة “السفير”:
بهدوء وتواضع، تتكلم سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان، مفضلة الابتعاد عن السجالات. وبهذه الطريقة تُشعر محاورها بأن عليه أن يضع جانباً الحذر قبل أي شيء، ثم تخبره بكل بساطة أنها خبيرة بالشؤون الأمنية والعسكرية وقضايا الشرق الأوسط، انطلاقاً من عملها كسفيرة لبلدها الدنمارك في سوريا قبل الثورة وأثناءها حتى عام 2012.
وانطلاقاً من خبرتها هذه، ترغب كريستينا لاسن، من خلال حديثها لـ «السفير»، توجيه رسالة طمأنة للبنانيين، مفادها أن أوروبا تريد الحفاظ على لبنان كبلد نموذجي في هذه المنطقة، وهي تعلم أنه في الخط الاول في مكافحة الإرهاب. كما أنها تؤكد أن ما من أحد في الخارج يريد الإملاء على لبنان في ما يتعلق بأي قرار يمس بسيادته، خصوصاً في موضوع النازحين السوريين.
تبدأ لاسن من جولتها الأخيرة على الأطراف اللبنانية التي شملت الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون، قائلة إن «هذه الجولة أصبحت ضرورية بعدما بدا أن ثمة تحركا في الملف الرئاسي». لكنها تؤكد أنه لا يوجد أجندة محددة لدى الاتحاد الأوروبي. وتعتبر أن الشغور الرئاسي الذي يدوم منذ سنتَيْن ونصف تقريباً هو وضع غير عادي تجب معالجته، والجميع معني بذلك.
وبشأن الاتصالات السياسية التي تدور حالياً، تقول سفيرة الاتحاد الاوروبي إن «الجو يبدو إيجابياً، لكن يجب انتظار الخواتيم»، محذرة أن «الوقت يداهم لبنان خصوصاً أن هناك استحقاقاً انتخابياً نيابياً في الربيع المقبل. وهي إذ تؤكد أنه يجب أن يكون لدى الجميع إرادة لإنجاز تسوية، إلا أنها تقول إنها «لا أستطيع أن أجزم أن هذه الإرادة متوفرة الآن، لكن على الأقل يمكنني القول إن منطق التفاوض حاضر الآن عند جميع الأطراف. وأنا لا أعرف ماذا يجري في الكواليس، خصوصاً أن الأصداء متناقضة».
«لسنا طرفاً»
تقول لاسن: «نحن لسنا طرفاً في الشؤون الداخلية اللبنانية، يمكننا المساعدة في تقريب وجهات النظر إذا طُلب منا ذلك، لكن القرار هو بيد اللبنانيين وهو قرار سيادي». كما لا تخفي أن «بعض الأفرقاء يريد أن يكون لدينا موقف، لكننا واضحون في تأكيدنا أن الخيار هو خيار اللبنانيين وليس لدينا أي شرط لاختيار الرئيس الجديد للبلاد».
لكن هل من الممكن أن يتم التوصل إلى اتفاق داخلي لبناني في ظل التوتر المتصاعد بين إيران والسعودية؟ لا تجيب لاسن مباشرةً على السؤال، لكنها ترى أنه يجب السعي إلى تخفيض نسبة التوتر بين الدولتين الجارتين، مشيرة إلى أنه «في ما يخص لبنان، يبدو أن جميع الأطراف الخارجية منشغلة بمواضيع أخرى».
دعم المجتمعات المضيفة أولوية
وفي ما يتعلق بملف النازحين السوريين، تعود لاسن إلى «مؤتمر لندن» الذي انعقد في شباط الماضي. وتؤكد أن هذا المؤتمر أرسى قاعدة جديدة بالتعامل مع هذا الملف، تقوم على مساعدة النازحين واللبنانيين معاً. لذلك، بدأ السعي لتنفيذ مشاريع إنمائية يستفيد منها اللبنانيون والسوريون مثل بناء المدارس والمشاريع البيئية ومشاريع البنى التحتية والمياه ومعالجة النفايات. ويشكل هذا التوجه تغييراً جذرياً في العمل الإنساني التقليدي، لكنه أصبح ضرورة لمساعدة لبنان الذي يعاني من العدد الكبير للنازحين على أرضه، كما أنه يعاني من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة. وتشير إلى أن لبنان حصل منذ العام 2012 على مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وحده (حوالي ملياري يورو من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء مجتمعين (لمساعدة النازحين ولإنشاء مشاريع يستفيد منها اللبنانيون وتبقى بعد عودة النازحين إلى بلدهم).
لا عودة بلا ضمانات
لكن ألا توجد نية لإبقاء هؤلاء النازحين في لبنان؟ تتفهم لاسن هذه الخشية عند اللبنانيين، لكنها تعتبر أن «هذا استنتاج خاطئ»، مشيرة إلى أنه «منذ البداية، ينظر الاتحاد الأوروبي إلى ملف النازحين بوصفه حالة موقتة واستثنائية وهو يتمنى عودتهم إلى بلادهم في أقرب وقت ممكن».
إذاً لماذا رُفض مشروع رئيس الحكومة تمام سلام بإعادة بعض النازحين إلى مناطق بعيدة عن الاقتتال في سوريا؟ تقول لاسن إنها قرأت جيداً طرح الرئيس تمام سلام وأخذه الجميع بجدية، «لكن للأسف الواقع السوري غير مستقر، ولا يمكن أن نتكلم عن مناطق آمنة، فالأمور تتغير بين حين وآخر». وتضيف: حتى إذا اعتبرنا أن هناك مناطق محايدة، فمن المسؤول عن أمنها ومن هو الطرف الذي سيعطي ضمانات لعودة النازحين. يجب أن يكون هذا الطرف ذا مصداقية وهذا غير متوفر حالياً. وتوضح ان الضمانات ضرورية، لذلك نحن نطالب بحل سياسي في سوريا يضمن عودة النازحين.
تعود لاسن لتؤكد أن الكل يفهم شعور اللبنانيين بالإحباط وأحياناً بالغضب ولا أحد يشكك بكرمهم، لكن من الطبيعي أن تحصل بعض الاحتقانات، لذلك نحرص على أن يكون توزيع المساعدات عادلاً بما يُشعر سكان البلدات والقرى بالارتياح، كما النازحين. كما تأمل أن تساعد المشاريع الإنمائية التي يقوم بها الاتحاد، أبناء البلد على قبول النازحين، مشيرة إلى «أننا نعمل كل ما في وسعنا لتذليل إمكانية الشعور بالغبن عند اللبنانيين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر».
هل كل هذا الاهتمام سببه رفض أوروبا أن يعود النازحون إلى أراضيهم؟ تقول لاسن إنها لا تنظر إلى الأمور من هذه الزاوية. بالنسبة إليها، لبنان بلد نموذجي في هذه المنطقة «ونحن نريد أن ينجح هذا النموذج لذلك يساعد الاتحاد الأوروبي الجيش اللبناني، كما يساهم في مجالات أخرى لتقوية لبنان ككل وبكل مؤسساته.
ماذا لو بقي عدد من النازحين في لبنان كما بينت التجارب المماثلة في العالم؟ لا تعتقد لاسن أن بقاء النازحين في البلدان المجاورة هي قاعدة ثابتة وتذكر أن حوالي أربعة ملايين أفغاني عادوا إلى بلادهم بعد الحرب. لكن برأيها، إذا أُجبر النازحون على العودة إلى بلادهم بدون ضمانات قوية، فسينزحون من جديد. وفي جميع الأحوال، تشدد على أن «ما من أحد في المجتمع الدولي يطالب لبنان بإعطاء هويات للنازحين، كما لا يطالبه باحتوائهم على المدى الطويل».
النازحون.. تحدٍ عالمي
لكن ماذا عن نصيحة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون باستيعاب النازحين في البلدان المجاورة؟ تشير لاسن إلى أن بان كي مون كان يتكلم في المؤتمر الدولي للنازحين واللاجئين وكان كلامه شاملاً ولم يتطرق إلى بلد ما بالتحديد. فموضوع النازحين يشكل تحدياً عالمياً أكبر من لبنان بكثير. لذلك، لم يكن لبنان هو المقصود بكلام بان كي مون.
هل ستفتح أوروبا أبوابها أمام عدد إضافي من النازحين السوريين المقيمين حالياً في لبنان؟ تقول لاسن إنه خلال عام 2015، «استوعبت البلدان الأوروبية مليوناً ونصف المليون من طالبي اللجوء من بلدان عدة، معلنة أنه «نحن ندرس إمكانية استيعاب عدد أكبر». وتوضح أنه «في جميع الأحوال، لا تستقبل الدول الأوروبية النازحين من لبنان فقط وهي تختار الأكثر ضعفاً بينهم. لذلك، إن استقبلت نازحين أم لا، فهذا لن يغير كثيراً في الموازين أو الأعداد في لبنان». وتوضح أن «مشكلة النازحين كبيرة جداً وتحاكي الضمير العالمي والقيم، فكيف يمكن تحقيق العدالة في معاملة النازحين؟ نحن نحاول لكن الطريق لا يزال طويلاً».
لا بد من السؤال عن «حزب الله» وجناحه العسكري. تقول السفيرة الأوروبية إن «لا شيء تغير في المواقف الأوروبية الرسمية منذ 2013، ولا يبدو أن هناك إمكانية لإعادة النظر في قرار وضع الجناح العسكري لحزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية». لكنها تذكّر أنها تلتقي بـمسؤولين سياسيين في «الحزب»، كما تلتقي جميع الاطراف السياسية في لبنان».