كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: اليوم يصبح زعيم “التيار الوطني الحرّ” العماد ميشال عون رسمياً مرشّح زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري لرئاسة الجمهورية، لتنطلق مرحلة جديدة في “السباق” الى قصر بعبدا محكومة بـ “لغم” رئيسي تشكّله حال الاعتراض “الشرس” لرئيس البرلمان نبيه بري على انتخاب “الجنرال” والتي ستكشف الأيام الطالعة اذا كانت تنذر بوجود “أفخاخٍ مخفية” ذات صلة بفيتوات اقليمية على جبهتيْ الملف الرئاسي ورئاسة الحكومة، ام ان هذه “الممانعة” ذات صلة بتحسين شروط التفاوض قبل الالتحاق بالتسوية وتحصينها بمكتسبات للمكوّن الشيعي لها علاقة بالبُعد الخارجي الذي يعبّر عنه “حزب الله” بالدرجة الأولى كما بعنصر الحصص والتوازنات في السلطة الذي يُعهد به الى بري.
اليوم، يعلن الرئيس الحريري من دارته (بيت الوسط) وبحضور أعضاء كتلته البرلمانية التخلي عن ترشيح النائب سليمان فرنجية الذي يصطدم منذ نحو عام بحائط مسدود، لمصلحة دعم العماد عون باعتباره المخرج الوحيد الممكن لـ “إنقاذ الجمهورية” من الفراغ الذي ينخر مؤسساتها وإخراج الدولة من الحلقة المفرغة من التعطيل.
اليوم يمضي زعيم “المستقبل” في “مغامرةٍ” عُرفت بدايتها ولكن نهايتها مفتوحة على أكثر من سيناريو، في ظلّ وجود دعم خارجي، دولي وعربي لمبادرته لإنهاء الشغور الرئاسي على قاعدة خيار عون وحكومةٍ برئاسته، ولكن وسط مخاوف من عدم الحصول على ضماناتٍ كافية بأن لا يُقفل تحركه على ايصال زعيم “التيار الحر” الى “القصر” و”قطع الحبل” به في منتصف الطريق بحيث يكون فريق “8 آذار” ربح الرئاسة وفاز في الوقت نفسه بإخراج زعيم “المستقبل” من السلطة ولو من باب منْعه من ان يُكلَّف بتشكيل حكومة العهد الجديدة كما تأليفها.
وفيما كانت الأنظار أمس على دارة الحريري الذي كان يضع اللمسات الأخيرة على خطاب ترشيح عون الذي كان يفترض ان يحصل امس ولكن تم إرجاؤه كي لا يصادف مع الذكرى الرابعة لاغتيال اللواء وسام الحسن، تزاحمت الأسئلة… “ماذا بعد”؟ هل ارتسمتْ من خلف خطوط “انتفاضة الرفض” من بري بوجه عون معادلة ان ثمن السير بالأخير من الحريري وانتخابه بمعزل عن التفاهم مع رئيس البرلمان ومن خارج “معبر السلّة” التي يشترطها سيكون “المعارضة” التي أعلنها بري للعهد الجديد والتي تعني عملياً عدم المشاركة في اي حكومة يشكّلها الحريري اي إجهاضها مسبقاً في ظل ما حُكي عن عدم مشاركة “حزب الله” في اي حكومة من دون بري؟ وهل موقف رئيس مجلس النواب الذي كان رفض استقبال زعيم “المستقبل” اول من امس يشي ضمناً بأن حتى تكليف الحريري صار على المحكّ وغير مضمون؟
اما السؤال الأبرز فبدا برسْم عون، الذي كان ينتظر تبنّي الحريري ترشيحه ليطلق محرّكات اتصالاته في اتجاه بري، ومفاده: هل يمكن لزعيم “التيار الحر” ان يصل الى قصر بعبدا على “قطار” تسوية ناقصة اي من دون المرور بـ “عين التينة” (حيث مقر بري) وبلوغ تَفاهُم معه على غرار ما فعل مع زعيم “المستقبل” ومن قبله مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع؟ وهل يمكن تَصوُّر انعقاد جلسة 31 الجاري الرئاسية ليفوز “الجنرال” من فوق “صراخ” بري الذي يلقى صداه لدى شريكه في الثنائية الشيعية “حزب الله” من بوابة الحرص على “وحدة البيت” وما تمثّله مطالب رئيس البرلمان من عناصر يعتبرها هذا الثنائي مرتكز ما ستعبّر عنه التسوية الرئاسية من “ترسيم نفوذ” بين القوى الداخلية؟
ورغم كل علامات الاستفهام هذه، سـ “يفعلها” الحريري وينتقل باللعبة الرئاسية الى مرحلة النهاية وكشف كل الأوراق، نائياً بنفسه عن اتهامات التعطيل وعن الوقوف بوجه الإرادة المسيحية الغالبة، متعالياً على مزاج غير محبّذ ومعترض داخل شارعه وبعض كتلته، ليواجه جولة أكثر حساسية قبل جلسة الانتخاب الرئاسية المقبلة على صلة بنقطتين بالغتيْ الأهمية: الأولى استُحضر معها مناخ الاستقطاب المذهبي والطائفي، وسط بعض التحركات في الشارع ليل اول من امس لمناصرين لحركة “أمل” (يتزعمها بري) عكست مخاوف من توترات قد تحصل على الأرض. والثانية تشي بإمكان جرّه تحت عنوان التفاهم الضروري الذي يُواجه به عون الى تقديم تنازلات اضافية تتصل بحكومته وخط عملها والتوازنات فيها وعناوين أخرى تتضمّنها “سلّة بري”، تضاف الى “التنازل الأكبر” الذي شكّله ترشيح عون، الذي كان في الأساس المرشح الرسمي لـ “حزب الله”، من دون إغفال كل مخاطر ان يفضي مسار ما بعد إعلان دعم زعيم “التيار الحر” الى الإطاحة بأي امكان لتوليه رئاسة الحكومة بحال قررت “8 آذار” بحجة عدم خسارة عون تمرير انتخابه ثم عرقلة كل مسار الحكومة تكليفاً وتشكيلاً.
وكان بارزاً انه عشية دعم الحريري ترشيح عون، كرّس بري موقفه الاعتراضي خلال الجلسة التشريعية التي عقدها البرلمان بحضور كل الكتل ولا سيما نواب “التيار الحر” في ما بدا رسالة حسن نية الى رئيس البرلمان حيال “شرعية مجلس النواب الممدَّد له”. ولكن رئيس البرلمان حاول سكب “مياه باردة” على المناخ الذي أعقب ما نُقل عنه وعن معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل عن الاستعداد “لمواجهة” الثنائية السنية – المارونية المستعادة وفق ما كان سائداً العام 1943.
فبعدما طلب النائب (عن “القوات اللبنانية”) جورج عدوان الكلام في مستهل الجلسة متوجهاً لبري بالقول “عرفناك رجل تهدئة وحوار وانفتاح، لكن تصريح الوزير علي حسن خليل (اول من امس) لا يشبه بري الذي نعرفه”، ردّ رئيس البرلمان بالقول: “موقفي يخضع للدستور والحوار وقلت انني لن أصوت للجنرال مع احترامي له وسأكون في المعارضة وهذا الكلام لا يمتّ الى الطائفيّة، ومَن يربح اهنئه،” واضاف: “لو كنت بصدد التعطيل فلدي أسلوب لذلك، ولكن كتلة التنمية والتحرير ستكون اول الحاضرين في جلسة 31 الجاري وسنصوّت وفقا لقناعاتنا”.
وفيما ذكرت معلومات ان بري بدأ بكتابة خطاب التهنئة لأي من المرشحين الذي سيفوز (عون او فرنجية المستمر بترشيحه)، كشفت مصادر سياسية ان “حزب الله” يبذل جهوداً لتأجيل جلسة 31 الجاري الى 17 تشرين الثاني لإفساح المجال امام بدء حوار بين بري وعون كان الحزب نصح الأخير ان يقوم به مراراً، ولتبريد الأجواء ولا سيما بعد ردّ تكتل عون اول من امس على الوزير خليل معتبراً ان “أي كلام عن الثنائية المسيحية – السنية غير مسؤول وغير مقبول، ويصب في فتنة نأمل بألا تكون مقصودة وسنتصدى لها”. علماً ان تقارير اكدت ان “حزب الله” أبلغ مَن يعنيهم الأمر انه ملتزم بوصول عون إلى بعبدا بحكم التحالف معه ووعوده له، اما في ما عدا ذلك فلا علاقة له بالأمر وغير ملتزم به.
اما على خط العلاقة بين بري والحريري فعُلم ان النائب وليد جنبلاط، العاتب بدوره على استبعاده عن مناخ التفاهم الرئاسي بين زعيميْ “المستقبل” و”التيار الحر”، يعمل على احتواء الموقف ولا سيما بعد ما كُشف عن مضمون الرسالة التي نقلها الوزير علي حسن خليل الى الحريري (بعد رفض بري استقباله) وفيها إعلان الفراق في ما خص مرحلة ما بعد انتخاب عون رئيساً، ونفض بري يده من أي اسهام في تشكيل حكومة يرأسها الحريري، وصولاً الى وصف ترشيح عون بأنه “طعنة في الظهر للرئيس برّي”.