Site icon IMLebanon

عون جاهز لمصارحة بري

كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:

ما لم يستجد عامل طارئ غير محسوب، من “خارج النص”، فإن الرئيس سعد الحريري سيعلن رسمياً بعد الظهر اليوم، من بيت الوسط، دعم ترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، عملا بالروزنامة الزمنية التي اتفق عليها مع الجنرال، علما أن هناك من لا يزال غير مصدق، حتى يسمع بأذنيه ويرى بعينيه..

وحتى جلسة “تشريع الضرورة” أمس اتخذت أبعاداً رئاسية عابرة للقوانين، تحت وطأة لحظة مشحونة بالرهانات والانتظارات والمواعيد والوعود..

ومع إيفاء الحريري بوعده لعون، يكون الجنرال قد أصبح بحسابات “الورقة والقلم” مستحوذاً على الرئاسة استناداً الى أكثرية نيابية كافية، بالمعنى العددي، لكنها تفتقر الى “فيتامين” النصاب السياسي المكتمل الذي سيبقى ناقصاً ومعتلاً من دون التفاهم مع الرئيس نبيه بري.

ولئن كان عون سيسعى الى “ترميم” هذا النصاب قبل موعد جلسة الانتخاب في 31 تشرين الأول، بات يميل – وفق مصادره – الى حضور الجلسة في كل الحالات، مطمئناً الى “كفالة” الحريري وباقي الحلفاء، ما يعني أنه لم يعد يشترط أن يسحب النائب سليمان فرنجية ترشيحه للنزول الى مجلس النواب.

وعليه، يرى الجنرال أن دعم الحريري له، معطوفاً على رصيده السابق من الأصوات، سيؤدي الى انتفاء أي مبرر لإرجاء موعد جلسة الانتخاب المقررة، وإذا كان لا بد من تعديل التوقيت يجب أن يكون في اتجاه تقريبها لا تأجيلها.

وبرغم أن “جدول الحساب” بات يمنحه الأرجحية، فإن عون الذي يدرك جيداً قواعد اللعبة الداخلية وتوازناتها، ليست لديه مصلحة في أن ينطلق عهده وهو يعاني في أيامه الأولى “فقر دم” سياسياً ونقصاً في المناعة، وبالتالي فإن المقربين منه يجزمون بأنه سيطلب، بعد إعلان الحريري قراره، موعداً سريعاً للقاء بري في زيارة مكاشفة ومصارحة، ستتجاوز الإطار البروتوكولي والشكلي الى الغوص في عمق العلاقة الملتبسة وإشكالياتها.

وبرغم التوتر الذي ساد عون وبري في الأيام الأخيرة، ترفض الرابية التسليم بفرضية أن رئيس المجلس سيكون حُكماً في صفوف المعارضة، وهي تراهن على إمكان استمالته مجدداً في ربع الساعة الأخير، منطلقة من المعادلة الآتية: “لا العهد الجديد يمكنه الإقلاع بسهولة من دون الشراكة مع بري، ولا بري يستطيع إيضاً الإقلاع من دون أن يكون متناغماً مع هذا العهد”.

يعتقد عون أنه ليس بمقدور بري أن يتخلى بهذه البساطة والسهولة عن حضوره المتأصل في السلطة، وما أفرزه من امتدادات ومصالح على مدى عقود. وهناك في محيط الجنرال من يرجح أن يكون الهدف الأساسي من السقف المرتفع لخطاب رئيس المجلس في هذه المرحلة هو تحسين شروط التفاوض اللاحق، لا نسفه.

وتبدو الرابية مستعدة للذهاب بعيداً في تفهم شكوى بري ومعالجتها، على قاعدة أن ما يجمعهما هو أكثر مما يفرقهما، “ومن يستطع التفاهم مع الحريري الآتي من بعيد فلن يستعصي عليه التفاهم مع بري الشريك في خيارات استراتيجية هي أهم من تفاصيل السلطة”.

وتبعاً لزوار الرابية، ليس لدى عون أي رغبة ظاهرة أو مضمرة في تهميش دور بري وموقعه الحيوي في تركيبة النظام، بل إن الجنرال مقتنع بأن حكم الأقوياء الذي ينادي به لا يمكن أن يستقيم أصلاً من دون رئيس المجلس “الذي سيسمع هذا الكلام بوضوح من عون عندما يلتقيه”، كما يؤكد المطلعون على أجواء الرابية.

ويستهجن المحيطون بالجنرال إيحاء البعض بأن بري بحاجة الى ضمانات أو تطمينات من عون، لافتين الانتباه الى أن رئيس المجلس هو في موقع من يمنحها للآخرين، لا من يطلبها، “وإذا كانت هناك ضرورة لترتيبات مسبقة بين عون والحريري لكونهما يأتيان من ضفتين متباعدتين، فإن بري كان مصنفاً حتى الأمس القريب في قاموس الجنرال بمثابة حليف وشريك برغم بعض التباينات الموضعية”.

بالنسبة الى عون، ليس منطقياً أن ينقلب على رئيس المجلس أو يعاديه وهو الذي يمثل جزءاً ميثاقياً من المكوّن الشيعي، ويربطه تحالف وجودي مع “حزب الله”، الى درجة أن الجنرال افترض في وقت ما أن بري والحزب هما واحد، ثم راح يتصرف على هذا الأساس، وهذا ما مثّل أحد أسباب تفاجئه باعتراض بري الشديد على انتخابه رئيساً للجمهورية، خلافاً لمقاربة الحزب الذي ينظر اليه مرشحاً طبيعياً وميثاقياً، كما يقول المتحمسون لعون.

وبناءً عليه، تعتقد الرابية أن شظايا موقف بري الحادّ ضد انتخاب الجنرال إنما تصيب بنحو أو بآخر “حزب الله” كذلك.

وينفي المحيطون بالجنرال وجود أي اتفاق خطي بين جبران باسيل ونادر الحريري، على قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وتوزع الحقائب الوزارية وبقاء الحريري في رئاسة الحكومة ست سنوات، مشيرين الى أن ما حصل هو أن الجنرال أبلغ الحريري أنه لن ينقلب عليه ما دامت أكثرية نيابية سمّته ومنحته ثقتها، عملاً بنظرية حكم الأقوياء التي يشكل بري أحد أضلاعها الثابتة.

ويكشف هؤلاء عن أن من بين نقاط التلاقي بين عون والحريري أيضاً توافقهما على ضرورة ألا يسيطر أي فريق على مجلس الوزراء، “أما الإقامة المستدامة للحريري في رئاسة الحكومة فلا يقررها عون، بل هي ترتبط بالمشاورات الإلزامية وما تفضي اليه”.

وفي ما خص حاكمية مصرف لبنان، يوضح المطلعون على مفاوضات الكواليس أن الحريري طرح على سبيل المثال أن يتولى الوزير السابق جهاد أزعور هذا المركز، فيما لعون رأي آخر..

وتجزم أوساط عون أن الرجل لا يضمر أي شر أو سوء نية حيال بري، وهو يعرف جيداً ان موقع رئيس المجلس ودوره ليسا قابلين للنقاش انطلاقاً من حيثيته وتحالفاته، وبالتالي لا استهداف له، وأي التباس قائم سيكون اللقاء المرتقب بينهما كفيلاً بمعالجته، إذا صدقت النيات.

مقاربة بري

على المقلب الآخر من المعادلة، قالها بري بوضوح وصراحة أمام النواب أمس: “أنا سأحضر جلسة الانتخاب، وقد بدأت بإعداد خطاب تهنئة الفائز من بين المرشحين، لكن لن أصوّت للجنرال مع محبتي وتقديري له..”.

لم “يهضم” بري بعد محاولة عون والحريري اختزال استحقاق من وزن رئاسة الجمهورية بهما، وكأن المطلوب من الآخرين أن يبصموا فقط على ما يتفقان عليه، خلافاً لقواعد إنتاج السلطة التوافقية في لبنان. حتى في الشكل، بدا مستغرباً لعين التينة أن يتولى الحريري من بيت الوسط إبلاغ زواره بما قرره، على طريقة إصدار الفرمانات وتعميمها.

يعتقد بري أن الحريري أخطأ مرة أخرى في طريقة التسويق لاسم عون، كما فعل من قبل مع ترشيح فرنجية. وتُشبّه أوساط بري سلوك رئيس “المستقبل” بمن يقود سيارة في عكس السير، بحجة اختصار الطريق، فتكون النتيجة حوادث اصطدام ودهساً..

وما عزز هواجس بري، أن “التيار الوطني الحر” جمّد مشاركته في هيئة الحوار الوطني، حيث كان يمكن التوصل الى تفاهمات شاملة بمشاركة 16 قطباً يمثلون المكوّنات الأساسية، ليخوض حواراً ضيقاً مع الحريري أفضى الى اتفاق ثنائي، من شأنه أن يرفع منسوب الارتياب المشروع، تبعاً لقناعة عين التينة.

لا يقبل بري أن يقتصر دوره في زمن “الطائف” على تبلغ اسم رئيس الجمهورية المقبل، بدل ان يكون الشريك – الند في صناعته عملاً بمقتضى التوازنات الداخلية، وهو أراد عبر هجومه المضاد أن يُحدث نوعاً من “الصدمة”، للجم اندفاعة التفاهم الثنائي بين عون ـ الحريري، على حساب الأدوار الأخرى.

كما أن بري حاول أن يلمّ شتات المعارضين لخيار انتخاب الجنرال وأن يشد عصبهم ويحمي ظهرهم، من دون أن يعفي “حزب الله” كذلك من رسائله، وكأن رئيس المجلس يقول للحزب ليس بالتحالف وحده مع عون يحيا الإنسان..

وتؤكد أوساط بري أنه لا يمزح أو يناور في شأن انتقاله الى المعارضة، مع ما يعنيه ذلك من امتناع عن انتخاب عون رئيساً للجمهورية وتسمية الحريري رئيساً للحكومة.