منذ أن تمّ الاعلان عن اكتشاف حقل كبير للنفط والغاز في المياه الاقليمية اللبنانية حتى بدأنا نسمع عن الامكانات الكثيرة التي يمكن للبنان أن ينالها ويحققها جراء استخراج الغاز الطبيعي الذي تمّ اكتشافه، ممّا سيفتح فرص عمل كثيرة أمام الشباب اللبناني ويحدّ من هجرته الى الخارج فضلا عن النهوض بالاقتصاد اللبناني عبر الاكتفاء الذاتي للطاقة بالإضافة الى التصدير للخارج والاستفادة من الاموال الطائلة التي يدرّها علينا هذا القطاع ما سيساهم في سدّ الديون والانتقال نحو جمهورية ذات اقتصاد متعاف.
ولكن غرق الملف في التجاذبات السياسية والحديث عن اتفاقات ثنائية وثلاثية ودوامة الفساد والإفساد التي تغرق البلد من دون خطط شفافة وواضحة لهذا الملف الحيوي أعاد تحويل ملف استخراج النفط والغاز الى حلم ما زال بعيد المنال خصوصًا وأنّ ذلك سيتطلّب اتفاقات كثيرة مع شركات متخصّصة في استخراج النفط والغاز بالإضافة الى السنوات التي يتطلبها التنقيب!
ومعلوم كذلك أنّ اسرائيل بدأت تسابقنا على استخراج النفط وقرّرت بناء خط انبوب غاز مع تركيا من اجل تصدير انتاجها الى تركيا وصولا الى الدول الاوروبية، ما سيشكل ضربة الى التصدير اللبناني في المستقبل حسب بعض المحللين ويطرح الأسئلة عن خروج لبنان من المعادلة النفطية نهائياً!
الإنقسام السياسي هو العائق
الخبير الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة يؤكّد في حديث لـIMlebanon أنّ “الملف النفطي والغازي هو أحد الملفات التي تغيب عن القرارات الحكومية بحكم الخلاف السياسي. والأصعب في الأمر أنّ هذا التأخير يُعطي الدول المحيطة الأفضلية في تصدير النفط وخصوصًا اسرائيل”.
ويضيف عجاقة أنّ التأخير سيكون على ثلاثة أصعدة:
أولا تأخير في تلزيم الشركات للتنقيب عن النفط والغاز. وهذا التأخير قد يكون بسبب المراسيم أو في فض المناقصات. وهذا يُترجم فعليًا بتأخير في الإنتاج.
وثانيًا تأخير في التصدير. إذ أنّ لبنان لا يمتلك حتى الساعة أي خطة فعلية لتصدير غازه. وهذا الأمر يُعطي أفضلية لإسرائيل التي بدأت مع تركيا دراسة إنشاء أنبوب لتصدير الغاز إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
وثالثًا في حال إستطاع لبنان التغلّب على إنقساماته السياسية، ووجد طريق لتصدير غازه إلى أوروبا، تبقى مُشكلة الخطة الإنمائية التي من المفروض أن تكون موجودة لإستخدام مردود النفط والغاز في دعم الماكينة الاقتصادية على إعتبار أنّ الثروة النفطية عابرة مع الزمن في حين أنّ الماكينة الاقتصادية باقية مع بقاء الوطن”.
الأسواق تتغير ولا خطر على الانتاج اللبناني
من جهته، يؤكّد المحلل النفطي ربيع ياغي لموقع IMlebanon أنّ “أهم نقطة عندنا هي أن نجد النفط عمليًا ونحن اليوم إذا بدأنا بعمليات التنقيب والاستكشاف فأقلّه سيتطلّب الأمر 10 سنوات لكي نحصل على كميات من الغاز قابلة للتصدير، فإذا بدأنا اليوم في العام 2026 يصبح عندنا غاز للتصدير”.
وفي ما يخصّ إمكانية خروج لبنان من المعادلة النفطية بسبب الخط النفطي الذي سيتمّ إنشاؤه بين إسرائيل وتركيا يشدّد ياغي على أنّ “الأسواق أو ميزان العرض والطلب في الأسواق العالمية والاقليمية تتغير من الآن لعشر سنوات، والسوق يتغيّر ومعادلات العرض والطلب تتغير والاسعار تتغير والأولويات تتغير، وكذلك التفاهمات السياسية في المنطقة وفي العالم تتغير ولا شيء ثابت، فكلّ شيء متحرك في عالم الاقتصاد والسياسة، ومن هنا يجب ألا نخاف أنّه بعد عشر سنوات لن نجد مصدرًا لتصريف منتوجنا من النفط والغاز، ولبنان سيجد أسواقا لأنّ الاسواق العالمية عطشى للغاز الطبيعي كونه يمثل البديل النظيف نسبيا عن النفط الخام، لأنّ النفط الخام عدو للبيئة وملوث بينما الغاز الطبيعي يعتبر نسبيًا صديق للبيئة ويعطي طاقة حرارية لانتاج الطاقة افضل من النفط لذلك الطلب عليه سيزداد”.
ويشير ياغي الى أنّ “أيّ تراجع على طلب النفط الخام سيقابله زيادة في الطلب على الغاز الطبيعي، وهذه المادة موجودة في الحوض المشرقي للبحر الابيض المتوسط، واسرائيل وقبرص وقطاع غزة ومصر قامت باكتشافات تجارية مهمة جدًا من الغاز، ويبقى لبنان الذي هو واقع في وسط أو قلب الحوض المشرقي ومفترض أن تكون الكميات واعدة جدًا وكبيرة، وبأسوأ الحالات لن تكون أقلّ من الاكتشافات التي حصلت في إسرائيل والمحيط”.
منافسة على التصدير
ويشدّد ياغي على أنّ “غياب التخطيط واضح من خلال الأرقام التي تنشرها وكالة الـUSGS والتي تُشير إلى أنّ لبنان الوحيد الذي لم يكتشف حقول نفط أو غاز، في حين أنّ كلّ الدول المُجاورة حققت إكتشافات مُهمة وتنفرد إسرائيل في الإنتاج”، ويضيف: “من هنا نرى أنّ الوضع التخطيطي لملف النفط في حالٍ سيء وتتمّ إدارة هذا الملف بطريقة حدثية وليس من خلال خطّة إستراتيجية تُترجم إلى إجراءات عملية، والدولة اللبنانية لم تقم بأي محادثات مع الشركات النفطية لتحفيزها على الاهتمام بالملف النفطي اللبناني خصوصًا أن الإقبال في الماضي لم يكن واسعًا على عكس ما يتمّ تداوله”.
لكن عجاقة يشير الى أنّ “مُشكلة التصدير تبقى المُشكلة الأساس للدولة اللبنانية من ناحية أن تصدير الغاز اللبناني في حال إستخراجه، إذ سيواجه منافسة شرسة من قبل الغاز الإسرائيلي الذي سيستفيد من إنبوب الغاز إلى تركيا والذي سيُخفّف من كلفة النقل (أقلّه ٣٠٪)”، ويوضح أنه “لا يُمكننا إنتظار إستخراج الغاز للبحث عن أسواق له خصوصًا أنّ هذه العملية هي عملية تخضع لقواعد جيوسياسية، لذا يتوجب على المسؤولين اللبنانيين بدء المحادثات مع الأفرقاء الأوروبيين لتسويق الغاز اللبناني كما وأخذ موافقات دولية على هذا الأمر”.
“عكازة” لتسويق الغاز
إلا أنّ ياغي يُطَمئِن ان لبنان سيجد سوقا لتصريف الغاز، ويقول: “الشركات العالمية التي ستأتي وتعمل على استخراج النفط من بحرنا سيكون جزءا من واجبها ايجاد اسواقا اوروبية او آسيوية او شرق اوسطية لتصدير الغاز اللبناني لان لها مصلحة في تسويق الانتاج لانها شريك اساسي معنا وهي بحاجة لتسترد الاستثمارت التي هي بمليارات الدولارات التي وضعتها لتصل الى الاكتشافات التجارية، ومن هنا سيكون عندنا شركات نسميها “عكازة” نستند عليها، وستفتح ابواب الاسواق العالمية، وبأسوأ الحالات فحصتنا من الغاز الطبيعي نبيعها للشركات ولن تقطع الطريق في وجهنا”.
ويضيف: “أي دولتين أو ثلاثة ستقوم بخطوط للغاز فستكون مبنية لتستوعب الغاز الذي يأتي جزئيا من لبنان وقبرص ومصر واليونان، لذلك الخط الاسرائيلي ـ التركي لن يكون الخط الوحيد الموجود في وهذه الخطوط ستكون موجودة لتخدم الاسواق العالمية، وبعد عشر سنوات سنجد خطوطا كثيرة لتصدير الغاز، ان كان عبر الخط المصري او القبرصي او الاسرائيلي لذلك سنجد فسحة لتصدير الغاز اللبناني في تلك الخطوط او بشكل الغاز المسال الذي له محطات في مصر وقبرص”.
احتمالات أمام الحكومة اللبنانية
وعن احتمالات لبنان بتصدير الغاز الى الخارج، يرى عجاقة أنّ “أمام الحكومة اللبنانية عدة احتمالات من أجل تصدير الغاز الى الخارج:
أولا تسييل الغاز وتصديره في بواخر إلى أوروبا وهذا الأمر سيزيد بالطبع من كلفة الغاز ويجعل منه أقل تنافسية مع باقي الدول.
ثانيا الإشتراك في الأنبوب الإسرائيلي وهذا الأمر شبه مُستحيل بسبب العداء بين البلدين.
ثالثا إنشاء أنبوب غاز بحري إلى تركيا على غرار إسرائيل ولكن هذا الأمر يتطلب تمويلا ستكون كلفته بحدود ٧٢٥ مليون دولار أميركي (٢٩٠ كم).
أما بالنسبة للاحتمال الرابع فهو إنشاء أنبوب غاز برّي من طرابلس عبر سوريا إلى تركيا وكلفة هذا المشروع تصل الى ٣٣٠ مليون دولار أميركي (١٦٥ كم)، إلا أن الحرب السورية ورفض الحكومة اللبنانية التحاور مع النظام السوري ومع المُعارضة تجعل من المشروع مُستحيل في الوقت الحالي”.
أما ياغي، فيشير الى أن “المهم هو أن يكون عندنا اسواقا عالمية وشركات نتعاقد معها لنسوق الغاز الذي سنستخرجه ويجب ممارسة التسويق قبل سنوات من بداية التصدير، وللأسف لغاية اليوم اهل الاختصاص ليسوا هم من يتعاطون في هذا الشأن من ناحية القانون لناحية المراسيم ولناحية كل ما يحصل، فكل من المتدخلين في هذا الشأن هم من خارج الاختصاص ولا يفهموا بالملف ولا بالغاز ولا بالنفط، لذلك يجب جلب اللبنانيين الموجودين في الخارج من أهل الاختصاص والذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة والسمعة الجيدة لكي يعملوا في لبنان”.
ويشدد على أن “ما يحصل في لبنان من تأخير في الملف هو بسبب تدخل السياسيين والجهل في طريقة التعاطي مع الموضوع، اذ كان من المفروض أن نبدأ من العام 2006 بعمليات التنقيب والحفر والعمل واليوم بتنا على ابواب العام 2017 ولا نزال نتجادل بشأن تقاسم الارباح، وهذا دليل على جهل الطبقة التي تتعاطى بالشأن النفطي التي لا علاقة لها بالنفط بل همها الوحيد هو الربح المادي وتقسيم الارباح المباشرة او غير المباشرة، واهل الخبرة والاختصاص موضوعين على الرف ولا احد يتعامل معهم ان كان في لبنان او خارجه”.