كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:
اذا صحّت معلومات شاعت عن أنّ موفداً سعودياً برتبة وزير سيزور بيروت قريباً، فذلك يعني أنّ المملكة العربية السعودية دخلت مباشرةً على خط التطوّرات اللبنانية الجارية عموماً، وعلى خط الاستحقاق الرئاسي خصوصاً، وذلك في ضوء تبنّي الرئيس سعد الحريري ترشيحَ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وما على الجميع في هذه الحال إلّا انتظار ما سيَحمله هذا الموفد من موقف، علماً أنّ الرياض تؤكّد دوماً «عدم التدخّل» في هذا الاستحقاق.«مخاطرة» كبيرة قرّر الحريري خوضَ غمارها بترشيحه عون لرئاسة الجمهورية، والمعلومات تفيد أنّ الرجل تصرّفَ من تلقائه غيرَ آبهٍ بالمواقف المعترضة داخل تيار المستقبل وشارعه، وفي صفوف حلفائه الإقليميين، وربّما الدوليين.
بعض المطّلعين على حركة الحريري يؤكّدون أنّ الرجل بذلَ محاولات كثيرة لدى حلفائه في الداخل والخارج ليقفَ على رأيهم في تحرّكه، ولكنّ محاولاته باءت بالفشل، وقيل إنّه حاوَل في الآونة الأخيرة الاستحصالَ على موقف سعودي يغطّي خياراً معيّناً يعتمده في شأن الاستحقاق الرئاسي، ولكنّه لم يفلح في ذلك، ولم يلقَ من يَسمع ما لديه.
وخلال الساعات الثماني والأربعين التي سبَقت إعلانه ترشيحَ عون، بذلَ بعض الديبلوماسيين والأصدقاء المشتركين بينه وبين الرياض محاولاتٍ لثنيِه عن هذه الخطوة أو التريّثِ فيها، في انتظار تأمين معالجةٍ ما، ولكنّ كلّ هؤلاء فشلوا، نتيجة إصراره على هذا القرار الذي وصَفه شخصياً بأنه «مخاطرة»، وأنه لا بدّ منه سبيلاً للخروج من الأزمة.
ويقول مطّلعون على حركة الحريري إنّ ما يقوم به هو فعلاً مخاطرة، لأنّ هذه الحركة إذا فشلت فإنّها ستنعكس سلباً على موقعه وحضوره السياسي بالدرجة الأولى، وعلى الاستحقاقات المماثلة بالدرجة الثانية، إذ في حال فشلَ ترشيحه لعون فإنّ ذلك سيفاقم أزمة الاستحقاق الرئاسي ويطيل عمرَها، أقلّه بضعة أشهر، خصوصاً إذا صحّت المعلومات التي تَرشح من مصادر ودوائر إقليمية ودولية وتفيد أنّ لبنان خارج الاهتمامات حتى شباط المقبل.
على أنّ البعض يقول إنّ مرحلة ترشيح الحريري لعون ستكون مختلفة كلّياً عمّا قبله، وإنّ المعركة حول الاستحقاق الرئاسي قد بدأت فعلياً في ضوء ما يتوقع أن يواجهه ترشيحه لعون من عقبات واعتراضات داخلية وخارجية، خصوصاً في حال فشَلِه وعون في تأمين التوافق الداخلي على انتخاب الأخير، وكذلك على الخطوات الدستورية اللاحقة من تأليف حكومة وغيره، فضلاً عن تأمين التوافق الإقليمي، إذ رشَح أنّ دوَل الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، «لا تؤيّد» ما ذهبَ إليه الحريري، وفي هذا الإطار يقول ديبلوماسيون إنّ الرياض لم تتدخّل في هذا الشأن على رغم كثير من المفاتحات التي تعرّضَت لها، وكذلك على رغم أنّ الحريري يدرك حقيقة «الفيتو» الذي تضعه على ترشيح عون منذ أيام وزير الخارجية السابق الراحل الأمير سعود الفيصل.
على أنّ المشاورات والاتصالات التي سيخوضها كلّ مِن الحريري وعون بعد الترشيح، سيكون محورها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية والنواب المستقلون، وسيكون على الحريري تحديداً أن يبذلَ جهداً إضافياً ليذلّلَ المواقف المعارضة لخطوته داخل صفوف «المستقبل» تيّاراً سياسياً وكتلةً نيابية، وكذلك داخلَ بيئته، علماً أنّه في مكانٍ ما مِن اهتمامه سيستمر في محاولاته لتذليل اعتراض حلفائه الإقليميين لاقتناعه بأنّه لا يستطيع أن ينطلق بفعالية في المهمة التي تنتظره من دون تأييدهم المؤثّر، لأنّ التأييد الداخلي الذي يمكن أن يحصل قد لا يكون كافياً لتحقيق إطلاقةٍ سياسية فاعلة داخلياً وخارجياً.
وبغَضّ النظر عمّا احتواه إعلان الحريري ترشيحَ عون من تذكير بمحطات سياسية وأمنية، ومِن ترشيحات، فإنّ جلسة الانتخاب المقرّرة في 31 الجاري، ربّما تكون مفصلية، بالمفهومين السلبي والإيجابي، فإذا لم تنعقد وأرجِئت فسيكون ذلك مؤشّراً إلى احتمال دخول المبادرة الحريرية في دائرة الخطر لتلقى مصيرَ مبادرته ترشيحَ فرنجية، خصوصاً إذا بَرزت اعتراضات وردود فِعل ومضاعفات نتيجة الترشيح هنا وهناك داخلياً، وعلى المستوى الإقليمي. كذلك خصوصاً إذا لم يحصل التوافق الداخلي المطلوب على ترشيح عون لأنّ انعدام التوافق قد يَحول دون انعقاد الجلسة، أو ربّما تنعقد بالنصاب المطلوب إذا ترجَم المعارضون لعون اقتراعاً ضدّه، بحيث يَسودها تنافُس بينه وبين فرنجية الذي يُشاع أنّ كتَلاً ونوّاباً سينتخبونه، فالحريري لم يقُل مباشرةً إنّه تخلّى عن ترشيحه، وفرنجية نفسه يؤكّد أنّه مستمرّ في هذا الترشيح حتى النهاية،
آملاً في أن ينال أصوات المعترضين، إلى أصوات نوّاب آخرين ينتمون إلى كتلٍ عدّة مؤيّدة لعون ويبطنون معارضة له ولا يَجهرون بها الآن، ولكن يمكن أن يترجموها في صندوق الاقتراع لمصلحة فرنجية.
والذين قرأوا ما قاله كلٌّ مِن بري وعون بَعد لقائهما المسائي القصير في عين التينة، انقسَموا إلى رأيين: الأوّل يراهن على أنّ الخلاف بينهما لم يذلَّل، بدليل قول بري إنّ الخلاف بينهما «لا يفسِد للود قضية»، وقول عون في المقابل إنّ بري حرّ في قراره. أمّا الرأي الثاني، فقال إنّ الخلاف بين الرَجلين لا يمكن أن يذلَّل في لقاء واحد بينهما، خصوصاً أنّ عون أشار إلى لقاء آخر سيُعقد بينهما لاحقاً.
إلّا أنّ العارفين بموقف بري يؤكّدون أنّ هذا الموقف المعترض على ترشيح عون ليس مستنداً إلى أسباب محلية، ليس أقلّها «حياكة» تسويات واتّفاقات في شأن الاستحقاق ومستقبل البلاد، بمعزل عنه كعرّاب لهذا الاستحقاق، وإنّما يستند أيضاً إلى معطيات لدى رئيس المجلس عن الموقف الإقليمي والدولي من الأزمة اللبنانية عموماً، وهي معطيات تعاكس ما يحصل إزاء الشأن الرئاسي.