اشارت صحيفة “الراي” الكويتية الى أنه اذا مضت الأمور من دون انضمام رئيس مجلس النواب نبيه بري الى التحالف الدافِعِ بخيار العماد ميشال عون، فإن أقلّ ما يمكن توقُّعه هو أن يصبح رئيس البرلمان بكل حيثياته الضحيةَ الكبيرة من دون منازعٍ لتَحوُّلٍ جذري في الواقع السياسي اللبناني يصعب تَخيُّل مروره من دون تداعيات ضخمة وخطرة.
إلا ان أوساطاً مطلعة، ترى عبر “الراي” أن التمايز بين بري و”حزب الله” في شأن انتخاب عون يحصل على قاعدة “التفهّم المتبادل” من كل منهما لخيار الآخر وإدارة هذا التمايز بما لا يسمح بأي عودة الى الوراء في التحالف العضوي والـ “ما فوق استراتيجي” بينهما، وإن من المستحيل على الحزب أن يسلّم بالسماح بأن تلحق أي هزيمة برئيس البرلمان وأن “التعويض” عن الوصول شبه المحسوم لعون الى الرئاسة سيكون بوقوف “حزب الله” خلف بري في مرحلة ما بعد الرئاسة الاولى بكل عناوينها.
وبإزاء هذه الأبعاد، لا تزال الأوساط القريبة من مطبخ الاتصالات والوساطات والمساعي الجارية بكثافة لمعالجة حقل الألغام الأخير الذي يهدد فرصة عون متحفّظة عن الجزم بأي احتمال قاطع حيال جلسة 31 الجاري المحددة لانتخاب رئيس الجمهورية.
وتقول هذه الاوساط لـ “الراي” إن يوم أمس شهد حمى غير مسبوقة في الاتصالات المفتوحة في كل الاتجاهات سعياً الى معالجة عقدة بري في المقام الأول ومن ثم العقد الاخرى تباعاً، وذلك استباقاً لمغادرة بري بيروت في الساعات المقبلة وتحديداً غداً الى جنيف حيث سيمكث لأكثر من أسبوع للمشاركة في مؤتمر البرلمانات الدولية ولن يعود إلا قبل يومين من موعد جلسة 31 تشرين الأول.
وقالت إن كل شيء يتوقف على معرفة ما اذا كان “حزب الله” في وارد القبول بمضي الأمور نحو معركة شرسة بين رافضي عون، وعلى رأسهم حليفه الأوثق بري وحليفه الآخر عون، وما يعتزم القيام به لتجنُّب تطور الأمور نحو الأسوأ.
ولفتت هذه المصادر الى ان ما تَردد في الكواليس امس يشير الى ان “حزب الله” بدأ ضغطاً قوياً نحو تأجيل الجلسة الانتخابية أسبوعيْن أو أقلّ من اجل السعي الى تسوية جدية بين عون وبري، رغم أن زعيم “التيار الحر” ومعه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع يحاذران تأجيل الجلسة، وأن عون يخشى بقوة حصول تطورات سلبية لغير مصلحة الدفع بانتخابه في 31 الجاري اذا حصل الإرجاء.
وفي انتظار ما ستحمله الساعات المقبلة لهذه الجهة، فإن الأوساط لفتت الى أن الجانب الآخر المتصل بأوضاع الرئيس سعد الحريري واللاعبين الآخرين لا تقل تعقيداً خصوصاً مع تصاعد ملامح التململ الواسع داخل “كتلة المستقبل” حيال خيار عون كما في ظل تحفز الكتل والنواب الرافضين لهذا الخيار لاستعمال كل ما يتاح من وسائل لعرقلة انتخابه. واللافت في هذا السياق ما تحدثت عنه الأوساط نفسها من جوٍّ ديبلوماسي دولي ملائم للرافضين لخيار عون على المضي في مناهضته، اذ أن هؤلاء يعتبرون عدم حماسة أي طرف دولي لانتخاب عون حتى لو لم يضع أيّ منهم أي فيتو واضح على “الجنرال” بمثابة ترْك للعبة الداخلية تأخذ مجراها.
كما تقول الأوساط أن الحريري لم يسوّق خيار عون ولم يحاول إقناع أي فريق مناهض له بمماشاته، بل اكتفى بإعلان مبرّرات اعتماده هذا الترشيح بما يشبه تبرير الخيار القسري. وهي مؤشرات من شأنها أن تبقي المسار المتبقي عن موعد جلسة 31 الجاري مفتوحاً على مزيدٍ من مفاجآت ربع الساعة الأخير والمئة متر الأخيرة من الشوط، بما يضع المشهد اللبناني برمّته أمام ثلاثة احتمالات هي: النجاح في تسوية بين بري من جهة وعون والحريري من جهة أخرى من شأنها ايضاً أن تخرج النائب وليد جنبلاط من الموقع الرمادي الذي التزمه والانضمام الى خيار عون. والثاني تأجيل الجلسة الانتخابية لنحو أسبوعين لترْك المجال أكثر امام المساعي الداخلية وتمرير موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية التي لا بد أن تترك تأثيرات في ظلّ الرئيس الذي ستحمله.
أما الاحتمال الثالث فهو فشل التسوية والذهاب إما الى معركة بين عون والنائب سليمان فرنجية وإما الى “مجهول معلوم” يتمثّل في نقل بري المواجهة الى ما بعد الرئاسة التي سيشارك رئيس البرلمان في جلسة بتّها على أن يصوّت ضدّ عون، لتصبح الحكومة الجديدة هي “الرهينة” وسط توقعات عندها بأن يُكلَّف الحريري بتشكيلها (لديه الأكثرية الكافية لذلك مع التزام عون معه) ولكن أن يفشل في تأليفها تحت وطأة إما إغراقها بشروط بري (حيال الحقائب والحصص والأحزاب التي ستُوزَّر والبيان الوزاري والثلث المعطّل وغيرها) الذي سيردّ الصاع صاعين لزعيم “المستقبل” الذي اعتبر أنه “طعنه” بالسير بعون، أو عزوف المكوّن الشيعي بثنائيته “أمل” و”حزب الله” عن المشاركة في أي حكومة يترأسها الحريري.