كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:
كأن نتيجة مناقصة الميكانيك لم تُعلن، وكأن قرار “هيئة إدارة السير” إعطاء أمر مباشرة العمل للشركة الفائزة لم يصدر. قرار مجلس الشورى الذي صدر أمس الأول، حسم الجدال بين الهيئة وبين شركة “أبلوس” التي طلبت وقف تنفيذ أمر مباشرة العمل، معلناً أن وقف تنفيذ المناقصة صار نهائياً.
اجتمع أعضاء مجلس القضايا في “الشورى” يوم الخميس. ذاكروا ثم صوتوا على تثبيت قرار وقف التنفيذ الذي اتخذ في نهاية آب واستأنفته “إدارة السير”. كانت النتيجة أن ثلاثة من الأعضاء أيدوا القرار السابق فيما اعترض عليه الثلاثة الباقون، فرجح صوت رئيس المجلس شكري صادر كفة رافضي الرجوع عن قرار وقف التنفيذ.
اللافت للانتباه أن المعترضين هم المستشارون (يوسف نصر، سميح مداح وطلال بيضون)، فيما المؤيدون هم رؤساء الغرف في المجلس (ألبرت سرحان، نزار الأمين والرئيس شكري صادر). وهو أمر له حساسيته عند الخبراء في القانون الإداري، الذين يرفضون عادة آلية تعيين المستشارين، إذ تخضع تسميتهم غالبا للعوامل السياسية، أضف إلى أنهم منتدبون من وزارات وهيئات حكومية أخرى إلى المجلس.
ماذا بعد رفض تنفيذ المناقصة؟
النتيجة المباشرة حتى الآن هي استمرار شركة “فال” بإدارة مراكز المعاينة. وهي مستمرة في إدارتها منذ انتهاء عقدها في العام 2012. وفيما كان يفترض أن تسلّم القطاع إلى الملتزم الجديد في أيلول، أدى قرار “الشورى” إلى استمرارها في الإدارة، وهي لا تزال حتى اليوم. لكن في المقابل، برز عامل قادر على تغيير كل المعادلة. نقابات السائقين لها رأي آخر. هي تطالب باسترداد الدولة للقطاع، فقررت تصعيد تحركها منذ أسبوع، وأغلقت مراكز المعاينة. كما هددت بمزيد من التصعيد إذا استمر مجلس الوزراء في لامبالاته.
كلما طالت مدة الإغلاق كلما زادت الأزمة. بدأ عدد السيارات غير القابلة للتسجيل أو دفع رسوم الميكانيك، بسبب إلزامية إرفاق أي طلب بشهادة المعاينة الميكانيكية، بالازدياد. وهذا إذا ما استمر سيخلق فوضى عارمة في القطاع، ويعرّض السائقين لغرامات بسبب عدم دفع الميكانيك.
أما من ناحية المناقصة نفسها، فإن “مجلس الشورى” بعد قراره هذا، صار عليه أن يبدأ مناقشة أساس القضية أي إلغاء المناقصة، وهو أمر تفرض أصول التقاضي فيه أن يتأخر القرار ربما لعام كامل، إذا استهلك المتقاضون كل المهل القانونية.
يبدو جلياً من كل ما يحيط بالقطاع أنه لم يعد يحتمل سنة جديدة من المراوحة. وهذا يعني أن على أي من الأطراف المعنية: (هيئة إدارة السير أو وزارة الداخلية أو مجلس الوزراء) أن يتحرك. وهنالك من يدعو هيئة إدارة السير لإنهاء فترة التقاضي سريعاً، من خلال الإعلان من طرفها الذهاب إلى أبعد مدى في تنفيذ قرار “الشورى” إعلاءً للمصلحة العامة، بحيث لا تكتفي بوقف التنفيذ، بل تعلن سحب قرارها الموافقة على نتيجة المناقصة وإحالة الأمر إلى وزارة الداخلية أو مجلس الوزراء ليتخذ قراره بشأنها بعد دراسة الملف.
أصحاب وجهة النظر هذه يعتمدون على توقعات تشير إلى أن الأسباب التي بنى عليها مجلس الشورى قراره لوقف التنفيذ، ثم تثبيته، تصلح أيضاً للإبطال. ما يعني أن التأخير لن يؤدي عملياً سوى إلى تجميد المناقصة لفترة طويلة، قبل أن تلغى.
في كل الأحوال، ثمة من يدعو وزارة الداخلية إلى إنهاء الموضوع، ريثما يبت مجلس الشورى أو مجلس الوزراء أمر المناقصة، بحيث تتخذ قراراً باستلام القطاع من الشركة المشغلة، خصوصا أن المراكز والمعدات صارت بالكامل مملوكة من قبل الدولة، ولا يوجد مبرر لتقاضي الشركة الحصة الكبرى من بدلات المعاينة، فيما الأوْلى أن تبقى هذه الحصة في جيوب المواطنين، أو تعود إلى الدولة بالكامل. وهو الموقف الذي يصر عليه ممثلو السائقين في تحركاتهم، رافضين أن تفوق حصة الشركة حصة الدولة ومعها رواتب الموظفين.
وفي هذا السياق، يكشف رئيس الشركة المستدعية (“أبلوس”) يعقوب الصراف لـ”السفير” أنه سيتقدم إلى وزارة الداخلية بعرض رسمي لإدارة القطاع مجاناً، بحيث تكتفي الوزارة بدفع رواتب الموظفين وشراء قطع الغيار، فيما تتكفل شركته بالإدارة ومراقبة الجودة والصيانة من دون مقابل. وهذا يعني عملياً أن الدولة يمكنها أن توفر ما بين 6 و10 مليون دولار سنوياً، هي الحصة التي تتقاضاها الشركة بعد حسم حصة الدولة التي بالكاد تصل إلى أربعة ملايين دولار.. وحصة الموظفين،
فيما يعوّل البعض على قرار سريع من مجلس الشورى يضع حداً للمماطلة، من خلال الطلب من لجنة المناقصات إعادة تقييم العروض، أو تعيين لجنة فنية جديدة، أو تعيينه للجنة تدرس الملفات مجدداً، وصولاً إلى إعادة إجراء المناقصة. لكن كل ذلك، لا يلغي دور مجلس الوزراء الذي يطالبه السائقون بإلغاء المناقصة فورا.