لا تشكل حالة الاعتراض في لبنان على ترشيح رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، حتى الآن، أي خطر على وصوله إلى سدة الرئاسة. كذلك لا تشير أرقام من سجلوا اعتراضهم إلى تحويل المواجهة إلى معركة على “صوت واحد أو حتى عشرة أصوات” ضمن أعضاء البرلمان في الجلسة المقبلة لانتخاب الرئيس، رغم أن ترشيح رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق ورئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري لعون، أفرز معترضين بين أركان كتلته النيابية، وضمن الفريق السياسي الواحد. تلك الاعتراضات داخل تيار المستقبل، التي قد تصل في أسوأ الاحتمالات حتى الآن، إلى عشرة أصوات اعتراضية، لا يراها تيار المستقبل “حالة انقسام” كما يتم الترويج لها، و”المبالغات في تقديرها”. وقال أمين عام “تيار المستقبل” أحمد الحريري، لصحيفة ”الشرق الأوسط”، إن الحديث عن الانقسامات في التيار “يتكرر منذ عشرين عامًا، ويروج له الخصوم، لكنه في الحقيقة تباين داخل البيت الواحد، ويتم علاجه ضمن البيت الواحد”. وإذ وصف موقف الرئيس الحريري لجهة ترشيح عون للرئاسة بـ”الموقف التاريخي مثل كل المبادرات الإنقاذية التي قدمها للبلد”، أعرب عن أمنيته أن يتم انتخاب عون للرئاسة في الجلسة المقررة في 31 (تشرين الأول) الحالي.
في المقابل، ارتفعت أصوات معترضة داخل تيار المستقبل ضد مبادرة ترشيح الحريري لعون لرئاسة الجمهورية، كان أبرزها رئيس الحكومة الأسبق ورئيس كتلة “المستقبل النيابية” فؤاد السنيورة، والنائب أحمد فتفت، وآخرون. وتصاعدت وتيرتها، عبر التلميحات إلى تبني الحريري لترشيح عون، قبل إعلانه رسميًا. لكن الخطاب الذي أدلاه الحريري، بدّد بعض الهواجس، وساهم في تقليص بعض الاعتراضات، خصوصًا على المستوى الشعبي كما تقول أوساط تيار المستقبل. إذ قال القيادي في تيار المستقبل، النائب السابق مصطفى علوش، لـ”الشرق الأوسط”، إنه “بعد خطاب الحريري، تبين أن الأكثرية في المستقبل تفهمت المسوغات التي أدت إلى مبادرته”، مشيرًا إلى أن حالة الاعتراض “ستكون أقل مما كان متوقعًا قبل خطاب الحريري الأخير”. وأوضح أن ترشيح عون “مرّ على القاعدة بشكل مقبول، ولا صحة لاحتمالات تفاقم الانقسامات إلا إذا حاول بعض السياسيين تضخيمها”. وأردف أن القاعدة الشعبية الأغلب لتيار المستقبل “تلقت الكلام بإيجابية كاملة”.
وقال علوش إن الخسارة على المستوى السياسي والشعبي “تتعدى أسبابها ترشيح الحريري لفرنجية العام الماضي، ولعون أخيرًا”، مشيرًا إلى “أخطاء كانت قائمة، وربما تنازلات لم يفسرها أحد للناس، لكن عمليًا، لسنا مجموعة تسير في الفضاء ومعزولة عن المحيط. ثمة قوى ومتغيرات، ولم تتخذ المواقف في ظل خيارات مفتوحة، بل على العكس، لم يكن ثمة خيارات أخرى متاحة، ومن ضمنها خيار ترشيح عون”. ولفت إلى أنه “لا شيء سيغير الوضع القائم على مستوى شعبية الحريري، فالناس سيجدون مع الوقت أن هذا الخيار هو الأسلم”.
من ناحية ثانية، فإن مروحة الاعتراض على وصول عون للرئاسة لا تقتصر على بعض الفعاليات في تيار المستقبل وحده، كما أنها لاتعني إجماعًا في صفوف المعترضين على مرشح آخر للرئاسة، بالنظر إلى أن أسباب الاعتراض تتفاوت بين مقترع وآخر. فبعضهم أعلن أنه سيصوت لصالح المرشح سليمان فرنجية، في حين يرجح أن يصوت آخرون بورقة بيضاء، مثل كتلة “حزب الكتائب” ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، وبعض نواب تيار المستقبل الذين يعترضون على وصول عون وفرنجية للرئاسة، وآخرون لم يحسموا قرارهم بعد.
مكاري أكد لـ”الشرق الأوسط” أنه حسم قراره بالتصويت بورقة بيضاء في الجلسة البرلمانية المخصصة لانتخاب الرئيس، قائلا: “اتخذت قراري عن قناعة، ذلك أنني والجنرال عون لسنا في خط سياسي واحد. فهو يمتلك تحالفاته السياسية ونحن على خصومة مع تلك التحالفات” في إشارة إلى ما يسمى “حزب الله” اللبناني، مشددًا على “أنني متجانس مع نفسي، ولا مرشح آخر لانتخابه إلا إذا ترشح شخص آخر من 14 آذار يقنعني بترشحه”.
مكاري أكد أيضًا أن موقفه “لا يعني انقسامًا أو انفضاضا عن الرئيس سعد الحريري” الذي تربطه علاقة صداقه به، كما كانت علاقة وطيدة تربطه بوالده الرئيس الراحل رفيق الحريري، قائلا: “من ميزة عائلة الحريري أنهم ديمقراطيون، يعبرون عن رأيهم وقناعاتهم ولا يلزمون أحدًا بها”، مشددًا على أن “قناعاتي دفعتني لاتخاذ ما أتمايز به عنهم”.
هذا، وتشير التقديرات إلى أن الجلسة المخصصة لانتخاب الرئيس في 31 تشرين الاول الحالي، لن تختلف كثيرًا عن جلسات انتخاب الرؤساء السابقين، منذ 1976 وحتى الآن، بالنظر إلى أن الرئيس المنتخب سيحصل على ثلثي الأصوات تقريبًا، إثر تفاهمات معظم الكتل النيابية الرئيسية التي تشكل العدد الأكبر من النواب، على انتخاب عون. وبالتالي، لن تكون “معركة على صوت واحد أو حتى عشرة أصوات”، إذا لم يطرأ أي تغيير استراتيجي على مستوى مواقف الكتل النيابية، بحسب ما يقول الباحث في “الدولية للمعلومات”، محمد شمس الدين، لـ”الشرق الأوسط”.
أبرز المعارضين لوصول عون للرئاسة هو رئيس البرلمان نبيه برّي الذي يترأس كتلة “التنمية والتحرير” (13 نائبا)، إضافة إلى مسيحيين مستقلين، ونائب على الأقل في صفوف اللقاء الديمقراطي الذي يترأسه النائب وليد جنبلاط (11 نائبا)، إضافة إلى نائبي حزب البعث، ونائبي الحزب السوري القومي الاجتماعي الذين أعلنوا أنهم سينتخبون فرنجية.
وبناءً عليه، يقول شمس الدين إنه من المبكر الحديث عن معركة، لافتًا إلى أنه “ضمن الوضع الحالي، لن تكون هناك معركة انتخابية على صوت، كما جرى في عام 1970 في معركة انتخاب سليمان فرنجية الجد في وجه إلياس سركيس بفارق صوت واحد، إذ سينتخب عون بتقديرات تصل إلى 83 نائبا، إلا إذا قررت كتلة جنبلاط الامتناع عن التصويت لعون، وارتفعت وتيرة الاعتراض في تيار المستقبل”. وقال شمس الدين إن الأصوات التي ستنتخب عون تتوزع على كتلته (21 نائبا) وما يسمى “حزب الله” (13 نائبا) وحزب القوات اللبنانية (8 نواب) وحزب الطاشناق (نائبان)، إضافة إلى 24 نائبا على الأقل من كتلة المستقبل (34 نائبا)، حيث ظهر أن هناك 10 نواب، حتى الآن، لا ينوون التصويت لعون، إضافة إلى 8 نواب على الأقل من كتلة جنبلاط (11 نائبا)، إلى جانب 7 نواب مستقلين بأقل التقديرات.
وفي حين تحدثت معلومات عن تباينات في صفوف كتلة جنبلاط، نفى عضو اللقاء الديمقراطي النائب أنطوان سعد، في بيان، ما تداولته بعض وسائل الإعلام أنه أبلغ من يعنيهم الأمر بأنه لن يصوت للنائب ميشال عون، مؤكدا أنه ملتزم بقرار رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط وبما سيصدر عن اجتماع اللقاء غدا في المختارة.