كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:
انشغل الوسط السياسي بتفسير التعليق المقتضب لوزير الخارجية الأميركية جون كيري وقوله إنه ليس واثقاً بنتيجة تأييد زعيم “تيار المستقبل” الرئيس السابق سعد الحريري خيار زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وغلب على ردود الفعل التساؤل عما إذا كانت واشنطن غير راضية عن هذا الخيار.
واستندت ردود الفعل هذه إلى بعض الإشارات التي تلقاها أصحابها، أو تناهت إليهم، إلى أن الديبلوماسية الأميركية في بيروت عبرت عن قلقها حيال هذا الخيار بالتساؤل هي الأخرى عما إذا كان سيؤدي إلى خروج لبنان من أزمته، فيما ذكرت معلومات من الخارج نشرتها “الحياة”، أن الدوائر الأميركية المهتمة بلبنان، عبرت عن “خيبة” من خيار عون.
وتقول مصادر مطلعة في بيروت إن “القلق” الأميركي إزاء التسوية التي عقدها الحريري، يعود إلى مزيج من الاعتقاد الأميركي بأن عون حليف “حزب الله” وإيران سيخضع لموجبات هذا التحالف في الرئاسة، وأن الديبلوماسيين في بيروت استمعوا إلى بعض المعطيات من سياسيين لبنانيين شددوا على مخاطر خيار الحريري على عملية انتظام المؤسسات بعد انتخاب عون، لأن “حزب الله” سيتجه إلى عرقلة عمل الحكومة المقبلة برئاسة الحريري ويحول دون نجاح الأخير في العمل على معالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية في لبنان.
إلا أن مصادر في تيار “المستقبل” دعت إلى عدم الاسترسال في التفسيرات، وخصوصاً تلك التي تأمل بإجهاض التسوية التي أقدم عليها الحريري مع عون، بالاستناد إلى فرضية غياب التغطية الخارجية لها.
وتضيف مصادر “المستقبل” أنه ليس متوقعاً من العواصم المتابعة للتطورات اللبنانية الأخيرة أن تؤيد خيار عون، أولاً لأنها سبق أن أكدت على مدى السنة الماضية أنها لن تتدخل في الأسماء أو في التفاصيل، وثانياً لأن بعضها، ولا سيما الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند سبق أن خذلته حماسته إلى دعم التسوية اللبنانية حين اتصل مطلع هذا العام برئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية بعد دعمه من قبل الحريري، ثم تبين له أنه تسرّع وأن هذا الخيار لم ينجح، على رغم أن الاتصال جاء نتيجة تقدير باريس أن إيران قررت الإفراج عن الرئاسة اللبنانية، بعد تلقي إشارات من طهران إلى ارتياحها لهذا الخيار. وعليه، ترى أوساط “المستقبل” أنه ليس مستغرباً أن تبدي العواصم الغربية والعربية حذراً حيال التسوية بعد تجاربها السابقة، لكنها لم تعرقل حصولها وتترقب ما سيتبعها.
وتقول مصادر “المستقبل” إن بعض الأوساط المعارضة خيارَ الحريري الأخير استبق إعلانه بإشاعة أجواء ومعلومات عن أن واشنطن قلقة أو معترضة على عون، وأن المملكة العربية السعودية ليست معه، وأن الدول الخليجية غير متحمسة أو رافضة له، كما استنتج سياسيون التقوا بعض الديبلوماسيين من هذه الدول، لكن هذه الإشاعات لم تحل دون إعلان الحريري خياره، لمعرفته أن المواقف الخارجية تنصح باتفاق اللبنانيين، وبالتالي لا مانع لديها من الخيار الذي يتفقون عليه، وأن الاسترسال في قراءة المواقف الخارجية ما هو إلا هروب من جوهر القضية المطروحة الآن والتي تتعلق بالمواقف المحلية، أي ماذا سيفعل “حزب الله” مع حلفائه في 8 آذار لتذليل اعتراضات بعضهم على العماد عون؟
وحين تسأل مصادر “المستقبل” عما إذا كانت المواقف الخارجية المعترضة أو غير المتحمسة هي تعبير عن عدم تمكن الحريري من نيل ضمانات من العواصم التي زارها أو اتصل بها أخيراً لتساعد على أن تبذل جهوداً كي يسهل “حزب الله” أو إيران العمل الحكومي بعد انتخاب الرئيس، تقول مصادر “المستقبل” إنه إذا كانت هذه الضمانات بحثت مع الدول فهي لن تعلن أن الحريري طلبها ولن تقول ما إذا كانت حصلت على ضمانات أو لا.
وتدعو هذه المصادر إلى “عدم التذرع بالمواقف الخارجية من أجل تبرير التأخر في حسم إنهاء الشغور الرئاسي بعد خطوة الحريري تأييد عون، وإذا كانت فرضية أن الأميركيين هم ضد عون، فهذا سبب إضافي لقوى 8 آذار والممانعة أن تتجاوب مع مبادرة الحريري”. وتسأل استطرادا: “إذا كان اعتراض رئيس مجلس النواب نبيه بري على خيار عون يحمل “حزب الله” على مراعاة موقعه وتاريخه ووزنه وزعامته القائمة بذاتها، فما الذي يمنع الحزب من المونة على فرقاء مثل نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي، وحزب البعث، والنائب طلال أرسلان كي يكونوا إيجابيين حيال خيار عون بعد قرار الحريري تأييد حليف الحزب؟”.
وعما إذا كان تباطؤ “حزب الله” في دعوة بعض حلفائه إلى حسم موقفهم مع خيار عون، إشارة منه إلى أنه يراعي اعتراض الرئيس بري على الاتفاق الثنائي المسيحي- السني وانزعاجه من تفرد الحريري بالتفاهم مع عون من دون إبلاغه تفاصيل هذا التفاهم، خصوصا أنه ينقل عنه امتعاضه من أنه تفاهم مكتوب فيه تقاسم للحصص الوزارية، تكرر مصادر “المستقبل” نفي وجود تفاهم مكتوب، وتوضح أن الأمر طرح في جلسة الحوار الثنائي بين “المستقبل” و “حزب الله” ليل الخميس الماضي، بوجود ممثل بري ومعاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل راعياً لهذا الحوار. وتضيف أنه حين طرح الوزير خليل مسألة الاتفاق المكتوب هذا أجابه مدير مكتب الحريري نادر الحريري نافياً وجود ورقة مكتوبة وموقعة كما تردد. وتتابع مصادر “المستقبل” أن التفاهمات التي حصلت مع فريق عون كان الأخير ينقل إلى “حزب الله” تفاصيلها، ما دفع المعاون السياسي للأمين العام لـ “حزب الله” حسين الخليل، إلى التأكيد للوزير علي خليل حين أصر على وجود ورقة اتفاق مكتوب، تشمل طرفاً ثالثاً هو “القوات اللبنانية” أيضاً، إلى القول له إن ما تبلغه الحزب من عون أن لا ورقة تفاهم مكتوبة أو موقعة مع “المستقبل”.
وتنتهي المصادر إياها إلى القول إن “هناك حججاً متناقضة في الحملة على الحريري في شأن التفاهم مع عون، فتارة نسمع أن أوساط الرئيس بري تلوم الحزب على عدم إطلاعه على ما كان ينقله عون إليه عن التفاهم الذي جرى التوصل إليه، وأخرى يُتهم “المستقبل” بالتوصل إلى ورقة مكتوبة غير موجودة”.
وتؤكد المصادر أن لا صحة لاتهام الحريري بأنه طعن الرئيس بري بقراره الانحياز إلى خيار عون، فهو لا يريد أي مشكلة مع رئيس المجلس ولا وجود لما يروج من أن هناك مواقف سلبية لدينا إزاءه، بل أن الحريري كان أبلغ الرئيس بري منذ أن زاره في شهر آب (أغسطس ) الماضي أن بقاء الشغور على حاله وعدم قيام الفرقاء الذين أيدوا قراره دعم النائب فرنجية للرئاسة بأي خطوة لإيصاله سيدفعه إلى التفكير بخيارات أخرى. وفي كل الأحوال، فإن المشكلة لم تكن يوماً مع الرئيس بري في شأن الشغور، بل هي مع إدارة “حزب الله” الشغور، فلماذا يحولها بري مشكلة مع الحريري، في قت كان الحزب هو الذي عطل الرئاسة سنتين ونصف السنة إصراراً منه على الجنرال، وهو الذي واكب اتصالات الأخير مع الحريري بدقة؟