كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: هل “ما كتب قد كتب”، وتالياً فان زعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون سينتخب حكماً رئيساً للجمهورية بعد ثمانية ايام ام ان مفاجآت من النوع الذي غالباً ما تعودها لبنان في المنعطفات يمكن ان تعيد قلب الاوضاع رأساً على عقب؟.
اذا سارت الامور على النحو المتوقع لها فان مقر البرلمان المحاصر باجراءات امنية غير مسبوقة في وسط بيروت المنهك، سيفتح ابوابه يوم الاثنين في 31 الجاري على نصاب كامل لانتخاب الرئيس الـ 12 للجمهورية بتأخير 29 شهراً من التعطيل المتعمد.
تعلن مطرقة رئيس البرلمان نبيه بري، القابع على كرسيه منذ نحو ربع قرن، اكتمال نصاب الـ 86 نائباً من اصل 127، ومن ثم اطلاق الصندوق الزجاجية “كاتمة الاسرار”، في عملية اقتراع لانتخاب الرئيس “المنتظر” لست سنوات مقبلة. المعركة ستكون سياسية اكثر مما هي انتخابية بين العماد عون وزعيم “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية، ولن تكون الجولة الاولى كافية لحسم النتيجة بنيل احدهما 86 صوتاً، اما في جولة الـ”نصف +1” فقد ينال عون من 73 الى 80 صوتاً وفرنجية من 22 الى 30 صوتاً مع عدد لا بأس به من الاوراق البيض.
وبعد ان يتجرع الرئيس بري تلاوة رسالة اعدها لتهنئة عون، سينتقل الجنرال في اليوم التالي الى القصر المهجور، الذي كان دخله على وهج فراغ الـ 1988 رئيساً للحكومة العسكرية ولم يغادره الا عنوة في العام 1990، ليعود اليه بعد 26 عاماً وعلى متن فراغ استمر عامين ونصف عام.
ولم يكن في مقدور عون عبور الفراغ الذي كاد يجهز على الدولة الا مع امساك حليفه “حزب الله” بـ”قفل” القصر الذي اوصدت ابوابه، ومن ثم اضطرار خصمه زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري تسليمه “مفتاح” الدخول الى الرئاسة في جمهورية تصارع من اجل البقاء.
هذا هو السيناريو “غير الافتراضي” الذي من المقرر ان يحدث بعد ثمانية ايام، ويؤسس تالياً لمرحلة جديدة فيها الكثير من خلط الاوراق والتحالفات والتموضعات، اضافة الى تحديات محسوبة واخرى “مجهولة باقي الهوية”.
غير انه في لبنان، المحكوم بالمفاجآت غير المألوفة احياناً، من يحتكم الى المثل الشعبي القائل “ما تقول فول تيصير بالمكيول”، في تعبير عن تجارب سابقة نام فيها البعض رؤساء واستيقظوا على خيبات، كما ان البعض انتخب ولم يحكم.
وتحت وطأة هذا النوع من التجارب الرئاسية مع حميد فرنجية وكميل شمعون مثلاً في العام 1952، ومع بشير الجميل في العالم 1982 ورينه معوض 1989، تحبس بيروت انفاسها وعينها على كل شاردة وواردة في الداخل والخارج وما بينهما ايضاً.
هذا المناخ الشديد الوطأة عزز الارتياب من حصول مفاجآت مع تزايد التقارير التي تتحدث عن اخطار امنية وشبكات ارهابية و”بنوك اهداف” لعمليات انتحارية، وما شابه من معلومات تتصدر وسائل الاعلام وكأن البلاد على محك امني.
ولم يقتصر الانتظار الثقيل الذي سيمتد على مدى الاسبوع الطالع على التحسب الامني بل تعداه الى الانكباب على تفكيك اكثر من شيفرة ديبلوماسية تتصل بالوقائع اللبنانية الراهنة بعد الهزة الدراماتيكية التي احدثها تبني الحريري ترشيح عون للرئاسة.
وفي هذا السياق جاءت الاصداء المتناقضة لكلام ملتبس ادلى به وزير الخارجية الاميركي جون كيري، وقال فيه “نحن نتمنى بالتأكيد ان يحدث تطور في لبنان، لكنني لست واثقاً من نتيجة دعم الحريري (لعون)… لا ادري”.
اضاف كيري، الذي كان يتحدث لدى استقباله نظيره الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح “نحن نأمل ان يتم تجاوز هذا المأزق (الرئيس) الذي يؤثر في لبنان والمنطقة”، علماً ان نادراً ما يتناول كيري الاوضاع في لبنان.
وفي حين رأت بعض الاوساط ان الحذر الذي ابداه كيري من شأنه تعزيز الفرصة المحسومة للعماد عون، فان اخرين الذين قرأوا فيه تشكيكاً يميلون الى انتظار اشارات دولية واقليمية اكثر وضوحاً في ظل مواقف غامضة على هذا المستوى لـ”يبنى على الشيء مقتضاه”.
وفي اصداء مشابهة لكلام كيري الملتبس جاء توقيت اعلان الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية وضع المزيد من الاشخاص والمؤسسات المحسوبين على “حزب الله” على لوائح الارهاب، لحظة حسم الحريري خياره بتبني ترشح عون الذي يتم التعاطي معه على انه مرشح “حزب الله” وايران.
وبعدما كان الحريري قال كلمته ومشى الى الرياض امس وربما يزور القاهرة ايضاً، كيف تبدو خريطة المواقف السياسية من الاستحقاق الرئاسي عشية واحد من اكثر الاسابيع اللبنانية حبساً للانفاس؟
من الواضح ان الحريري، الذي اقر بركوبه “مخاطرة كبرى” من خلال تبني ترشيح زعيم “التيار الوطني الحر”، يعتزم تحصين خياره عبر مزيد من المشاورات الخارجية من جهة والعمل على ترتيب بيته السياسي، وهو يتجه لمعالجة اعتراض بعض نواب كتلته (11 من 31) على انتخاب عون واتجاههم الى التصويت بورقة بيضاء.
وكان الحريري استقبل ليل اول من امس رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، الذي اكد على متانة التحالف مع “المستقبل”، منوهاً بجرأة الرئيس الحريري، ومشدداً على التمسك بمشروع “14 آذار” وهو دعا اليوم الى التفاف جميع القوى حول العماد عون. وينتظر اليوم ان يطلق الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله اشارات بالغة الاهمية حيال مقاربة التطورات المتسارعة التي جعلت من جلسة 31 الجاري موعداً شبه محسوم لانتخاب حليف حزبه العماد عون رئيساً للجمهورية.
واهمية ما يقوله نصرالله اليوم يعود الى الافتراق العلني بين “الثنائية الشيعية”، اي “حزب الله” والرئيس بري في الموقف من انتخاب عون، الذي يعارضه رئيس البرلمان بشراسة وصراحة، وهو كان اعلن تصميمه على الانتقال الى المعارضة.
واذا كان من غير الواضح ما اذا كان نصرالله سيلح على تأجيل جلسة آخر الشهر لبعض الوقت لضمان ترتيب العلاقة بين حليفيه (بري وعون)، فمن المؤكد ان “حزب لله” سيقترع لزعيم “التيار الوطني الحر” انفاذاً لوعد بايصاله الى القصر، وبعده لكل حادث حديث.
واللافت في هذا السياق ان بري كان ابلغ الى عون في لقائهما الاخير “البارد” انه لن يعمل على تطيير النصاب، لكن لن يصوت له، محملاً صهر الجنرال وزير الخارجية جبران باسيل مسؤولية الحؤول دون انتخابه في اطار تفاهم وطني يطبخ على طاولة الحوار التي قاطعها.
وعاود امس معاون بري وزير المال علي حسن خليل التأكيد انه “لا يمكن لاي فريق او مجموعة فرقاء ان ينفردوا في تحديد خيارات اللبنانيين”، مشدداً على “اهمية صياغة التفاهمات الوطنية العامة التي تسمح بالخروج من المأزق السياسي”.
واذا دعا خليل الجميع الى ممارسة دورهم الديموقراطي من خلال المشاركة في جلسة انجاز الاستحقاق الرئاسي باسرع وقت، قال “سنمارس حقناً في التعبير عن موقفنا ونهنئ الفائز ونمد اليد الى تعاون حقيقي بين معارضة وموالاة”.
اما زعيم “الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، فجمع، امس”اللقاء الديموقراطي”بحضور نجليه تيمور واصلان لمناقشة الموقف من الانتخابات الرئاسية، لكنه ارجأ القرار في هذا الشأن الى الاسبوع المقبل.
وجنبلاط، الاكثر ميلاً لتأييد عون، بحسب الاوساط المتابعة، نتيجة تبني ترشيحه من الحريري ومراعاة لـ”الحساسية المسيحية”في الجبل، لا يمكنه الا اخذ موقف حليفه”في السراء والضراء”الرئيس بري في الحسبان. ولن يكتمل المشهد الرئاسي الا مع اطلالته التلفزيونية المنتظرة للنائب فرنجية غداً، وسط اتجاه حاسم لمضيه في المعركة في مواجهة العماد عون متكئاً في شكل اساسي على تحالفه مع الرئيس بري، وهو الذي يعتبر ان”كثرة اخلاق”“حزب الله”خذلته ومنعته من الوصول الى الرئاسة.
وبرزت امس حركة الاعتراض التي يقودها وزير العدل المستقيل اللواء اشرف ريفي من طرابلس ضد خيار الحريري بتبني ترشيح عون، كما سبق ان عارض خيار ترشيح فرنجية لـ”ارتباطهما بالمشروع الايراني في لبنان”.
واستقبل ريفي، الذي كان افترق عن زعيم”المستقبل” الذي سماه وزيراً في الحكومة الحالية، وفوداً رافضة لخيار الحريري وسط مظاهر احتجاجية في ساحة طرابلس التي شهدت ازالة صور وشعارات ضد الحريري وعون بايعاز من محافظ الشمال، وهو الامر الذي تسبب باعتراض من ريفي.