يشهد سوق العقارات في لبنان ركودا مقلقاً في السنوات الاخيرة بسبب الحرب السورية المشتعلة والاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة حيث انخفضت الاستثمارات الداخلية والخارجية ما ادى الى جمود قاتل في هذا القطاع الحيوي.
ومع هذا الركود الذي نعيشه يلاحظ المراقبون انخفاضا في اسعار الشقق بسبب كثرة العرض وقلة الطلب، فكل من يسعى لشراء عقار أو شقة أو أرض يخاف من دفع تلك الاموال الطائلة وخسارتها في حال تأزم الوضع داخليا فيؤجل الشراء املا بالوصول الى حلّ شامل في المنطقة.
أما بالنسبة للشبان الذين يسعون الى شراء الشقق من اجل الزواج فهؤلاء يبحثون فقط عن الشقق الصغيرة ليقسّطوا الدفعات على مدى 20 و30 عاما فقط من اجل التملك في الوطن.
ولكن ما صحة هذه المعلومات التي انتشرت مؤخرا؟ وهل صحيح ان اسعار الشقق الى انخفاض؟ وما السبب وراء هذا الركود العقاري في لبنان وهل انتخاب الرئيس سيحل الأزمة ونشهد حركة اقتصادية ايجابية؟
خوف من الاستثمار العقاري
الخبير الاقتصادي والمالي والعقاري والتجاري الدكتور خير الدين طباره يؤكد في حديث لـIMlebanon أنه “منذ العام 2011 حين اندلعت الحرب في سوريا انخفض البناء في لبنان ولم يعد هناك زبائن لا للشراء ولا للايجارات، فاللبنانيون الذين يعيشون في الخليج وافريقيا والبرازيل وغيرها من دول العالم توقفوا عن الشراء لانهم خائفون من الاستثمار العقاري في لبنان”.
ويضيف طباره: “مرّت خمس سنوات على الازمة السورية والمصارف اللبنانية تتدين من مصرف لبنان من حساباتها الخاصة التي تملكها ومودعة بموجب قانون النقد والتسليف لكي تبيع الشقة بالتقسيط على مدى 30 عاما وبفائدة 4% لان ليس هناك اي طلب، فالشقة التي قيمتها 150 ألف دولار سيصل سعرها الى 360 ألف دولار بسبب الفوائد على 30 عاما”.
فترة ذهبية للشراء
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حقبية في حديث لـIMlebanon أن “أسعار الاراضي لم تتراجع نهائيا ولكن اسعار الابنية والشقق تشهد تراجعا مهما تبعا للمناطق ونوعية البناء ومساحة الشقق السكنية، فهناك انخفاض في الاسعار يصل الى 20% تقريبا، واذا الشاري يملك الأموال نقدا فيمكنه التملك والشراء، فمثلا إذا الشاري يريد شراء شقة سعرها 100 ألف دولار وعرض دفع مبلغ 80 ألف دولار نقدا فالبائع سيبيع الشقة، وبالتالي هذا الامر الذي يحصل اليوم، والجميع بانتظار ان تتغير الامور وتفرج ايجابا لكي تعود وترتفع الاسعار، وبالتالي الذي يريد ان يشتري فهذه المرحلة تعد بالفترة الذهبية للشراء”.
مجتمع استهلاكي يعيش بالدين.. والاسعار تراجعت 20%
من جهة أخرى، يشير طباره الى أن “لبنان اصبح عائما بالديون، واصبحنا مثل المجتمع الاميركي والايطالي واليوناني، بحيث نعيش بالدين، والمواطن يشتري الشقة ويقسطها على مدى 30 عاما لان مدخوله لا يكفيه، وعلى الرجل ان يسدد القسط هو وزوجته ويمكن ان يساعده والدته ايضا لكي يسدد الفوائد فقط، فالشعب يعيش بالدين من تجار وصناعيين وأصبحنا مجتمعا استهلاكيا، فالمشكلة كبيرة جدا والشعب لا يمكنه ان يخرج منها والدين العام يزداد كثيرا، والحكم في لبنان بورطة اقتصادية ومالية شائكة وسياسية مرتبطة ببعضها”.
ويتابع طباره: “في العام 2011 بدأت الحرب السوربة، ففي اول 8 أشهر لم تؤثر علينا، ولكن مع بداية العام 2012 حصل انخفاض باسعار الشقق والاراضي بنسبة 5% وفي العام 2013 انخفضت الاسعار 5% اضافية، وفي العام 2014 انخفضت ايضا 5%، وفي العام 2015 انخفضت 5% أخرى، فيقدر الخبراء العقاريون ان الانخفاض هو بين 20 و25%، فالشقة التي كانت في بيروت وسعر المتر فيها بـ8000 دولار أصبح بـ6000، والشقة على الرملة البيضاء التي كان “مترها” بـ4000 دولار أصبح بـ3500 وفي الجبال ايضا انخفضت، فهناك عرض ولكن ليس هناك طلب ابدا، ان كان على الصعيد اللبناني او الخليجي او الاجنبي فلا احد يشتري، وكل من معه بعض الاموال يضعها في المصارف”.
انتخاب الرئيس لن يحلّ المشكلة
أما بالنسبة للطلب على شراء الاراضي من اجل بناء الشقق، فيؤكد طباره أن “هذا الامر متراجع بشكل كثيف، والشركات تأمل ان تنتهي الحرب في سوريا ويعم السلام مما سيفتح الباب أمام الشركات اللبنانية لكي تساهم في اعادة اعمار سوريا وهكذا تعوض الذي خسرته هنا لكي تربح في سوريا”.
وفي ما يخص إمكانية انتخاب رئيس للجمهورية وعما إذا كان هذا الامر سيحرك عجلة العقارات، يقول طباره: “في حال انتخاب رئيس فسيكون مكبلا من كل الجهات عربيا واجنبيا وداخليا وخارجيا ولن يقدم ويؤخر وسيبقى الوضع الاقتصادي كما هو، لان علم الاقتصاد والنشاط الاقتصادي والصناعة والزراعة والتصدير كلها امور حقيقية، فيجب ان يحصل انتاجا في لبنان لكي نشهد مبيعات، والشعب لا يملك الاموال ليشتري الابنية والشقق والطبقة الوسطى التي كانت تشكل نسبة 46% منذ زمن تتجه نحو الانقراض”.
الأسعار سترتفع مجددا بعد سدّ الشغور الرئاسي
أما حبيقة فيختلف رأيه بهذا الشأن، ويشدد على أن “انتخاب رئيس للجمهورية سيساهم في رفع الأسعار مجددا لأن اليوم الذي سيتم فيه انتخاب الرئيس ففي اليوم التالي اسعار الشقق سترتفع، وقد تواصل ارتفاعها ولكن حسب تطورالامور لان الصورة لن تتوضح إلا بعد مرور 3 أو 4 أشهر لنرى اذا سيكون هناك حل حقيقي أم ستتعقد الأمور مجددا، لذلك الذي يريد ان يبيع الشقق ينتظر حتى انفراج الامور سياسيا فإذا حصل انتخاب رئيس سيرتفع السعر مجددا وبالتالي من يريد شراء شقة اليوم من الأفضل ان يشتري، وكل الامر يتوقف على البائع والحاجة الملحة للبيع لكي يتقاضى الاموال”.
انتهاء الحرب السورية ينهي الأزمة
ويلفت الى أن “الشقة التي كان سعرها 300 الف دولار اليوم نزل سعرها حوالي 30% لان الشعب ليس عنده قدرة شرائية سوى بالدين، والعقارات على الساحل اللبناني من عكار لصور ومن بيروت لبرمانا وصنين بدأت تنخفض تدريجيا، فالكل يمكنه ان يبيع ولكن ليس هناك من شارٍ، فعندما يكون خط التلاقي للسعر مع العرض ضعيف فينخفض السعر على حدة هذا الانخفاض”.
ويختم طبارة معتبراً ان “ليس هناك ثقة في لبنان وإذا تم انتخاب رئيس للجمهورية فيما بقيت الحرب السورية فلن تتقدم الاسعار وستبقى المشكلة لأن علم الاقتصاد هو علم مادي، فاذا هناك طلب حقيقي ترتفع الاسعار ولكن بسبب الحرب السورية فليس هناك اي استثمارات، وعندما تنتهي الحرب يفرج عن لبنان لاننا في عين العاصفة”.
اسعار الاراضي لا تنخفض
من جهته يقول حبيقة: “أسعار الشقق في لبنان تؤثر عليها عدة عوامل من حجم الشقة وموقعها ونوعية البناء فتلك الامور تتحكم بالاسعار، منطقة الشرق الاوسط من غير المعروف بأي اتجاه ذاهبة وكيف ستتحرك لأن المخاطر موجودة، والاسعار ستتحرك في السنوات المقبلة بشكل مقبول ومقعول والزيادة ستكون بنسبة 10% حسب التطورات والوضع السوري والخليجي وأسعار النفط فتلك العوامل لها تأثير كبير على الأسعار، وانصح كل يسعى لشراء الشقق ان يذهب اليوم ويشتري باسرع وقت ممكن لان هبوط الاسعار لن يستمر كثيرا وعليه ألا ينتظر كثيرا”.
ويشير الى أن “أسعار الاراضي لن تنخفض لأن صاحبها يمكن ان ينتظر وقتا طويلا لكي يبيعها وليس عنده اي شيء ليخسره فالارض في لبنان تحفظ سعرها لا تنخفض بل ترتفع دائما”.
الشركات تخفض الاسعار هربا من الفوائد
أما المهندس المعماري إيلي توما، فيؤكد ان “أسعار الاراضي لم ولا تنخفض بل دائما ترتفع، وإنما اسعار البناء هي التي تراجعت لان ليس هناك بيع، فأسعار الشقق انخفضت قليلا لان العرض اكثر من الطلب، والطلب انخفض لان المواطن لا يملك المال ليشتري، والذي يملك مبلغا لا بأس به يخاف من شراء شقة في الوضع الحالي الذي نعيشه خصوصا ألا احد يضمن البقاء في عمله، ما يدفع الناس باتجاه شراء الشقق الصغيرة أو تؤجل الشراء”.
ويكشف توما عن أن “الشركة التي قامت ببناء ابنية مؤلفة من عدة شقق وأخذت قرضا كبيرا من المصرف ولم تجد سوقا لبيع تلك الشقق فهي مضطرة على تخفيض الاسعار لكي تبيع، فإذا المبنى مؤلف من 20 شقة وباعت الشركة إثنين او ثلاثة شقق فقط، فهناك تقع المشكلة لذلك تضطر ان تخفض الاسعار لتبيع بأسرع وقت ممكن كي لا تتراكم عليها الفوائد وتأكلها ولكي تبقى في السوق ولا تنكسر”.
ويختم توما: “السبب بتراجع الاسعار هو غياب رئيس الجمهورية وغياب الثقة والاستثمارات فكل تلك العوامل تؤثر سلبا على الاسعار والحركة والعجلة الاقتصادية، فالاقتصاد مرتبط بشكل اساسي بالسياسة”.