كتب غسان ريفي في صحيفة “السفير”:
قدم وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي حركتين اعتراضيتين شعبيتين على انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، الأولى في الاعتصام الجماهيري الذي أقيم أمام مكتبه في طرابلس مساء السبت الفائت تحت شعار: “طرابلس الأبية ترفض مرشح الوصاية الايرانية”، والثاني، بالمواكب السيارة التي انطلقت ظهر أمس من عكار الى منزله في طرابلس رافعة صوره، وداعمة مواقفه.
وتضمنت الحركة الاعتراضية الثانية رسالة سياسية واضحة الى من يعنيهم الأمر بأن تمدد ريفي الى عكار بدأ يتحول الى أمر واقع بوجه “تيار المستقبل”، وقد بدأ يترجم بالوفود المستعدة لأن تقطع مسافة 40 و50 كيلومترا للتعبير عن تأييدها له.
أما الاعتصام الجماهيري فجاء تكملة للمسار السياسي الذي يخوضه ريفي من طرابلس ويسعى للانطلاق منه الى كل لبنان.
في شكل الاعتصام الجماهيري قد يختلف الكثيرون في تقدير حجم المشاركين فيه والذي يبقى ثانويا، أمام طموح ريفي الواضح الى تجاوز طرابلس والشمال الى كامل المساحة اللبنانية، بخطاب “تعبوي” يسعى من خلاله الى استقطاب كل معارضي وصول “الجنرال” الى قصر بعبدا، والى تقديم نفسه كمنافس حقيقي للرئيس سعد الحريري في الشارع السني الرافض لترشيح عون.
وقد بدا واضحا أن ريفي لم يتوجه بخطابه الى أبناء طرابلس أو الى السنة فحسب، بل خاطب اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب، بما في ذلك العلويين ما يشير الى محاولات لريفي باتجاه اختراق صفوفهم.
وبالتالي فان ما يتطلع إليه ريفي في الانتخابات النيابية المقبلة هو ليس الفوز بمقعد نيابي في طرابلس، ولكن يتطلع الى منافسة حقيقية تؤهله الحصول على كتلة نيابية تفتح أمامه الباب للجلوس الى طاولة زعماء السنة في لبنان!
لكن ثمة أسئلة كثيرة مطروحة في هذا الاطار لجهة: هل يستطيع ريفي أن يصل الى مبتغاه بامكانياته الذاتية، أم أن ثمة قطبة إقليمية سعودية أو قطرية أو إماراتية أو غير ذلك لا تزال مخفية، ويعتمد عليها وزير العدل المستقيل مستقبلا، أم أن ريفي يسعى من خلال نشاطه السياسي المتصاعد الى تقديم أوراق اعتماده إقليميا، في الوقت الذي تبدو المؤشرات الخليجية غير راضية عن أداء الحريري وخياراته؟
ثم كيف لريفي أن يخوض كل هذه الاستحقاقات وهو لم يترك له صاحبا لا في السياسة ولا في الأمن، وقد ترجم ذلك بوضوح في الاعتصام الجماهيري الذي يبدو أنه بُذل لأجله مجهود كبير سياسي وأمني للتخفيف من حجم الحضور؟ وكيف سيواجه ريفي العهد الجديد في حال اكتمل عقده، وحوصر فيه عونيا وحريريا وأمنيا من كل الاتجاهات؟
الواضح حتى الآن أن ريفي يعتمد على خطاب “المظلومية” الذي يجد دائما من يدغدغ مشاعره في لبنان، وهو خطاب غالبا ما تعتمده القوى السياسية لتجييش الشارع لمصلحتها، وهو شكل أساس اللعبة السياسية التي اعتمدها الرئيس سعد الحريري بعد استشهاد والده، وقبل كل الاستحقاقات النيابية الماضية.
والواضح أيضا أن خصوم ريفي المربكين من حركته اليومية، يقدمون له “خدمات” شعبية مجانية من خلال أدائهم الارتجالي في بعض الأحيان، على شاكلة قرار محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا بازالة اللافتات التي رفعها أنصاره في طرابلس ضد ترشيح عون، في حين أن هذه اللافتات لدى رفعها لم تقدم ولم تؤخر في المدينة باستثناء أنها عبرت عن رأي شريحة رافضة وقد اعتادت طرابلس على هكذا أنواع من اللافتات، لكن قرار إزالتها بهذا الشكل، ونجاح ريفي باستثمار ذلك، وإعادة رفع لافتات جديدة بترخيص من البلدية، أعطى ريفي انتصارا في الشارع لم يكن في الحسبان (أكد ريفي أنه إذا كان العهد الجديد لا يستطيع أن يحتمل لافتة، فكيف سيقبل المعارضة).
أما في مضمون الخطاب الذي ألقاه في الاعتصام الجماهيري، فمن الواضح أن ريفي مستمر في استخدام لغة الجزم، “لن نقبل، لن نستسلم، لن نهادن، لن نسلم البلد” وصولا هذه المرة الى إعلانه “المقاومة السلمية ضد الوصاية الايرانية”، وكل هذه الأمور تحتاج الى أدوات تنفيذ في الشارع، فعلى ماذا يعتمد في هذه المواجهة؟ وكيف سيترجم لاءاته ومقاومته في المستقبل في حال انتخاب عون رئيسا للجمهورية، هل سيلجأ الى التصعيد في الشارع الذي دونه محاذير؟ أم يرد بالقمصان البيض؟ أم أن الأمور لن تتعدى خطابا تعبويا يشحن نفوس المناصرين ويحرضهم سياسيا من وقت لآخر، من الآن وحتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة؟