Site icon IMLebanon

غريب: أزمتنا في النظام وليست بالرئيس

 

 

 

كتب نبيه عواضة في صحيفة “السفير”:

غيّر حنا غريب الكثير من عاداته اليومية. ما إن أصبح أميناً عاماً للحزب الشيوعي حتى «لم يعد وقتي لي»، فالنقابي الذي سطع نجمه في قيادة «تحرك السلسلة» سلب منه العمل الحزبي «فرصة الأستاذ». ربما يحسد الآن طلابه وزملاءه في السلك التعليمي على نعمة الراحة على أمل أن يجد عزاءه في «تحقيق أهدافه».

لم يكن غريب يتصور نفسه أميناً عاماً قبل 20 عاماً، «لان الانتساب الى الشيوعي هو انتساب الى معركة يحمل فيها لواء محاربة الظلم والتميير بين البشر بأشكاله كافة.. من أجل القضية الكبرى». فالمنصب لم يكن هدفاً يسعى إليه منذ أن دخل الى الحزب، قبل أن يشير إلى أنه «في السابق كانت هناك لجنة ترشيحات» هي أشبه بتعيينات، معتبراً أن ما أوصله إلى الأمانة العامة هو تعميق الحزب للممارسة الديموقراطية في الحياة الحزبية الداخلية.

يتصرف بموقعه الجديد بطريقة «القائد الذي تتوزع حوله هيئة أركان متخصصة لكل واحد منهم مهامه المحددة»، يمثل هو في ما بينها «حلقة الربط». وهو يستفيد بذلك، من طريقته في العمل النقابي، فالرجل نجح في جمع فئات متضررة عديدة على نقطة واحدة وربطها بـ «السلسلة». فهل ينجح في مهمته الجديدة وسط نوعية عمل مختلفة، خاصة أن «الأفقية الحزبية تتطلب جهداً إضافياً للإحاطة بمختلف مشاكل المجتمع وليس فقط في أحد جوانبه». أما عملية «التنقيب العمودية فهي تنصبّ على محاربة شياطين التفاصيل وهذا جوهر العمل النقابي، فبالمحصلة كلما كان النقابي ملماً أكثر سياسياً كلما نجح في ربط النضال النقابي ببعده السياسي». وهو استخدم خبرته الطويلة في عضوية المكتب السياسي للحزب الشيوعي في إطار تعريف الأساتذة إلى شيطانهم أو بلغة أكثر تحديداً حثهم على مواجهة «عدوّهم الطبقي».

«أب النقابات»

رابط الناس بـ «السلسلة» يسعى من موقعه على رأس الهرم الحزبي لإعادة «أبي النقابات»، أي «الحزب الشيوعي»، إلى ممارسة دوره وتحمل مسؤولياته «الأبوية» تجاه قضايا أبنائه من عمال وأجراء وموظفين وأساتذة وقطاعات مهن حرة وطلاب ومستأجرين ومزارعين، كما تجاه القضايا النسائية، التي يعطيها حيزاً أساسياً. يعوّل حنا غريب على ذلك ويبدي ثقته بالنتائج مع حفاظ «الحراك الشعبي»على استمراريته «على الرغم مما يصيبه من تراجع في الزخم أحيانا، سرعان ما يعود ليشتعل من جديد مع كل قضية تنتجها أزمات السلطة وليست النفايات آخرها». كما يتوقع أن يسهّل عليه موقعه في الأمانة العامة مهمته في الاستنهاض النقابي والاجتماعي بما يخدم عملية التغيير السياسي والديموقراطي.

يقود ذلك حكماً إلى أدبيات «الشيوعي» عن تلازم المقاومة والتغيير. وما يقتضيه ذلك من «توسيع لمفهوم المقاومة ليشمل ليس فقط الدفاع عن الأرض وتحريرها، بل كذلك تحرير القرار السياسي والاقتصادي من التبعية للخارج ووضع حد للاستغلال والظلم الاجتماعيين». ويؤكد غريب أن «تصعيد الشيوعيين واليسار عموماً للنضالات الجماهيرية لم يكن إلا تعزيزاً لهذا المفهوم الواسع للمقاومة». مفهوم يجب أن يصبح وطنياً «من خلال ربط مهمة التحرير بالتغيير الديموقراطي». ماذا بالنسبة لمقولة «الشعب والجيش والمقاومة»؟ يرى غريب أنها تنطوي في جانب منها على عملية إعفاء الدولة من دورها المقاوم المفترض بها وتحمّل مسؤولياتها على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، سواء لناحية تسليح الجيش والقوى الأمنية أو بعدم التخلي عن مهامها الوطنية في تعبئة كل الطاقات السياسية والشعبية وتوحيدها للدفاع عن السيادة الوطنية، بما فيها تأمين البنية التحتية للصمود». لا تستقيم بالنسبة لحنا غريب مسألة أن تكون «المقاومة التي قدمت التضحيات هي كرامة ترفع الرأس في مواجهة اسرائيل، في حين أن المقاوم نفسه تذله الطبقة السياسية الفاسدة من أجل الحصول على فرصة عمل أو حبّة دواء».

الدولة العلمانية

الواضح، بحسب حنا غريب، أن تحديد طبيعة المرحلة على أنها «بناء الدولة العلمانية الديموقراطية المقاومة» يشكل «رابطاً» تندرج تحته عناوين الإصلاح السياسي، من قانون انتخابات على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي الى استحداث قانون انتخابي يعتمد الإقامة، فتوحيد قانون الأحوال الشخصية واستقلالية القضاء»، إضافة إلى بلورة نوع من التحالف الطبقي بين الفئات المتضررة من نظام الريوع المصرفية والعقارية».

أما في الشق الخارجي، فيفترض غريب أن مواجهة المشروع الأميركي بكل تفرعاته وأدواته، بما فيها أدواته الإرهابية الظلامية، «لا يتم إلا من خلال مشروع المقاومة العربية الشاملة الذي تشكل القضية الفلسطينية قضيته المركزية ويلاحق كل أذرع المشروع الأميركي بما فيها الاقتصادية والاجتماعية».

مقابل الأهداف والأحلام الشيوعية، لا يمكن إلا ملاحظة أنه لم يستطع أن يقوم بالمطلوب منه على مستوى تجديد نفسه، وجلّ ما تحقق هو انتقال ديموقراطي طبيعي بين القيادة الحالية والسابقة، التي يرفض غريب إطلاق صفة السابقة عليها، «فالرفاق هم أعضاء طبيعيون يعملون في الحزب ومعيار التقييم هو معيار عام يرتبط بكل الشيوعيين ومدى تفاعلهم وهو أمر يحفظه لهم النظام الداخلي».

يجزم غريب أن «عملية التجديد عملية غير مرهونة بوقت محدد بقدر ما هي مرتبطة بالتغييرات الكبرى التي تجري على أكثر من صعيد» من دون أن يغفل أن هناك مسارين متلازمين، الأول هو استعادة عدد أكبر من الشيوعيين (عاد منذ انتهاء المؤتمر الأخير مئات الشيوعيين الى الحزب) والثاني محاولة استهداف اللبنانيين من كل الطبقات والشرائح الاجتماعية المتضررة. يحصل هذا التوجه لدى «الشيوعي» بالتزامن مع إنشاء مدرسة حزبية تثقيفية لتأهيل الكادر الحزبي يشرف عليها نخبة من الأساتذة الجامعيين (مدة الدراسة فيها 9 أشهر وقد بلغ عدد طلابها 40).

يمارس «الشيوعي»، منذ فترة، عملية نقد ذاتي تجاه عائلات الشهداء، تجلت بالزيارات التي يقوم بها غريب الى كل بيت شهيد شيوعي، الأمر الذي ترك ارتياحاً عاماً لدى الكثير من الشيوعيين وأصدقائهم. وعن هذا الموضوع يقول غريب «نحن لم نبدأ من الصفر، نحن حزب يفتخر بتاريخه ويعتز به».

لنا مرشحنا للرئاسة

أين «الحزب الشيوعي» من آخر المستجدات السياسية، وخاصة على صعيد ترشيح سعد الحريري للعماد ميشال عون؟ يرد الغارق في ورشة عمل حزبية ـ تنظيمية ـ سياسية بسؤال آخر: «لو حصل هذا الـمر قبل سنتين ونصف سنة أما كان سعد الحريري قد وفّر على اللبنانيين كل تلك المعاناة؟ ألم يتم رفض مطالب الحركات الشعبية والنقابية بذريعة شلل المؤسسات التي تسببت بها كل أطراف السلطة ودفع ثمنها اللبنانيون في حقوقهم المعيشية والاجتماعية؟».

يضيف غريب: بدل التباكي على أمور الناس كان الأجدى السير بجلسات تشريع الضرورة لتحقيق تلك المطالب، وفي مقدمتها إقرار سلسلة الرتب والرواتب وغيرها من القوانين التي تهم قطاعات نقابية وعمالية وتربوية ومهنية. ويشدد على أن الأزمة ليست أزمة انتخاب رئيس بل هي أزمة نظام سياسي طائفي مولّد للأزمات ومعطّل لكل الحلول. ولكن لو كان للحزب نائب في البرلمان الحالي، فمن كان ليختار بين ميشال عون وسليمان فرنجية؟ يجزم غريب أنه لو كان للحزب نائب واحد لكان رشّحه لمنصب رئيس الجمهورية حتى لو نال صوتا واحدا «فالذي يحكم هذا الموضوع هو البرنامج لا الأسماء».