Site icon IMLebanon

الربح والخسارة في معركة الرئاسة اللبنانية (بقلم بديع قرحاني)

baabda new

 

كتب بديع قرحاني

 

جردة الربح والخسارة في معركة الرئاسة اللبنانية لم تحن بعد، لكن مجموعة حقائق تطفو على سطح التطورات الأخيرة المتسارعة، وهي تستحق بالتأكيد قراة متأنية.

الحقيقة الأولى هي أن مبادرة الرئيس الحريري الرئاسية شكلت منعطفا حاسما في إتجاهين: الأول الخروج من حالة الجمود التي تلامس الإنتحار البطيء في النظام السياسي اللبناني، والثاني إخراج إتفاق الطائف من الغيبوبة التي طالت، وضخ دماء جديدة وزخم جديد في شرايين المؤسسات الدستورية اللبنانية، رغم ان العماد عون حليف “حزب الله” هو احد ابرز رافضي اتفاق الطائف، فهل تغير الجنرال؟!

أبعد من ذلك، لقد قطعت المبادرة الطريق على الإجتهادات الداخلية والإقليمية التي ربطت بين تعطيل المؤسسات اللبنانية وتعطيل الصيغة الميثاقية، وأعادت الإعتبار إلى هذه الصيغة، التي صمدت في وجه كل التجارب، طوال المئة سنة الأخيرة.

الطائف اليوم بخير والميثاقية بخير، والكلام على “مؤتمر تأسيسي” أو نظام بديل  صار من الماضي. بل إنه يمكن القول إن المرحلة الإنتقائية في تطبيق الطائف (في زمن الوصاية السورية) قد انتهت، والفترة المقبلة واعدة وقد تشكل الإنطلاقة الحقيقية لـ”الطائف” الذي توافق عليه اللبنانيون قبل أكثر من ربع قرن ولم ينفذ بعد، وهذا متوقف على الرئيس ميشال عون.

في السياق إياه يمكن القول إن الرئيس سعد الحريري الذي ورث عن والده رئاسة الحكومة، في ظروف إستثنائية معروفة، وخرج من القصر الحكومي في ما يشبه الحركة الإنقلابية، يعود اليوم  ليدشن حقبة جديدة تغلب عليها الإستقلالية في الإداء الحكومي، بعدما أضاف إلى معادلة التوريث معادلة جديدة ذات بعد إنقاذي واضح للصيغة والنظام والوطن.

بكلام آخر، يمكن القول إن لبنان يدخل بثقة عملية مصالحة وطنية يدشن معها بدايتين تاريخيتين: العودة إلى تطبيق الطائف بمحتواه الحقيقي لا الإستنسابي، والتأسيس لحريرية حقيقية على يد الحريري العائد. ومن الواضح أن رئيس الحكومة الجديد المبادر استطاع في أيام قليلة إرساء الدولة والصيغة على أسس صلبة، وتوظيف رصيده النيابي كزعيم أكبر كتلة متنوعة، في تعزيز حصانة لبنان الوطن، لا في تعزيز نفوذ أي طرف خارجي على حساب لبنان، ما يعني إفشال الحسابات الرامية إلى تبديل الهوية اللبنانية ودور لبنان العربي.

وما لا يجادل فيه أحد هو أن سعد الحريري وضع تفاهمات “حزب الله” والتيار العوني على المحك، وأعاد النبض إلى مشروع الدولة إلى حد أن السيد حسن نصرالله، ولأول مرة بهذا الإعتراف الحاسم، أكد في نهاية المطاف على أن الدولة وحدها هي الحل… وكأنه يدفع  عن نفسه التهمة القائلة – وعن حق – إن هناك ميليشيا تسيطر على البلد بدعم خارجي، ومشروعها الأول والأخير إلغاء الدولة، على الطريقة الحوثية الصالحية هذه الميليشيا حليفة رئيس الجمهورية الجديد، وأكرر السؤال: هل تغير الجنرال؟!

تبقى حقيقة أخرى، وهي ليست الأخيرة، وخلاصتها أن المملكة العريبة السعودية التي لم تدر يوما ظهرها للبنان، والتي برهنت طوال عقود على أنها الشقيق الأكبر في مساندته وتحصين إستقراره الإقتصادي والسياسي والإجتماعي والأمني والإستراتيجي، أوفدت إلى بيروت مسؤولا معروفا بصلابة مواقفه من مشاريع الإمبراطوريات الجديدة، كي يواكب من قرب العبور اللبناني إلى العافية السياسية، ويكرس مرة أخرى التمسك بدستور الطائف، وموقع رئاسة الحكومة المتحرر من أي ارتهان خارجي. المملكة هنا وفية لنفسها ووفية للبنان، وهي تحرص على تحرير الطائف من الإلتواءات التي رافقت تطبيقه منذ ولادته، وتستعد لمد يد العون إلى المؤسسات الدستورية اللبنانية من دون شروط أو إملاءات أو مساومات.

اضافة الى مبادرة الحريري فان موقف الرئيس نجيب ميقاتي لا يقل أهمية بل على العكس الرئيس ميقاتي الذي يدعم اي مبادرة إنقاذية للوطن مع تحفظه على انتخاب العماد ميشال عون لأسباب عديدة أبزرها مواقف عون من الطائفة السنية اضافة الى تجربة ميقاتي الذي عانى الامرين من الحريري وعون معا لدرجة التخوين، فجاءت هذه المبادرة بمثابة إعطاء براءة ذمة للرئيس ميقاتي ولا ابالغ ان قلت هو بمثابة اعتذر من الرئيس الحريري للرئيس ميقاتي عن كل ما اتهم به ميقاتي ايام ترؤوسه الحكومة. ويكفي الرئيس ميقاتي شرفا ان الحكومة الجديدة سوف تعتمد في بيانها صيغة حكومة ميقاتي كما سماها الحريري نفسه.

اما وزير العدل اللواء اشرف ريفي الوفي والمخلص لمبادئه ولشهداء قوى ١٤ اذار فاختار منذ ان قدم استقالته من الحكومة ان يتجه الى المعارضة واصراره على التمسك بمبادئ قوى ١٤ اذار اي كان الثمن.

أما التشرذم اللبناني الداخلي، على امتداد المحاور والإصطفافات الإقليمية، فهو مرشح لإعادة تشكل تعلي مصلحة الصيغة الميثاقية والوطن على أي مصلحة أخرى، وهذا الامر يتوقف ايضا على الجنرال البرتقالي.