كتب وسام سعادة في صحيفة “المستقبل”:
ليس هناك حتمية تحكم سلفاً على التشكيل الحكومي بأن يتعثر. معنى ذلك أنّ الخطوات المتتابعة، من انتخاب الرئيس وخطاب القسم، الى التكليف، الى التأليف، غير مستلبة بباب موصد سلفاً، وإن كان لكل خطوة من هذه إطارها، وما يسندها، وما يواجهها.
بالإمكان القول إن “خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس ميشال عون فور انتخابه وأدائه اليمين يساهم على نحو إيجابي بتسهيل النقلة باتجاه التكليف ثم التأليف، وكذلك الفرحة الشعبية لأنصار الجنرال في الشارع، فإنها قوة ضاغطة على التركيبة ككل في نهاية الأمر كي تسرع في الإقلاع بالعهد، وهو ما لا يتأتى من دون طاقم حكومي جديد، طاقم يطرح عليه في الفترة المقبلة، وقبل كل شيء آخر، التقدم بمسودة قانون انتخاب جديد للمجلس النيابي، أو العودة الى قانون الستين، إن لم يكن هذا متاحاً، وفي الحالتين التأهب للانتخابات النيابية.”
باتت حالة الجفاف التي يعاني منها النظام السياسي، في الإحالة الى مشروعية شعبية من خلال الصناديق، تفرض نفسها كمشكلة خطيرة بالنسبة للاستقرارين السياسي والاجتماعي. ولا يمثل سدّ الشغور الرئاسي في هذا المجال إلا جانباً من معادلة أوسع، معادلة لا تجد طريقها للمعالجة إلا بتسهيل شروط الانتقال من نجاح الانتخابات الرئاسية، بعد طول انتظار، الى نجاح الانتخابات النيابية، بعد ثلاث سنوات، أو أربع – حتى الموعد المحدد حالياً للاستحقاق.
انطلاقة العهد لا تعني فقط نهاية الشغور. تعني أيضاً، أو يُفترض عدم الإطالة في دوامة رئيس بلا حكومة (آخر سنة من عهد الرئيس سليمان) فحكومة بلا رئيس فرئيس بلا حكومة.
تركيبة الحكومة المنتهية تصلح أن تكون “مسودة التشكيل” للحكومة الجديدة الى حد كبير، وتجربة البيانات الوزارية وعناء كتابتها ثم تدوير الزوايا الحاصل في كل منها، ثم خطاب القسم الآن، مما يساعد على كتابة البيان الجديد.
بانتخاب الرئيس تعود الصفة التشريعية للمجلس النيابي. لكن كي تستقيم هذه الصفة التشريعية يُفترض أن تتشكل السلطة التنفيذية في حكومة جديدة، كي تُحال المشاريع منها الى البرلمان، ومن جملتها مسودة قانون الانتخاب. الحؤول دون تشكيل حكومة سيعطل سلطتين في وقت واحد، التنفيذية والتشريعية، وهذا سيكون تصعيداً خطيراً من العقل التعطيلي، المكتفي في السنوات الماضية بتعطيل قناة وإباحة أخرى. من هنا، الوضع الدستوري العام، يعطي دفعاً للتشكيل، مع مطلع العهد. ان تقلع التشكيلة لاحقاً فهذه مسألة أخرى.
وبانتخاب الرئيس تعود طاولة الحوار مجدداً الى القصر الجمهوري، هذا إذا كان الرئيس عون سيحافظ على هذه الصيغة. في المقابل، مرجعية رئيس المجلس ستكون مرتبطة بتفعيل الصفة التشريعية لهذا المجلس، وفي مرحلة حساسة، من انتخاب الرئيس، الى الانتخابات النيابية، وهذا أيضاً يمكنه أن يلعب دوراً ايجابياً باتجاه التشكيل.
بطبيعة الحال، سيستفيد “حزب الله” من كل تنازع بين القوى المختلفة إبان التشكيل، وبالتالي، كلما نظم التفاوض على المعايير والمناحي التي تحكم هذه العملية، كان بالإمكان تحويل هذه الاختلافات الى قابلة للتوفيق، أي حائلة دون أن يتمترس “حزب الله” خلفها.
السعي باتجاه تفاهم “ما بعد الانتخاب” و”ما بعد التكليف” مع الرئيس نبيه بري لن يكون من جهته سهلاً، لكنه غير ممتنع بصفة استباقية هو الآخر. ما حدث في الأسابيع الماضية من تشنجات ينبغي أن لا يظهر كخسارة للرئيس بري، وإنما كعودته الى صدارة المشهد، بعد سنوات طويلة احتكر فيها “حزب الله” هذه الصدارة. الحؤول دون الانفعال التصادمي مع الرئيس بري فيه مصلحة أكيدة للقوى التي أوصلت عون للرئاسة، والموجودة في موقع الخصومة المحتدمة مع “حزب الله”. يفترض أن لا تكثر من خصومك. إذا كان خصمك بمنزلة “حزب الله” فالأحرى أن تستبعد كل مشروع خصومة مع الرئيس بري وحركة “أمل”.
يُوجد الاتفاق على انتخاب عون فرصة جديدة لإحياء التنسيق المنهجي بين تيار “المستقبل” و”القوات اللبنانية”، مثلما أن المصالحة المسيحية بين “القوات” و”التيار العوني” أمامها طور تطبيقي يُراقب يوماً بيوم. كذلك تطوير التفاعل بين تيار “المستقبل” وبين التيار “الوطني الحر” بمقدوره أن يضيف قيمة ايجابية لهذا المسار، أما علاقة عون بـ”حزب الله” فغير مرشحة لتبدلات دراماتيكية في الأمد المنظور.
الرئيس عون موجود في تحالف مع “حزب الله” منذ عشر سنوات. عندما ينظر الى خطاب قسمه على أنه جيد، فليس من موقعه أن يفك عرى هذا الحلف، وإنما هو خطاب قسم جيد لأنه ينفتح على وجهة النظر الأخرى في البلد، وهو يلاقيها في عناوين مفتاحية مشتركة، ليس أقلها السياسة الخارجية المستقلة. كذلك، يمكن النظر بإيجابية الى عدم تعاطي الخطاب مع المقاومة كجسم أو كيان قائم بذاته، وربطها بالمشترك اللبناني من ناحية، وبالصراع مع إسرائيل كإطار تعريفي لها من ناحية ثانية.
هذه الروحية تساعد على التشكيل الحكومي، علماً أن القوى التي بمقدورها أن تضع العصي في الدواليب معلومة، وهي بمقدورها أيضاً أن تخفف من العرقلة، إذا ما وجدت، وهناك حظوظ كبيرة لذلك، بأن من مصلحتها هي أيضاً تسهيل إقلاع العهد.
أما التحالفات وخارطتها فمن المبكر اليوم الحديث عن أي خلط أوراق. لاحقاً، مع قانون الانتخاب ثم الانتخابات النيابية، قد يكون ذلك متاحاً بحدود وشروط معينة.