كتبت ليا القزي في صحيفة “الأخبار”:
بات محسوماً أن النائب سعد الحريري سيُكلَّف تأليف أولى حكومات العهد الجديد، استناداً إلى نتائج اليوم الأول من الاستشارات الملزمة التي ستُستكمل اليوم. ضُخّ الدم من جديد في دوائر القصر الجمهوري بعد فراغٍ طويل. ومن المتوقع أن تنعكس الحركة فيه إيجاباً في مواقف معظم الكتل النيابية التي ستُسهّل تشكيل الحكومة الجديدة.
الجولة الأولى من الاستشارات النيابية لتسمية رئيس أولى حكومات العهد انتهت لمصلحة النائب سعد الحريري، الذي نال 86 صوتاً من أصل 90 نائباً حضروا أمس إلى قصر بعبدا.
النواب الأربعة الباقون هم نائبا الحزب السوري القومي الاجتماعي اللذان أودعا الاسم لدى رئيس الجمهورية من دون الإفصاح عن خيارهما، ونائبا حزب البعث اللذان امتنعا عن تسمية رئيس للحكومة.
لم تكن النتيجة مفاجئة. التسوية الرئاسية تسير وفق المسار الذي رُسم لها، وحظّ الحريري سيكون بالتأكيد أفضل من حظّ رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يرد مبغضو التسوية أن تمرّ جلسة انتخابه من دون “حرتقات”، في محاولةٍ منهم لامتصاص فرحة الجمهور العوني وإثارة أعصاب “الجنرال”. لم يعد يهمّ إن كان عون قد فاز من الجولة الأولى أو الرابعة، ما دام الهدف قد تحقق. وها هو اليوم يتنقل في القصر الذي تربطه به علاقة عاطفية، بين مكتبه وصالون السفراء حيث التقى الكتل النيابية.
قبل سنتين ونصف سنة، كان القصر الجمهوري الذي يقع على تلّة خضراء في بعبدا، هادئاً. سيطر عليه الفراغ، من رأس الهرم وصولاً إلى عدد كبير من الكادر البشري العامل فيه. هذه الصورة تبدلت منذ يومين. الانتشار الأمني الكثيف على الطريق المؤدي إلى المقر الأول في الجمهورية اللبنانية، يؤكد ذلك. الأعلام اللبنانية تقود الوافد إلى القصر، الذي يلاقي عند الحاجز الثاني عناصر من لواء الحرس الجمهوري ينظفون الطريق. التأهب هو السمة المسيطرة على كل وحدات القصر، الإدارية والعسكرية، التي تستكمل الورشة التي بدأت بها قبل مدة. “هناك هيكلية ونظام يلتزمهما الجميع”، تقول مصادر في القصر الجمهوري. من غير المعلوم بعد إن كان التغيير سيطاول المسؤولين في المديرية العامة والوحدات التابعة لها، “هذه الأمور بحاجة إلى القليل من الوقت”. ولكن يُمكن التأكيد أنّ “التنسيق أكثر من جيد مع الرئيس الجديد”. عون تأقلم بسرعة مع نمط حياة القصر الجمهوري. انزعاجه الوحيد أنه “تغيرت عليي النومة بالليلة الأولى، ولكن تاني ليلة مشي الحال”، كما ردّ على سؤال أحد أعضاء تكتل التغيير والإصلاح أراد الاطمئنان إلى حالة “عماده”. ما يُسهل على عون إقامته في بعبدا، هو وجود رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى جانبه. وزير الخارجية والمغتربين يشغل أحد مكاتب القصر الجمهوري، واستقبل فيه أمس مدير مكتب الحريري، ابن عمته نادر الحريري. “اللقاء كان عادياً وبروتوكولياً”، استناداً إلى المصادر المتابعة.
لكن “إقامة” باسيل في بعبدا، ولو أنها غير دائمة، استفزت رئيس مجلس النواب نبيه بري، ما دفعه إلى التصريح أول من أمس: “على حد علمي، المجلس النيابي انتخب شخصاً واحداً هو عون”. لم يمرّ كلام بري مرور الكرام في القصر الجمهوري، فقد سجّل عون تحفظه عليه، كما أفصحت مصادر مطلعة لـ”الأخبار” التي لم تجزم ما إذا سيكون باسيل موجوداً في القصر دائم، “حالياً هناك الكثير من الزوار الذين يأتون والوزير يستفيد من ذلك ليعقد اللقاءات”، ولا سيّما أنه ستبدأ في المرحلة المقبلة المفاوضات من أجل تأليف الحكومة وتوزيع المقاعد.
مدير مراسم مكتب رئاسة الجمهورية لحود لحود ومدير المكتب الإعلامي رفيق شلالا جاهزان لاستقبال الضيوف. لا يُبدل الأخير من عاداته، فيوزّع الإرشادات على الصحافيين الذين خُصصت لهم مساحة معينة من البهو. ثلاث موظفات من مكتب البروتوكول إلى جانب زميلٍ لهن تأهّبن لمرافقة السياسيين إلى الصالون حيث ينتظرون دورهم لمقابلة الرئيس.
التغيير الأول الذي شهدته دوائر القصر هو اتفاق عون مع قائد الجيش العماد جان قهوجي على تعيين العميد سليم الفغالي قائداً للحرس الجمهوري. صحيح أنّ الأخير لن يتسلم مهماته قبل 7 تشرين الثاني، إلا أنه بدأ يتردد إلى مقرّ عمله الجديد ويعقد دورياً اجتماعات مع قائد الحرس الجمهوري السابق وديع الغفري من أجل تنسيق انتقال القيادة وتوزيع المهمات. يمضي الغفري آخر أيامه في القصر قبل أن يُصبح في تصرف قائد الجيش ويأخذ إجازة يبدأها بزيارة لسيّدة لورد في فرنسا.
الأجواء السياسية في القصر الجمهوري إيجابية. المصادر تتوقع أنّ “تتألف الحكومة خلال أسبوعين”. الحسابات التي تعمل وفقها المصادر هي أولاً أنّ أياً من الأطراف “لا يريد عرقلة أولى حكومات عهد عون، خاصة أنّ الحريري سيكون تكليفه من قبل أكثر من 100 نائب”. ثانياً، تستند المصادر إلى كلام بري أول من أمس، فترى أنه يفتح باباً في جدار الأزمة. أما السبب الثالث، فهو أنّ هذه “هي حكومة انتخابات نيابية، ما يعني أنها لن تطول والكل سيتمثل بها، إذ من المتوقع أن يكون عدد الوزراء 30”. الإيجابية التي تتعامل معها دوائر القصر تنسحب أيضاً على معظم أعضاء الكتل النيابية الذين تواصلت معهم “الأخبار”.
بداية اليوم الأول من الاستشارات الملزمة كانت مع الرؤساء تمام سلام، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، سعد الحريري، ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري. ما إن وصل الأخير حتى مازح أحد العاملين في القصر، قائلاً: “الحق عليك أخرتني لهلّق. كان بدي خلّص بكير”.
الحريري غادر بعد لقائه عون، ليعود قبيل موعد كتلة المستقبل مع عون يُرافقه النائب عقاب صقر ونادر الحريري ومستشاره هاني حمود. مصادر المستقبل قالت إنّ “الأهم من الكلام الذي تبادلناه مع عون كان لغة الجسد والارتياح بين فخامته ودولته”. حتى السنيورة “قال له عون إنه لا خلاف أو عداء مع أحد، والاختلاف بالرأي مُرحب به”. تيار المستقبل مرتاح إلى أجواء التكليف. لا يشغله موقف حزب الله “شبه المحسوم أنه لن يسمي الحريري”. أما بالنسبة إلى بري “فلن نتخلّى عنه بسهولة”، تقول المصادر مؤكدة أن “المستقبل لم يقطع التواصل مع أي من الأطراف”. يهمها التذكير بأنّ “الاتفاق مع التيار الوطني الحر ليس موجهاً ضد أحد. هناك أمور جرى توضيحها وأمور أخرى في طور التوضيح”، فتبدو متفهمة أنّ “بري ليس أي شخص ومن حقه أن يعرف ماذا يدور”، مع التشديد على أنه “لم يتم الاتفاق على شيء في ما خص توزيع المقاعد”. تنفي المصادر ما نشرته “الأخبار” أمس عن توزير نادر الحريري، “لأنه يعتقد أنه من خلال الموقع الذي يشغله حالياً بإمكانه خدمة الرئيس الحريري أفضل”. وكان النائب خالد الضاهر قد وصل بعد أن غادر معظم أعضاء كتلة المستقبل “على الرغم من أنهم وجهوا لي دعوة”، كما قال. ولكن الحق “على عجقة السير التي أخرتني وعلى السائق الجديد الذي أضاع طريق القصر”. طلب الضاهر من عون “حقيبتين وزاريتين لعكار”.
زحمة السير أخّرت أيضاً النائبة ستريدا طوق عن الوصول على الموعد المُحدد، “تصوروا ساعة ونص من معراب لهون”. أدّى ذلك إلى دخول النائبين ميشال المر ونايلة التويني قبل كتلة القوات اللبنانية للقاء عون. لم يسلم النائب إبراهيم كنعان من “غزل” طوق، “شو هالصورة أنا واياك عا درج المجلس”، قاطعةً خلوته السريعة مع النائب جورج عدوان. طوق نقلت تهاني رئيس الحزب سمير جعجع لعون بانتخابه، مُعربةً عن تأثرها من قول العماد لها: “مبروك إلنا كلنا، لو ما اجتمعنا ما كنا حققنا هالنتيجة”. هي وصفت اللقاء مع الرئيس بـ”الحميم”، فيما أعضاء من كتلة القوات اللبنانية نقلوا إعجابهم بشخصية عون وذاكرته القوية، “قال لنا إنّه إن فشلنا نفشل كلنا وإن نجحنا ننجح كلنا”.
أما اللقاء مع وفد تكتل التغيير والإصلاح فكان “نُسخة عن لقاءات التكتل. نحن معتادون على بعضنا”. جلسة “نوستالجيا استعدنا خلالها الذكريات”. وبعيداً عن المشاعر “بحثنا موقف كتلة التنمية والتحرير التي تريد ضمانات قبل تسمية الحريري، وحزب الله يحاول القيام بجهود الساعات الأخيرة لذلك طلب تأجيل موعده”. تتوقع المصادر أن تتألف الحكومة من “30 وزيراً لإرضاء الجميع وسيكون هناك العديد من وزارات الدولة”.
استُكمل اليوم الأول من الاستشارات باستقبال، تباعاً، الوزيرين ميشال فرعون وبطرس حرب، كتلة نواب حزب الكتائب، كتلة وحدة الجبل، كتلة نواب لبنان الحر الموحّد من دون رئيسها النائب سليمان فرنجية، كتلة حزب البعث، النائب أحمد كرامي، كتلة الحزب القومي وكتلة جبهة النضال الوطني واللقاء الديموقراطي. على أن تُستكمل الاستشارات اليوم، وفي البدء سيكون موعد كتلة الوفاء للمقاومة.