يعتبر بعض الافرقاء الداخليين ان الانتخابات الرئاسية جرت باتفاق لبناني – لبناني فرض نفسه على القوى الخارجية التي سرعان ما أمّنت له الغطاء، في وقت تعتبر جهات سياسية أخرى تتحدث عن قرار فاتيكاني – أميركي – فرنسي – اقليمي تبلور في الأسابيع الماضية وسمح باجراء الاستحقاق كون الانتخاب ضرورياً لتحصين الاستقرار على الساحة اللبنانية ليس أمنيا فقط، انما اقتصاديا وسياسيا أيضا. ويرى مؤيدو وجهة النظر هذه أن الضوء الاخضر الدولي – الاقليمي الذي أوصل الرئيس العماد ميشال عون الى قصر بعبدا والرئيس سعد الحريري الى السراي، سينسحب أيضا على عملية تأليف الحكومة لتسهيل انطلاقة العهد الجديد.
ويصف هؤلاء عبر “المركزية” التفاهم الذي أبصر النور بـ”التسوية الضرورية” لمواكبة المرحلة الانتقالية التي تمر بها المنطقة، وقد خيطت خطوطها وفق صيغة تُبقي “البازل” اللبناني وتوازناته الدقيقة، على حالهما، الى حين انتهاء مخاض الحلول السياسية للنزاعات الدامية في الاقليم والمتعثرة حتى الساعة. ومن شأن الخطوة “الاستباقية” هذه، حفظ رأس لبنان وتزويده بمظلة واقية تمنع اصابته بشظايا النيران الملتهبة حوله.
في الموازاة، تشير مصادر قيادية في قوى 14 آذار، الى ان التسوية المذكورة كانت عادلة ومتوازنة، اذ ضمنت وصول شخصيتين قويتين في بيئتهما وبيتيهما السياسيين الى رئاستي الجمهورية والحكومة، ولم تكرّس غلبة فريق أو محور على آخر، مبدية اطمئنانها الى مضمون خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس عون، وقد أتى ليؤكد ان كفة الميزان السياسي لم “تطبش” لصالح المحور الايراني بل دل الى ان الرئيس عون سيكون جامعا ووسطيا وقد تحرر من كل التزاماته السابقة. غير ان هذه الحقيقة لا تعني ان علينا ان “ننام على أمجادنا”، تتابع المصادر، بل ان أعيننا ستبقى مفتّحة لمراقبة مسار العهد الجديد ومنع انحرافه نحو اتجاهات يمكن ألا تلتقي والمصلحة والسيادة اللبنانيتين.
وليس بعيدا، ترى المصادر أن من الضروري رصد حركة الرئيس المنتخب على المسرح الدولي والاقليمي في المرحلة المقبلة، حيث يفترض ان تكرّس مرة جديدة موقع لبنان الرسمي “الوسطي” غير المنحاز لأي محور في المنطقة. ففي أعقاب الاتصال اللافت الذي أجراه العاهل السعودي الملك سلمان بالرئيس عون مهنئا، لا بد أن تكون لرئيس الجمهورية جولة على الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، في محاولة لاعادة الدفء الى العلاقات بين بيروت والرياض التي أصيبت بفتور في الفترة الماضية، بما يساعد على اعادة الخليجيين والعرب تدريجيا الى الربوع اللبنانية. كما قد يزور الرئيس عون تركيا، ولا ضير والحالة هذه، أن تشمل زياراته إيران أيضا.
وفي عود على بدء، تعتبر المصادر ان التسوية اللبنانية الطرية العود “مؤقتة” وأراد ناسجوها الخارجيون، أن تصون ميزان القوى المحلية وتمنع انتصار فريق على آخر، الى حين اتضاح مصير الكباش الدائر في الاقليم ومعالم التسوية القادمة اليها وحصة كل فريق اقليمي منها.