IMLebanon

الوحدة الوطنية… حول المحاصصة! (بقلم رولا حداد)

serail-2

كتبت رولا حداد

عودٌ على بدء، وكأنه بات عرفاً في لبنان تشكيل حكومات تشبه مجلساً نيابياً مصغّرا. الكل يريد أن يشارك في الحكومة. لا أحد يريد فعلياً أن يكون في المعارضة التي يُفترض أن تبقى خارج الحكومة، تراقب وتحاسب وتوجه الأسئلة وتفضح للرأي العام كل الممارسات الخاطئة. والأسوأ أن ثمة من يريد أن يكون معارضة داخل الحكومة، في استعادة لحقبات ملّ اللبنانيون منها منذ 26 عاماً.

في الدول الديمقراطية تتشكل حكومات وحدة وطنية في حالات محددة، مثل حالات ما بعد الحروب حيث يُفترض أن تتم مصالحات وطنية، أو في حال النية في الذهاب إلى حرب ما، بحيث يشارك جميع الأطراف في تحمّل مسؤولية القرارات التاريخية، أو أيضاً عند الأزمات الكبرى. أما في لبنان فالاستثناء أصبح القاعدة، وبات تشكيل حكومة مرادفاً لتوزيع مغانم السلطة وليس لتنفيذ برنامج حكم. من هذا المنطلق يمكن فهم كيف أن كل الأطراف، وحتى الذين عارضوا انتخاب رئيس الجمهورية، يستقتلون للمشاركة في الحكومة، في حين أن المنطق الديمقراطي البسيط يفرض عليهم أن يكونوا في صفوف المعارضة!

الأسوأ في لبنان أن المفاهيم الدستورية سقطت. فمهمات الوزير تبدأ بالشراكة في اتخاذ القرارات السياسية التي باتت من صلاحية السلطة التنفيذية، أي مجلس الوزراء مجتمعاً، إضافة إلى تسيير أمور وزارته وليس تحويلها مغارة للخدمات الطائفية والمذهبية والحزبية الضيقة على حساب المصلحة العامة. لكن الواقع تحوّل مأسوياً، بحيث أن دور معظم الوزراء على طاولة مجلس الوزراء بات ثانوياً، ويختصره عدد من الزعماء خارج الحكومة، في حين يعوّض الوزراء بـ”التنفيعات” التي يحصلون عليها في وزاراتهم.

في هذا الإطار يمكن فهم تصنيف الوزارات بين “سيادية” و”خدماتية” و”عادية”، وبين وزارات “دسمة” ووزارات “عادية”. وبالتالي فإن الصراع على نوعية الحقائب لا يمكن أن يدخل على الإطلاق في باب الخدمة العامة، بمقدار ما يهدف الى تحقيق خدمات خاصة وضيقة، تسمح للوزير المعني ومن وراءه، باستغلال الوزارة المعنية لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية وانتخابية، في حين أن الوزارات هي لتحقيق الإنماء الشامل لجميع اللبنانيين وليست باباً للخدمات الخاصة.

وكأنه لا يكفي الصراع على الحقائب الوزارية، ليأتي إصرار قسم كبير من الطبقة السياسية على منطق “حكومة الوحدة الوطنية”، بهدف إتاحة أكبر مشاركة سياسية في الحكومة، ولو كان ذلك حكماً على حساب الإنتاجية وتحقيق الإنجازات. فليس المطلوب في لبنان قيام دولة حقيقية، بل كل ما يسعى إليه البعض هو الإبقاء على المزرعة اللبنانية السعيدة لأرباب الطوائف.

والطريف أن كل هذا التناتش هو على حكومة يُفترض أنّ عمرها لن يتجاوز أشهر قليلة لأن موعد الانتخابات النيابية هو في ربيع 2017، وبالتالي أي وزير سيتمكن من تحقيق إنجازات في 6 أشهر؟ أم أن السباق على “الجبنة الحكومية” يتضاعف بمفهوم المزرعة اللبنانية في حكومة ستدير الانتخابات، وبالتالي يجب استغلال موارد الدولة حتى آخر خدمة في كل وزارة استجداءً لآخر صوت انتخابي؟!

ثمة مفارقة إضافية على هامش تشكيل الحكومة الجديدة، وتتمثل في التناتش القائم على الحصة المسيحية حصراً، بمعنى أننا لم نشهد مطالبات حقيقية لتسمية وزراء سنّة وشيعة وحتى دروز، في حين كان التهافت هو على الوزراء المسيحيين. فلماذا لا يكون مثلا لرئيس الجمهورية وزراء من الطوائف الإسلامية؟ ولماذا يصرّ الرئيس سعد الحريري على تسمية وزراء مسيحيين وليس شيعة أو دروز، طالما يصرّ على أنه رئيس تيار عابر للطوائف، إلا إذا كان عابراً في اتجاه واحد!

في الخلاصة، إن بداية الحلحلة تكون عبر العودة إلى حكومة متجانسة تحكم، ويقوم الفريق الآخر بممارسة المعارضة الفاعلة ضمن إطار النظام الديمقراطي. عندها يمكن محاسبة أي وزير يستخدم وزارته لمصالح شخصية أو حزبية. كما أن الحكومة المتجانسة وحدها يمكنها أن تتخذ قرارات حقيقية، في حين أن حكومات الوحدة الوطنية لطالما كانت وستبقى حلبة للتجاذب السياسي الذي يعطل البلد ويشل الحياة السياسية والاقتصادية. فهل من يتعظ أم أننا أدمنّا تكرار الأخطاء؟!