كتب داود رمال في صحيفة “السفير”:
في مستهل آخر خلوة حوارية في الصيف الماضي، قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري للمتحلقين من حوله يمينا ويسارا بأن تعالوا نحدد المنطلقات المشتركة بين الجميع. أكد أن الطائف هو أول المنطلقات الدستورية والميثاقية، ليسأل بعد ذلك الحاضرين من منكم يعتقد عكس ذلك؟
كان سؤال بري موجها بالدرجة الأولى الى حليفه «حزب الله» ممثلا بالنائب محمد رعد، والى «حليف حليفه».. «التيار الوطني الحر» ممثلا بالوزير جبران باسيل. أجاب رعد بأن «حزب الله» يعتقد بأن الطائف هو الصيغة الأصلح ولكن بشرط تطبيق الطائف بكل حذافيره. أما باسيل، فأكد التزام «التيار الحر» بالطائف.
بتلك العبارة التي قالها محمد رعد ودُوّنت في محضر الحوار، أراد بري أن يقفل الباب أمام كل خطاب تشكيكي تردد في السنوات الأخيرة، سواء بعنوان «المؤتمر التأسيسي»، وهو كان قد تحفّظ على ذلك التعبير، أو بعنوان المثالثة التي لم تأت لا على لسانه ولا على لسان السيد حسن نصرالله في يوم من الأيام، لكن ثمة من سعى الى ترسيخها في الأذهان باعتبارها «مطلبا شيعيا»، برغم تنكر «الثنائي الشيعي» لها مرارا وتكرارا.
وهذه ليست المرة الأولى، التي يعلن فيها «حزب الله» موقفه من الطائف. «نظرتنا محسومة منذ زمن طويل، بـ «ان الطائف على علاته هو ناظم للعلاقات بلحاظ المعادلة الاقليمية ـ الدولية والتعقيدات المحلية، ويبقى ساري المفعول في هذه المرحلة طالما أن اللبنانيين عاجزون على الاجماع والتوافق على انتاج خيار آخر، لأن هناك من لا يتحمل مجرد التفكير بتطوير النظام السياسي ويقولون فورا هذا غير قابل للبحث».
واذا كانت هناك جهات لبنانية لا تقبل حتى بمجرد إجراء تمرين ذهني فكري «كيف يمكن لأي حزب لبناني مقاربة اي مشروع تطويري طالما ردة الفعل محكومة بمعارضة تصل حد التخوين»؟. في هذه الحالة، وطالما يوجد ناظم للعلاقات والتوازنات الداخلية «فلنعمل على اساسه، ونحن لا نطلب اكثر من تطبيق الطائف، وليس مطروحا لدينا اي نقاش في إدخال اي تعديل في تركيبة النظام اللبناني، بل المطروح هو تطبيق الاتفاق ومعالجة ثغراته التنفيذية، وإذا كان غيرنا لديه خيار آخر، فهذا ليس شأننا لان الموضوع ليس قيد البحث عندنا، لكن المشكلة الأساس تكمن في أن تطبيق الطائف لم يحصل وهناك اختراع لواقع دستوري مشوّه، فلم نعد نتحاكم او نحتكم للدستور، انما لعناوين لا علاقة لها بالدستور، وبصراحة.. الأمور لا تمشي هكذا. البداية تكون من التزامنا جميعا بالعودة إلى الدستور، وعند الاختلاف في التفسير، توجد آلية للتفسير وننتهي من هذه الاشكالية».
المثال على ذلك، هو كلام البعض عن دستورية انتخاب الرئيس بالنصف زائدا واحدا، «لكن الامر حسم وانتهينا من هذه النظرية، وأقر الجميع في ضوء مجريات جلسة انتخاب العماد ميشال عون، ان الامر يحتاج الى نصاب الثلثين، في كل الدورات. أيضا، طرح موضوع الحق بالتغيب عن جلسات الانتخاب، «وقلنا هذا حقنا الدستوري، ومن يعترض عليه أن يضع نصا تشريعيا يعتبر ان النائب الذي يتغيب عن الجلسات لمرات محددة، تتخذ بحقه اجراءات. الأمر يحتاج الى تشريعات لا ان يشرّع كل طرف على هواه».
يسري ذلك أيضا على القانون الانتخابي. «القانون الانتخابي العادل ليست ميزته الحصرية بأن يكون التمثيل واقعيا بما يضمن أن تتمثل كل الفئات بحجمها الحقيقي لا المنتفخ، ومن دون استبعاد احد، ولذلك، قلنا ونكرر أن حسن التمثيل يتعارض والقانون الاكثري الذي يعني أن نسبة 51 في المئة تتمثّل ونسبة 49 في المئة لا تتمثل. القانون العادل يحمل في داخله آلية محاسبة، فيصبح المنتخب ومنذ الدورة الأولى معنيا بالانتاج وبالاهتمام بأولوية الناس وبارضاء من أعطوه الوكالة، وبالتالي في النظام العادل يتحقق حسن التمثيل ويحمل قابلية الرقابة والمحاسبة ويجدد نفسه، وأي كلام عن عدالة أو صحة التمثيل لا قيمة له إذا لم يقترن باعتماد مبدأ النسبية».
«عندنا وثيقة وفاق وطني صارت دستورا، فلتطبق ولننجز القانون الانتخابي العادل، كونه الممر الاجباري للشروع ببناء الدولة العادلة بدل أن نوجع رأسنا في السؤال عن أي نظام نريد» يقول قيادي بارز في «8 آذار».