Site icon IMLebanon

سلام القابض على الجمر…”نجا بأعجوبة”

 

 

…من المرّاتِ النادرة التي يتفق اللبنانيون، المختلفون على كل شيءٍ وأيّ شيءٍ، على مديحهم «المنقطع النظير» لرئيس الحكومة تمام سلام، الذي قيل الكثير عن «صبره، حكمته، وسعة صدره، رباطة جأشه، وطنيته وعقلانيته» وكل ما شابه من مفرداتٍ يُراد منها إظهار الدور الاستثنائي لـ «الرجل الهادئ»، الذي تحوّل «مانعةَ صواعق» في زمنِ الزلازل.

ففي اللحظة التي تلملم حكومة سلام «قنابلها الموقوتة، وضغائنها، ونفاياتها السياسية، وخناجرها، ورؤوسها الحامية وخيْباتها»، انهالت على «المتنفِّسِ الصعداء» بياناتُ الإشادةِ من كل حدبٍ وصوبٍ، وقصائدُ «الغزل السياسي» في ظاهرةٍ «ما فوق الخلافات» لم يألفها لبنان منذ زمن، فأنصفتْ سلام الذي ربما أنقذ بلاده من حروبِ تصفيةِ الحسابات.

«الرؤساء» تمام سلام… رئيس الجمهورية بالنيابة، ورئيس الحكومة بالأصالة، ورئيس الـ 24 رئيس جمهورية من وزرائه، هو الآن في استراحةِ ما بعد العاصفة… خرج من السرايا الكبيرة التي آلتْ الى سواه عائداً الى دارته في المصيطبة بأقلّ أضرار ممكنة بعدما «نجا بأعجوبة» من تجربةٍ مريرةٍ في الحكم لم يَشهد لبنان مثيلاً لها، لا في تاريخه الحديث ولا القديم، استمرّت نحو 44 شهراً وهو الآتي لـ «بضعة اسابيع».

فعلى مدى عامين ونصف العام من الشغور في سدّة الرئاسة الاولى، ترأس سلام حكومة «الجمهوريات المتنازعة»، فأدار «القابضُ على الجمر» بحكمةٍ ودرايةٍ «حلبةَ الملاكمة» التي أخرجتْه أحياناً عن طوره، فضرب مراراً وتكراراً على الطاولة، وربما كتب بيان استقالته أكثر من مرة، لكن وفي كل مرّةٍ كان ينصاع للقدَر الذي جعله آخر حراس الهيكل الآيل الى السقوط فوق رؤوس الجميع.

لم يكن يغريه الجلوسُ على الكرسي في السرايا التي أَلِفها يوم كان يافعاً إبان حكومات والده صائب سلام، ولم يملّ او يكلّ من تكرار «السطر»، الذي كان ميؤوساً منه، في مستهلّ كل جلسةٍ لمجلس الوزراء حين كان يؤكد على الحاجة الى انتخاب رئيسٍ للجمهورية لمعاودة انتظام المؤسسات وتفادي الانهيار والفوضى والسقوط.

وككل يوم أحدٍ، جلس دولة الرئيس في «ديوانيته» امس يستقبل الناس في البيت الذي يعكس «روح بيروت» أيام العز، يستمع اليهم، «يداوي» مطالبهم، وهو الذي أوكلت اليه الآن مهمة تصريف الأعمال بعدما «أعاد الأمانة» مع تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الاولى في عهد الرئيس ميشال عون الذي حوّل القصر أمس «بيتاً للشعب» في «الجماهيرية» اللبنانية احتفاءً بالعودة اليه بعد 26 عاماً.

في دردشةٍ مع بعض الصحافيين، قال سلام لـ «الراي» عن تجربته المريرة وصبره في إدارة حكومةٍ استغرق تشكيلها نحو 11 شهراً واستمرّت 29 شهراً: «اللبنانيون هم الذين صبروا وتحمّلوا، وغالباً ما كنتُ أستمدّ عزيمتي وإرادتي من صمودهم وإدراكهم ووعيهم، وما عبّروا عنه من تحمُّلٍ للصدمات والسلبيات. فمَن صبر هو الشعب اللبناني الذي إليه يجب توجيه التحية، ولأنه سيكون دوره ايضاً أساسياً في الورشة المقبلة».

الأمر غير مريح… غالباً ما كان يردّد سلام هذه العبارة، اما الآن فـ «قلَبَ الصفحة»، وقال: «كلنا أمل بانطلاق المسيرة الجديدة، وان يصار الى تسهيل الأمور، فيتم تشكيل الحكومة بأسرع وقت والمباشرة باستعادة مقومات الدولة بأكملها في ظل وجود رئيسٍ للجمهورية، الذي يشكل مرجعاً وحكَماً ويظلل جميع اللبنانيين والدولة بأجمعها»، متمنياً لـ «الصفحة الجديدة كل التوفيق وخصوصاً ان الرئيس سعد الحريري قام بجهود مسؤولة وكبيرة أنجزت الاستحقاق الرئاسي ويتابعها بتشكيل حكومته التي أتمنى له التوفيق في إنجازها وفي مسيرتها».

وفي اعتقاد سلام، الذي أظهر قدراً كبيراً من «الرصانة والصلابة» في إدارته لأكثر المراحل حساسية في لبنان «ان الصفحة الجديدة تركتْ ارتياحاً عند الناس لأن اللبنانيين تعبوا في الفترة الماضية، عانوا كثيراً وعانينا معهم وان شاء الله يكون الفرَج قريباً بالذهاب الى تحقيق الاستحقاقات الوطنية، وأبرزها الانتخابات النيابية المقبلة كفاتحةِ خيرٍ لتعزيز نظامنا الديموقراطي».

لا يملك دولته اي سبب يمنع تفاؤله: «بطبيعة الحال تشكيل الحكومة يأخذ وقتاً فالعملية ليست مجرّد تجميع «بازل»، لكن أملي الا يستغرق أمر التأليف وقتاً طويلاً، فالمناخ العام في البلاد ايجابي وتحديداً على مستوى القيادات السياسية، ولذا أمَلي ولادة الحكومة في وقتٍ قريب للمباشرة باتخاذ قرارات وإجراءات تساهم في تفعيل الدولة ومؤسساتها تدعيماً لنظامنا الديموقراطي، وخصوصاً ان الجميع يقرّون بأن اتفاق الطائف مرجعيتنا، وتحييد لبنان عن الصراعات أمر متفَق عليه».

لا يألف سلام تقديم النصائح للآخرين بناء لتجربته: «تجربتي لي. وللآخرين تجاربهم. الرئيس ميشال عون هو الآن أمام تجربة حكم كبيرة انطلاقاً من كونه أصبح مرجعاً وحكَماً وهو مؤتمَن على التوازن في البلاد، اضافة الى المصلحة العامة… اما الرئيس الحريري فكانت له تجربة سابقة وهو رجل دولة ويعرف مستلزمات المسؤولية، وفي تقديري ان هذا ما سيَظهر سريعاً في تأليف الحكومة ومضيها في عملها وأتمنى له التوفيق، كما أتمنى التعاون بينه وبين رئيس الجمهورية. ولا ننسى دائماً الدور المحوري والكبير للسلطة التشريعية برئاسة الرئيس نبيه بري وما أبداه من حرصٍ على مدى الأزمة التي عشناها، وما سيحرص عليه بالتأكيد، لجهة فتْح صفحةٍ جديدة دعماً لكل ما يعزز نظامنا الديموقراطي».