كتب حبيب معلوف في صحيفة “السفير”:
بعد كل ما حصل من كوارث بيئية مع حكومة الرئيس تمام سلام، لا سيما كارثة بقاء أكثر من نصف نفايات لبنان في الشوارع وتعثر كل الخطط والحلول وانطلاق حملات مدنية وصل بعضها الى محاولة اقتحام مقر وزارة البيئة وطرد وزيرها… لا نعرف أي وزير سيجرؤ في الحكومة الجديدة على تسلم حقيبتها، وأي من الكتل النيابية ستحمل كرة النار هذه؟
لطالما حذرنا من أن هذه الحقيبة ليست كغيرها، وهي أهم وأخطر من ان تكون «سيادية» أو «خدماتية»… باعتبارها وزارة «حياتية» مؤتمنة على تأمين سلامة الموارد وديمومتها وعلى شروط الحياة والصحة العامة للبيئة والناس. ولطالما تم التعامل معها، على أنها «نفايات الحقائب الوزارية»، أو من فضلات موائد «الكبار».
جرت العادة أن تفتش الكتل الكبيرة عن الحقائب المصنفة سيادية وأمنية وخدماتية… أما حقيبة البيئة فكانت تترك دائما للأقليات أو لمن يُفترض إرضاؤهم أو إحراجهم لإخراجهم.
ربما هذا ما يفسر تعثر معظم ملفات الوزارة الأساسية، كملف ادارة النفايات وملف إدارة قطاع المقالع والكسارات والمرامل وتوابعه، وملفات حماية التنوع البيولوجي وكل ما يتعلق بشروط الحياة والصحة العامة…
ولقد واجه اللبنانيون أكثر من كارثة، معظمها لا رائحة لها كالنفايات، مثل تلوث الهواء والمياه والتربة والغذاء وكل عناصر الحياة الأساسية… حتى تم تخطي كل المعايير والحواجز، وأصبح لبنان الأول (بين دول المنطقة) في نسب الإصابات بالأمراض السرطانية على أنواعها، وغيرها الكثير من الأمراض المرتبطة مباشرة بسلامة البيئة.
انطلاقا من ذلك، يمكن القول إن فشل أي وزير للبيئة، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، هو فشل للكتل النيابية الكبيرة قبل الصغيرة، كونه ناجما عن فشل وعن علة ما في العقلية السياسية عامة.
قد يقول البعض ان لا عقل لدولتنا وأهلها. إلا ان بعض التدقيق يبيّن غياب العقل التدبيري ونجاح العقل النفعي، سواء أكان هذا النفع ماديا ام معنويا ام سياسيا ام سلطويا ام انتخابيا… ما يحتم على الناخبين، وعلى «الشعوب اللبنانية» عامة من الآن وصاعدا، المحاسبة وفق قواعد جديدة، تتعلق بقضاياهم الحياتية والوجودية.
ليست البيئة حقيبة من لم يبق له حقيبة. فهذه العقلية هي التي تنتج الكوارث والتي من المرجح أن تتفاقم أكثر وأكثر مع انطلاقة العهد الجديدة ومع تشكيل الحكومة الجديدة، اذا لم تبادر كتل كبيرة، الى تلقّف هذا الموضوع وتسمية وزير مع فريق عمل واسع الخبرة والاطلاع، أو ان تعهد هذه الحقيبة لشخصيات حيادية، تستطيع أن تحيّد ملفات البيئة عن الصراعات الدائرة، حتى اذا انتهت هذه الصراعات، يمكن أن تبقى لنا بيئة حاضنة، كما للأجيال الآتية.
في المقابل، على القوى الحية والحقيقية في المجتمع المدني أن تتحضر وأن تنظم نفسها استعدادا لجولة جديدة من المحاسبة لا يفترض أن تتمركز هذه المرة أمام مبنى وزارة البيئة فقط، بل ان تشمل مباني الكتل السياسية التي يصيبها النهم والجوع مع كل وزارة جديدة.