كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:
يثبت التفاهم القواتي ـ العوني يوماً بعد يوم أنه أمتن مما يتوقع كثر. منذ «إعلان النيات»، تتطور العلاقة بين الطرفين باستمرار. من راهن على هشاشته، تبين له أنه صلب جداً. يكفي تأييد سمير جعجع للعماد ميشال عون رئيساً لتبيان مدى صلابته. لكن، حتى تلك الخطوة قُرِئت في إطار «التسليفة المجانية»، قبل أن تتحول إلى مدماك من مداميك وصول عون إلى قصر بعبدا.
الرهان لا يزال حاضراً: متى يتباعد الطرفان؟ تأتي الإجابة سريعاً على لسان منسق العلاقة من طرف «القوات» ملحم رياشي: تفاهماتنا حدودها السماء. بثقة مطلقة، يقول مهما كانت الاختلافات بوجهات النظر في بعض الملفات والقضايا، لكن الأكيد أن زمن الخلافات قد طوي إلى غير رجعة. يلاقيه النائب ابراهيم كنعان أيضاً بالإشارة إلى أن التحالف وُجِد ليبقى، رافضاً كل ما يشاع عن خلافات على الحصص الحكومية. يقول كنعان: «حصتنا هي حصتهم والعكس صحيح، وذلك سيمتد إلى التمثيل النيابي في الانتخابات النيابية المقبلة».
يضع «القواتيون» كل ثقتهم بـ«سيد العهد» لمعالجة الملفات العالقة. ولذلك، لم تعد صعبة ملاحظة سقوط «حزب الله « من أدبيات الخطاب «القواتي» اليومي. هذا لا يعني أن الخلاف العقائدي العميق بين الطرفين قد انتهى، لكن يبدو واضحاً أن حزب «القوات» قد اتخذ قراره: الأولوية لصيانة العهد. وذلك لا يمكن أن يتم بالتوازي مع استمرار الحملة على «حزب الله».
إنجاز يفاخر العونيون بأنهم نجحوا في تحقيقه من خلال تفاهمهم مع «القوات». وعليه، يستنتج أن سلاح «حزب الله» والمشاركة في الحرب السورية لم تعد مواد صالحة للاستهلاك «القواتي». فإذا كانت في السابق مادة تجييش، فهي لن تكون فعّالة في أجواء المصالحة التي تسود البلد. هذا يعني أن التهدئة صارت عنواناً للسياسة الداخلية. ولولا هذه الأجواء لما كان أحد ليصدق أن موفداً للرئيس بشار الأسد يحط في بعبدا من دون أن يُسمع صوت واحد معارض أو منتقد، خصوصا من الذين صالوا وجالوا في مهاجمة الأسد واعتباره العدو الأول للبنان. ولولا هذه الأجواء لما تقبّلت «8 آذار» أن يخرج جبران باسيل عبر صحيفة «الشرق الأوسط» ليدعو «حزب الله» للانسحاب من سوريا، مع كل المتدخلين بالحرب، وترك سوريا للسوريين.
انطلاقاً من هذا الوضع الجديد، لم يعد جائزاً، بحسب «التيار الحر»، التعاطي بموضوع «القوات» بمنطق التشكيك، فقط لأن هذا الحزب يسعى إلى حصة وازنة في الحكومة أسوة بغيره.
للاتفاق العوني ـ القواتي ثلاثة أهداف:
ـ إنهاء الأحقاد التي كانت قائمة.
ـ تفعيل الدور المسيحي في إطار المصالحة الوطنية الشاملة.
ـ تثبيت رؤية مشتركة للدولة، تبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية وتستكمل بقانون الانتخاب والانتخابات وغيرها.
في النقطة الأخيرة، يمكن وضع ما يجري في سياق المفاوضات لتشكيل الحكومة. يعتبر الطرفان أنه قبل إجراء الانتخابات على أساس قانون عادل، يصعب تقدير الأحجام الواقعية لمختلف الكتل والأحزاب، خصوصا بعد انتخابات جرت وفق قانون غير عادل وتمديدَين للمجلس. ولذلك، يفترضان أن مسألة الأحجام النيابية يؤخذ بها كإشارة لا كثوابت، خصوصا أن استطلاعات الرأي تعبّر عن مزاج مختلف.
انطلاقاً من ذلك، يعتبر الطرفان أن حصة رئيس الجمهورية لا نقاش فيها، خصوصا أن مناقشات «الطائف» اشارت الى أن الدور الضامن لرئيس الجمهورية يكون من خلال إعطائه ثلث عدد الوزراء، تماماً كما تحدثت عن إعطاء وزارة المال للشيعة. لكن في العرف، منذ ذلك الحين، لا الرئيس حصل على الثلث المعطل ولا المالية كانت حكراً للشيعة. بل كان للرئيس حصة وزارية ثابتة والشيعة تخلوا عن المالية 22 عاماً.
وبعد التسليم بحصة رئيس الجمهورية، يأتي الحديث عن الحصة المسيحية في الحكومة. الحليفان يعتبران أنه كما أن المسلمين يختارون ممثليهم، يفترض بالمسيحيين أن يفعلوا ذلك، قاصدين «التيار» و«القوات» و«الكتائب» و«المردة» و«الطاشناق». وذلك يبدو من أهم عناصر الاتفاق «العوني» – «القواتي»، أي تعزيز الحضور المسيحي في الدولة، وصياغة رؤية جديدة لدورهم فيها.
ويركز الطرفان في عملهم على الشق الداخلي، خصوصا أن مشاكل المنطقة هي ظرفية، وبالتالي الخلاف بشأنها لن يدوم، ولا داعي لمن ليس له تأثير عليها أن يضعها عنصراً من عناصر الاشتباك الداخلي.
ذلك أمر متفق عليه بين الطرفين، اللذين صار لديهما أجندة مشتركة للفترة المقبلة.. نقطة البداية فيها تشكيل الحكومة.