بدأت رئاسة الجمهورية التحضير لأول رحلة خارجية يقوم بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إلى العاصمة السعودية، في ظل تقديرات بأن يتم تحديد موعدها النهائي بعد الانتهاء من عملية التأليف الحكومي والتقاط الصورة التذكارية ونيل الحكومة ثقة المجلس النيابي.
والسبب أنه في الزيارات البروتوكولية، يرافق رئيس الجمهورية، عدد من الوزراء، وبينهم وزير الخارجية، ولا يجوز تقديمهم بوصفهم وزراء تصريف أعمال، كما أن أي وزير جديد تبقى صفته منتقصة إذا لم تكن الحكومة قد نالت ثقة السلطة التشريعية، لذلك، كانت البداية من عند إبداء العماد عون رغبته بزيارة السعودية. وهي خطوة كانت منتظرة من الرياض، على أن يتولى موفد سعودي لاحقاً زيارة بيروت لتقديم التهنئة الرسمية على غرار الإيرانيين والسوريين، وفي الوقت نفسه، توجيه دعوة ملكية إلى رئيس الجمهورية لزيارة المملكة.
وفي هذا السياق، جاءت زيارة القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري، أمس، إلى وزارة الخارجية، حيث سلم وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، رسالتين، الأولى من «السلطات السعودية»، والثانية، من نظيره وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
ولا تستخدم وزارة الخارجية عادة تعبير رسالة من «السلطات السعودية»، لكن المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية تعمّد هذه الصياغة الملتبسة من أجل عدم إحراج قيادة المملكة، في حال استجد ما يمنع عون من تأجيل الزيارة، علماً أن كل المؤشرات تصب في اتجاه حصول الزيارة.
ووفق مصادر مقربة من وزير الخارجية، فإن عون يريد لزيارته أن لا تقتصر على الجانب الرسمي البروتوكولي، بل أن تتخذ طابعاً سياسياً بامتياز وأن يتخللها إعلان سعودي عن الإفراج عن هبة الثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية. وهي النقطة التي أثارها الفرنسيون مع السلطات اللبنانية، على أن يتكامل جهد العاصمتين اللبنانية والفرنسية في الاتجاه نفسه.
هل يمكن أن تقتصر أهداف الرحلة العونية المرتقبة الى الرياض على هذه العناوين، أم يمكن للعهد اللبناني الجديد أن يحمل ملفات أخرى؟
يقول مرجع لبناني واسع الاطلاع لـ”السفير” إن زيارتَيْ وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ووزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان لبيروت، تقاطعتا عند جملة كررها الإثنان، أمام أكثر من مسؤول لبناني. وهي وجوب تعميم النموذج اللبناني الرئاسي ـ الحكومي، في أكثر من بلد عربي، وبالتالي، الدعوة الى تكريس الحلول السياسية التوافقية للأزمات في اليمن وسوريا والعراق والبحرين، خصوصاً بعدما أثبتت الوقائع على مدى السنوات الماضية استحالة الحسم العسكري.
ويستشهد المرجع اللبناني، الذي كان قد اجتمع بالبابا فرنسيس، مرتين خلال العام الحالي، بما قاله الحبر الأعظم قبل شهور عدة في معرض تعليقه على ترشح الجمهوري دونالد ترامب للرئاسة الأميركية إن شخصاً يفكر ببناء الجدران وليس الجسور “ليس مسيحياً”.
يضيف المرجع اللبناني أن العماد عون، ومن موقعه اللبناني ـ العربي ـ المسيحي، سيأخذ على عاتقه أن يكون مبادراً الى مد الجسور بين السنة والشيعة، فيزور الرياض ويُكمل من بعدها إلى طهران، في محاولة لإبراز دور ريادي جديد للمسيحيين في المنطقة، بحيث يتحوّلوا إلى صمام أمان، في ظل احتدام الصراع بين الكتلتين السنية والشيعية.
ويشير المرجع نفسه الى أن عون لن يكون، بحكم شخصيته، في موقع المتلقي، بل سيكون في موقع المبادر، ولعل البداية تكون من سوريا، حيث تؤهله علاقاته الوطيدة بالنظامين السوري والإيراني من جهة، وعلاقته المستجدة بالنظام الرسمي الخليجي من جهة ثانية، للبحث عن قواسم مشتركة، من شأنها أن تشكل قوة دفع للحل السياسي في سوريا، خصوصاً أن لبنان صاحب مصلحة في إنهاء مأساة باتت تشكل خطراً وجودياً عليه.
ويجزم المرجع بأن عون الرئيس “سيكون غير عون رئيس أكبر تكتّل مسيحي، ومن هنا، تبرز مسؤوليته الأساسية، في تسريع انعقاد طاولة الحوار الوطني في بعبدا، بعد تأليف الحكومة الجديدة ونيلها الثقة، من أجل تعزيز المشتركات بين اللبنانيين، وخصوصا بين المكونين الشيعي والسني، مستفيداً من دور وازن لمكونات أخرى، وأبرزها المكون الدرزي الذي لطالما تصدّى لهذه المهمة التاريخية في السنوات الأخيرة”.