كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”: بينما كان الاعتقاد السائد أن ترتيب العلاقة بين بعبدا وعين التينة، برعاية مباشرة من «حزب الله»، سيستهلك أغلب «زمن التأليف»، بوصفه القطعة الأصعب في «البازل الحكومي»، ربطاً بتراكمات كانت آخر تجلياتها المعركة الرئاسية، تبيّن أنّ «العقدة القواتية» هي عقدة العقد.
تتصرف معراب بوصفها «أم الصبي» في «العهد البرتقالي». لذلك، تحرّك ماكينتها الإعلامية لإقناع الرأي العام بأنّها الشريكة الأولى في وصول ميشال عون إلى بعبدا، ولا بدّ أن تكون أولى ترجمات هذه «الشراكة» في التركيبة الحكومية أولا والتعيينات الإدارية ثانياً والانتخابات النيابية المقبلة ثالثاً.
مما لا شك فيه أنّ «القوات» تنطلق في مقاربتها وسلّة مطالبها من التفاهم الشامل الذي أبرمته مع «التيار الوطني الحر» الذي وعدها بمساواتها بنفسه، على قاعدة توزيع المقاعد الوزارية مناصفة بين الطرفين، كي “لا يظلمها”.
بهذا المعنى، تبدي معراب ارتياحها لسير المشاورات الحكومية، انطلاقاً من ثقتها برسوخ تفاهمها مع العونيين، وبالتالي عدم خشيتها من «تهريبة» ما قد تضع العصي في دواليب حصتها الحكومية.
تتكل معراب بثقة على حرص «حليفها الجديد» على حفظ مكانتها وموقعها وفقاً للاتفاق المبرم بينهما، لتعطي مشاورات التأليف مساحتها الزمنية الكافية.
تعني قاعدة «التماثل» بين معراب والرابية، بما في ذلك على الحقيبة السيادية، أن ما سيؤول الى «التيار الوطني الحر» من حقائب، كمّاً ونوعاً، يفترض أن تنال «القوات» مثله، لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر.
في السياسة، قرّر سمير جعجع أن يتصرف بوصفه من صنف «اللاعبين الكبار»، أي أنه لا يقاس بنفوذه وتأثيره، بكتلته التي تضم ثمانية نواب. يعرف جيداً أن ما انكسر مع سعد الحريري سيصعب لحمه، حتى لو عادا والتقيا عند تقاطع ترئيس ميشال عون. لكن زمن السمن والعسل صار ماضياً يستحيل استعادته. ولهذا لا يمكن له بعد اليوم الاتكاء على “الحائط الأزرق”.
ويدرك جعجع جيداً منذ اللحظة الأولى لإبرام «إعلان النوايا» أنّ رهانه على الجنرال وقطعهما معاً الطريق على وصول سليمان فرنجية الى بعبدا، سيزيد من حوله دائرة الخصوم. لذا، عليه أن يقطف ثمار «تفاهم معراب» حتى آخر نقطة… وأول الغيث التشكيلة الحكومية.
يتصرف «الثنائي المسيحي» على قاعدة الفصل بين حصّة رئيس الجمهورية وتلك التي ستعود الى «تكتل التغيير والاصلاح»، ما يعني وضع حقيبتين سياديتين في جعبة الفريق البرتقالي، ويمكن بذلك تجيير احداهما لـ «القوات» تنفيذاً للاتفاق الثنائي. لكن رياح المشاورات جرت بغير ما تشتهيه سفن الطرفين. إذ سرعان ما رُفع «الفيتو» من كل حدب وصوب بوجه مشروع «الهدية السيادية»، حيث تؤكد أوساط «قوى 8 آذار» أنّ «حزب الله» سبق وأبلغ سائليه أنّه ليس ملزَماً بأي اتفاق جانبي يعقده حليفه البرتقالي مع «القوات»، وبالتالي ليس مضطراً للدفاع أو للوقوف بجانب هذا المطلب أو غيره.
كما أنّ الرئيس نبيه بري أبلغ، وفق الأوساط ذاتها، الرئيس المكلف سعد الحريري أنّ توزيع الهدايا غير جائز، ولا يمكن تسجيل سابقة منح الكتلة القواتية المؤلفة من ثمانية نواب، حقيبة سيادية..
للفريق المدافع عن «سلّة معراب» وجهة نظره التي تقول إنّ حكومات بعد الطائف سجلت الكثير من حالات التوزير غير المرتبطة بالتمثيل النيابي، ومع حقائب سيادية. الياس المر نموذجاً فاقعاً. ما يعني أنّ الاختباء خلف هذه الحجة غير مقنع لأنه يعني أنّ هناك اعتبارات أكثر أهمية تجعل من الفيتو على «القوات» ستارة تخفي ما هو أعمق من هذا الأمر.
يؤكد هؤلاء أنّ «القوات» لن تتراجع عن المطالبة بحصة وازنة في الحكومة، ولكنها في الوقت عينه، لن تكون حجر عثرة أمام قيام أولى حكومات العهد، ولذا فهي ستوازن بين الأمرين ويمكن بالنتيجة حياكة توليفة تكون مرضية للجميع، مع التأكيد أنّ زمن المناصفة الحقيقية قد بدأ ولا يمكن أبداً الوقوف بوجهه.
في اعتقاد هؤلاء أنّ السقف العالي الذي يرفعه فريق الثامن من آذار، بمطالبته بوزير ماروني لـ «المردة» وآخر ارثوذكسي لـ «القومي» وثالث سني، الى جانب رفضه أي صيغة لجلوس قواتي أو من يمثله على كرسي سيادي، قد يعني أمراً واحداً فقط: زمن التأليف لم يحن بعد، «فهل هناك من يريد للفراغ أن يستمر حتى بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية»؟