كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:
خلال المرحلة الحالية، تحوّلت سوريا إلى وجهة حرب فعلية وجدية بالنسبة إلى “حزب الله”، ومع إنغماسه في هذه الحرب، يكون الحزب قد حوّل جميع المناطق السورية والبلدات وعلى رأسها مدينة “حلب”، إلى نقطة إشتعال دائمة تطال شراراتها عناصره في كل يوم، ومع هذا التحوّل الكبير في العقيدة والإستراتيجية، أصبحت حلب اليوم نقطة ساخنة وصارت وجهة للسلاح والعناصر الذين يعبرون إلى ضفّة ميدان تبتلع الكبير قبل الصغير.
صارت حلب “قبلة” لـ”الجهاد” وعنوانا لمقاومة تُصر على تحقيق “الإنتصارات” بأي طريقة وأي تكلفة إذ لا يهم عدد الذين يسقطون أو يُجرحون أو حتّى يؤسرون، فالمهم الإيفاء بالإلتزامات وتحقيق شعار “التضحية بالثُلثين من أجل الثلث المُتبقّي”. وإضافة إلى الشعار هذا، فإن الذهاب إلى سوريا وخصوصاً “حلب”، لم يعد يوصف اليوم بـ”الرحلة” كما كان الحال قبل أشهر، إذ تحوّلت هذه المدينة إلى كابوس فعلي ودائم لمعظم أبناء الطائفة الشيعية حتّى إن بعضهم يُطلقون عليها تسمية “البالوع”. حتّى إن معظم أهالي عناصر “حزب الله” إن لم يكن جميعهم، يطمئنون لخدمة أبنائهم في أي مكان في الداخل السوري، شرط عدم إرسالهم إلى حلب، فمن يقع عليه الإختيار في أن يخدم هذه المدينة، من الصعب أن يعود حيّاً، بحسب وصفهم.
الأزمات التي تُلاحق “حزب الله” في سوريا، لا شك بأنها كبيرة وثقيلة، فهي تُنهك جسمه العسكري والسياسي تباعاً. وحتّى اليوم، يرفض الحزب التطرق بشكل صريح وواضح إلى عدد العناصر الذين فقدهم منذ اربع سنوات ولغاية اليوم، وآخر حديث في هذا الشأن، كان أشار اليه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، كان منذ عامين تقريباً، يومها قال إن “عدد الشهداء الذين سقطوا لنا في سوريا، لا يتجاوز المئتين”. لكن الكلام هذا، لم يعد ينطبق على حسابات الميدان ولا الأرقام التي تتصدر الإعلام يوميّاً بهذا الخصوص، ومن باب إضفاء “الشرعية” على هذا الموت، كان كلام قادة الصف الأوّل في “حزب الله” بأن “حلب هي ام المعارك”، وبأن “القتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن سوريا والمنطقة بأسرها”، وصولاً إلى مقولة “إن معركة حلب سوف تحدد معالم المنطقة”.
هذا التكتم حول أعداد العناصر وطبيعة الحرب التي يخوضها “حزب الله” في حلب، أضاءت عليه أمس قناة “العربية في تقرير وعلى الرغم من عدم الكشف عن الخسائر البشرية الحقيقية لميليشيات الحزب، إلا أن التقديرات تشير إلى أن “عدد القتلى من عناصره زاد على 1500 عنصر، بينما تقول مصادر سورية معارضة إن العدد أكبر من ذلك بكثير”. والكلام هذا، يؤكده مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية اللواء يحيى رحيم صفوي، انَّ “آلافاً من أفراد حزب الله اللبناني سقطوا حتّى اليوم في سوريا”.
وفي ما يتعلّق بخسائر “الحرس الثوري الإيراني” السياق أكدت صحيفة “كيهان” الإيرانية مقتل وأسر نحو 2700 مقاتل من “فيلق القدس” الذي يقوده اللواء قاسم سليماني، وميليشيات “فاطميون”، و”زينبيون”، التابعة للحرس الثوري الإيراني، وذلك في حصيلة أربع سنوات”. والمؤسف أن “حزب الله” يذهب مع إيران في مشروعها التفتيتي من دون أن يُدرِك حجم التكلفة التي تدفعها الطائفة الشيعية وحجم الارتدادات السلبيّة على لبنان ككل. وثمة من يقول، إن إيران التي نجحت في هدم الدولة في العراق وسوريا ولبنان، لن يصعب عليها بعد إنجاز مشروعها، التخلص من حزب، أنجبته هي وموّلته ودرّبته وسلّحته وأوصلته إلى ما هو عليه اليوم.
وفي ظل الصراع الخفي الذي يعيشه “حزب الله” مع بيئته على الأرض، رأى قسم من هذه الأخيرة، فسحة من الحريّة للتعبير من خلالها عن عدم الرضى حول مشاركة أبنائهم في هذه الحرب، بينما يفرّ عناصر وضبّاط جيش النظام من أرض المعركة. هذه الفسحة كانت من خلال مواقع التواصل الإجتماعية حيث نقل جمهور الحزب رسالة قالوا انها من سليماني إلى نصرالله جاء فيها: في حلب سطر مجاهدو حزب الله اعظم الملاحم في الاسبوع الماضي وحتى اليوم عدد قليل من مجاهديك وفي بعض الاماكن ١٣ شابا واجهوا هجوما يقدر بـ ٨٠٠ انغماسي ومرتزق مدعومين باليات مفخخة، فمن شدة الانفجار بعض من رجالك كانوا يستشهدون فورا. ملاحظة: لم يثبت في الميدان سوى رجالك فهنيئا لك ولهم ولعوائلهم هذا العز”.
من المؤكد أن قيادة “حزب الله” تسير خلال المرحلة الآنية، على منهج يقوم على طبيعة التأقلم مع القتل وربما تمكّنت في مكان ما، من تثبيت هذا التأقلم خصوصاً في ظل إنعدام فرص امتناع مُعظم شبّان القرى الشيعية عن المُشاركة في الحرب السوريّة. لكن وسط هذا النهج، بدأ الحزب يشعر بعمق وخطورة المستنقع الذي أغرق نفسه فيه منذ قرر أن يكون طرفاً في الصراع السوري، ويزداد هذا الشعور ويكبر بشكل ملحوظ، وسط عجز فاضح يتعلّق بعدم إمكانية تحقيق أي انتصار من شأنه أن يُبرّر الأسباب التي أدت أو دفعته إلى هذا التدخل والتي على أساسها ما زال حتّى اليوم يُحاول أن يُقنع جمهوره بأهمية هذه الحرب ودفعه اليها تحت مُسمى “الواجب الجهادي”.