كتبت رولا حداد
عانى المسيحيون الأمرّين منذ إقرار اتفاق “الطائف”، وتحديداً منذ اغتيال الرئيس الشهيد رينه معوض وإخضاع “الوفاق الوطني” للهيمنة السورية. تمت الإطاحة بالعماد ميشال عون يومها عسكرياً لتأكيد القهر، وهو ما كان رفض الرئيس معوّض الموافقة عليه. بعد ذلك تمت محاصرة “القوات اللبنانية” عبر محاولة تحجيمها في أكثر من حكومة، قبل أن يُتخذ القرار بإقصائها سياسياً وقمعياً وفبركة الملفات لها قضائياً.
استمرّت المعاناة حتى الـ2005، يوم ظنّ المسيحيون أن “ثورة الأرز” وانسحاب جيش الاحتلال السوري من لبنان سيعيدان منطق الشراكة والتوازن إلى الحكم ليعود “الطائف” إلى سكته الصحيحة. لكن أركان “انتفاضة الاستقلال” فشلوا على مستويين: الأول في استكمال إنجاز السيادة في مواجهة “حزب الله” الذي أحلّ الهيمنة الإيرانية مكان الاحتلال السوري، والثاني في تحقيق الشراكة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين.
بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول الماضي، تعترف أكثرية اللبنانيين أن رئيساً قوياً وصل إلى قصر بعبدا، بمعايير حجم التمثيل الشعبي والحضور السياسي، بموازاة منطق التمثيل الشيعي والسني والدرزي. لكن الثابت أن هذه الخطوة لا تكفي على الإطلاق، وتنقصها خطوتان لا بدّ منهما لتحقيق الشراكة الفعلية بين مكونات الوطني: الأولى عودة التوازن إلى الحكومات من خلال عودة التمثيل الحقيقي للمسيحيين فيها وبشكل متوازن مع المسلمين، والثانية إقرار قانون جديد للانتخابات يؤمّن التمثيل الصحيح للجميع.
ومكمن الخلل هو في استمرار محاولة البعض الهيمنة على الحصص المسيحية الوزارية والنيابية، في مقابل حماية الحصص الشيعية والسنية والدرزية. وفي حين أنه من المقزز استمرار التصنيفات الطائفية والمذهبية في لبنان، إلا أن الواقعية السياسية تفرض علينا التعاطي مع الواقع الموجود من دون تجميل. ففي حين يحرص الثنائي الشيعي على سبيل المثال ليس فقط على إبقاء الحصة الشيعية تحت السيطرة، بل وأيضاً وعلى سبيل المثال، فرض رئيس المجلس على جميع اللبنانيين بغض النظر عن نتائج الانتخابات النيابية وأي أكثرية وأقلية تنتجها. وحتى حين يقرر الثنائي الشيعي تجيير جزء من حصته، كما عند توزير الوزير فيصل كرامي كسني عوضاً عن شيعي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي فإن الأمر يقترن بالإبقاء على الهيمنة السياسية بغض النظر عن الاستثناء المذهبي في التوزير.
ولا يختلف الأمر عند الطائفة السنية حيث يصرّ تيار المستقبل على تسمية الوزراء السنّة بالكامل لتكريس آحادية السلطة في الشارع السني، وكذلك الأمر عند الدروز حيث يحتاج توزير ممثل للنائب طلال أرسلان الى موافقة جنبلاطية مسبقة.
كل هذه المعادلات تسقط عندما يتصل الأمر بالحصة المسيحية. فالرئيس سعد الحريري يصرّ اليوم على تسمية وزيرين مسيحيين يكونان من حصة تيار المستقبل، تحت شعار أن تياره عابر للطوائف، في حين أنه لا يجرؤ على المطالبة بتسمية وزير شيعي من حصته، ويبدو وكأن عبوره للطوائف هو في اتجاه واحد نحو المسيحيين!
والرئيس نبيه بري يسعى بشكل دائم إلى مد يده إلى الحصة المسيحية، ولو بشكل غير مباشر عبر الإصرار على توزير تيار المردة، الذي يقف سياسياً خلف بري، وأيضاً عبر توزير الحزب السوري القومي الاجتماعي من ضمن الحصة المسيحية!
وهنا يُطرح أكثر من سؤال حول قبول معظم الأطراف بوصول “رئيس قوي” إلى قصر بعبدا، وهل المطلوب من هذا الرئيس القوي أن يكون “شاهد زور” حين يصل الأمر الى الحصص المسيحية وزارياً ومن ثم نيابياً؟ وألا يحق للرئيس القوي أن يستعيد الحصص المسيحية التي كرّسها “الطائف” إلى المسيحيين؟
إن تشكيل الحكومة يجب أن يشكل تكريساً فعلياً لا نظرياً لمنطق “عودة الحق إلى أصحابه”، وذلك برفع اليد عن الحصص المسيحية وتركها لأصحابها، تماماً كما أن إقرار قانون جديد للانتخابات يجب أن يشكل المدخل الصحيح لعودة التوازن الفعلي إلى مجلس النواب لنتمكن من أن نلج فعلاً لا قولاً إلى التنفيذ الفعلي لـ”الطائف” والمناصفة الحقيقية والشراكة الفعلية على مستوى السلطة لبناء لبنان الجديد.