كتبت ناتالي اقليموس في صحيفة “الجمهورية”:
يومٌ «عرساليّ» بامتياز شهدته المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد حسين عبدالله ومعاونة القاضي المدني حسن شحرور. 10 جلسات كانت على جدول أعمال المحكمة طاوَلت نحو 160 مدَّعى عليهم، بعضُهم من «الصيد الثمين»، متّهَمين بالانتماء إلى تنظيم مسلّح والمشاركة في معارك عرسال ضد الجيش اللبناني وخطف عسكريين في آب 2014.«مو صحيح هالحكي سيدنا»، هذه كانت العبارةَ الأكثر تكراراً على ألسنة المدّعى عليهم الذين استجوبتهم المحكمة العسكرية أمس، مستتبَعةً بجملة إمّا «سيدي قلتُن تحت الضرب والتعذيب»، إمّا «سيدي ما حكيت شي بسّ نْطَلَب منّي وقِّع هون فَـوقَّعت».
من بين الذين مثلوا أمام قوس المحكمة عبدالله يحيى رحمة (1990)، سوري الجنسية، من الأسماء ذات «العيار الثقيل»، نظراً لتنقّلِه بين عدد من
التنظيمات المسلحة. أنكَرَ رحمة باستمرار اعترافاته السابقة حين حاوَل العميد عبدالله تذكيرَه بها، وبقيَ على موقفه «مو صحيح».
إذ نفى أن يكون معروفاً باسم «أبو خالد كوبرا» بل «أبو يحيى»، وأنه قاتلَ في يبرود، أو انتمى إلى «كتائب الفاروق» بقيادة السوري موفق الجربان الملقّب بـ«أبو السوس».
وقال له العميد: «عام 2012 تعرّض منزل أهلك للقصف فتوفّي أخوك وأصبتَ أنتَ بكتفك». فأنكر رحمة ذلك مشيراً إلى تعرّضِه لحادث سير على إثره توفّي شقيقه وتعرّض كتفه لضربة، كلامٌ تعذّرَ على الحاضرين تصديقه، كذلك على هيئة المحكمة.
تسلّح مقابل 300 دولار
بنبرةٍ حاسمة توجّه العميد عبدالله إلى رحمة قائلاً: «إذا جايي تتذاكى على المحكمة، هون مِش جايين نتسلّى». وأضاف: «مع سقوط القُصير انتميتَ إلى «فجر الإسلام» بقيادة عماد جمعة (أبو أحمد) مقابل 300 دولار كراتب شهري».
فردّ رحمة: «لم أنتمِ إلى «فجر الإسلام» ولا أعرف جمعة أصلاً». إلّا أنّ عبدالله تابعَ تذكير رحمة باعترافاته: «كنتَ مسؤولاً لوجستياً للواء، شاركتَ في معركة يبرود في منطقة الفنادق».
فردّ رحمة: «لا أعرف هذه المعلومات سيدي». وتابعَ عبدالله: «دورك لوجستي، يساعدك فراس غنوم المسؤول اللوجستي داخل عرسال ويحيى حمد المسؤول عن التوجيه السياسي في اللواء، من مهمّاتك تجهيز المقاتلين وتسليحهم، إحصاء الأعتدة والذخائر، صحيح؟». إلّا أنّ رحمة ظلّ على موقفه، فأوضَح له عبدالله: «هذا الأسلوب لن يفيدك ولن يُحسّن وضعَك».
وتابع: «كنتَ ترافق جمعة لملاقاة أبو مالك التلّي لعقد اجتماعات أمنية، وفي إحدى المرّات طلب جمعة من أبو مالك التلّي تجهيزَ جميع المقاتلين كونه يتمّ الإعداد لهجوم كبير يضمّ كلّ الفصائل الموجودة في الجرود من «جبهة النصرة»، «داعش» و«الجيش الحر»…». واصَل رحمة الإنكار.
وتوقّفَ عبدالله عند مبايعة تنظيم داعش: «في تمّوز 2014 بسبب مضايقات «جبهة النصرة» لجمعة، أعلنَ مبايعتَه تنظيم «داعش» وقد شاركتَ في المبايعة وظهرتَ في فيديو مسجَّل برز في الإعلام، تقف خلف جمعة». إلّا أنّ رحمة نفى ذلك أيضاً.
ليكملَ عبدالله: «على أثر شيوع خبر توقيف الجيش لجمعة في 2 آب عند الحادية عشرة قبل الظهر، عند حاجز وادي حميّد، تواصلتَ مع يحيى الحمد الملقّب بـ«أبو طلال» للعمل على إطلاق جمعة، حاولَ الهجوم على الحاجز لكنّه لم يتمكن من إسقاطه نتيجة الردّ القوي الجوّي من الجيش اللبناني، وتزامناً قاد مسؤول في «داعش» أحمد محمود طه المعروف بـ«أبو حسن الفلسطيني» الهجومَ على حاجز للجيش في وادي الحصن وأسَر 7 عسكريين واستولى على آلياتهم». بتحِب تقول شي؟ فأجاب رحمة: «لا سيدي».
وتابعَ عبدالله: «في المرّة الأخيرة شاهدت العسكريين في وادي نحلة، حينها تمّ تصويرهم، وعلمت لاحقاً أنّهم في منطقة الزمراني في مغارة كبيرة، و«ابو بلقيس» مسؤول شخصي عنهم».
شظيّة… فضَحته
إلّا أنّ رحمة بقيَ على موقفه: «مو صح»، فسأله عبدالله: «ما الصحّ إذاً؟». فروى رحمة أنّه طالبٌ جامعي في حمص، تعرّض لحادث سير فأصيبَ كتفُه، انتقلَ مِن يبرود إلى عرسال، عملَ في تجارة الألبسة في المخيّمات، فكان يشتريها من تجّار سوريين ويبيعها في المخيّمات. أمّا عن طريقة توقيفه فقال: «بينما كنتُ أعدّ أوراقي في الأمن العام لإصدار باسبور، «وأكيد لو كِنت عامل شي ما كِنت جيت ع إجرَيّي إلى الأمن العام».
وهنا طلبَ عبدالله من رحمة أن يظهر كتفَه والضربة التي تعرّضَ لها جرّاء الحادث وليس نتيجة مشاركته في القتال، وفقَ ما ادّعى، فخلعَ رحمة قميصَه، وهنا كانت الدهشة إذ بدا كأنّ قطعة لحمٍ اقتُطِعت من كتفه مع بروز لآثار شظية وليس مجرّد حادث سير. ووسط ذهول الحاضرين أرجئت الجلسة إلى 17 كانون الثاني 2017.
تسليم العسكريين إلى «داعش»
أمّا ماضي المدّعى عليه صفوح زكريا الملحم فلا يقلّ حفاوةً عن رحمة، وهو المتّهم بالانتماء إلى تنظيم مسلّح والقتال ضد الجيش في عرسال. من يصغي إلى الملحم ونبرته الهادئة يظنّ أنّ الأجواء «سرود ع برود»، ولكن في نظرة سريعة إلى ملامح وجهه وهو يَمثل أمام قوس المحكمة، يتأكّد أنّ في القضية «شي مِش راكب»، فعرقُه المتصبّب منه يؤكّد أنّ ما يقوله عكس الحقيقة، أي أنّ دورَه تعدّى المشاهدة، إلى المشاركة.
شكّلَ هروب الملحم من الخدمة الإجبارية في سوريا انطلاقة اعترافه. بعد اندلاع الثورة السورية التحقَ بـ«مجموعة الحزم» (الجيش الحر) لعدم توافرِ مسكن له، من دون أن يتسلّم أيّ سلاح أو يخضع لأيّ دورة تدريبية، «لم أحمله ولا أعرف كيف يُحمل».
«عشتُ مع المجموعة 6 أشهر»، مقابل ماذا؟ بتِشرب وبتاكل ولاشي؟ يسأله عبدالله، يتردّد بدايةً الملحم في الإجابة قبل أن يقول: «لا شيء… مقابل خدمات لوجستية كإعداد الطعام».
وخلال التحقيق معه، روى الملحم كيف حضَر أبو حازم شقيق «المقنّع» في 2 آب 2014 وجَمع الشباب وصرّح لهم أنّهم يريدون قتالَ الجيش، فجمعوا 60 مسلّحاً وتوجّهوا إلى عرسال. سأله عبدالله وأنتَ لم تذهب؟ ردّ الملحم: «بعمري ما شاركت بمعركة». تابع عبدالله: «كنتَ حرس ع المقرّ؟»… فردّ: «لا مِش شَغلتي حرس».
بين الذبح والمبايعة
وروى الملحم كيف عاد أبو حازم ومعه 4 أسرى من العسكريين اللبنانيين، «أنا ما شِفتن عرفت من الناس»، قاصداً بذلك من المقاتلين الموزّعين على الخيَم في الوادي ويتواصلون عبر زيارات فردية
أو الحديث عبر الأجهزة اللاسلكية. وأكّد الملحم أنّ أبو حازم وضَع الأسرى في خيمة تحت مراقبة مشدّدة، ومنع أياً كان من الاقتراب منهم. بَيد أنّ «داعش» على إثر عِلمه بالأمر بدأ يطالب بتسليمه الأسرى، فتمّ ذلك وفق مراحل، بدايةً 3 عناصر، وفي الأسبوع التالي، الرابع.
وشرَح الملحم كيف أعدَمت داعش «المقنّع»، وهدّدته شخصياً بالذبح: «تنظيم داعش أسرَني وهدّدني بالذبح يومياً، وتمّ تخيير المجموعة بين المبايعة أو الرحيل، لذا اخترتُ الرحيل إلى عرسال، أمضيتُ شهراً هناك، ثمّ انتقلتُ إلى عكّار حيث سكنتُ عند ابن عمّ أبي ومكثتُ 8 أشهر، وثمّ انتقلتُ إلى العيش في الفيدار حيث أوقفَتني المعلومات في جبَيل».
وسأله عبدالله: «كم شخصاً بايعَ «داعش» من المجموعة؟ فردّ: «ستة»، نافياً علمَه بالعدد الذي شاركَ في قتال الجيش، «ربّما بين 20 و30، والبقيّة كانوا في المخيّم». بعدها أرجَأ عبدالله الجلسة إلى 17 كانون الثاني 2017.